31/10/2010 - 11:02

حقيقة التمسك باتفاقية معبر رفح../ أحمد الحيلة*

حقيقة التمسك باتفاقية معبر رفح../ أحمد الحيلة*
قبل البحث في أسباب تمسك الرئيس عباس في اتفاقية معبر رفح، وإصراره على عودة الأوضاع في المعبر إلى ما كانت عليه قبل حسم حركة حماس "معركتها" مع الأجهزة الأمنية في حزيران 2007، لا بد من محاولة استعراض واستقراء بنود الاتفاقية للبحث بين سطورها، علّنا نكتشف أهمية وأفضلية هذه الاتفاقية في خدمة مصالح أبناء قطاع غزة خاصة، والشعب الفلسطيني عامة.

عند مراجعتنا للاتفاقية، وجدنا من الأهمية بمكان تسليط الضوء على أهم الخلاصات وذلك على النحو التالي:

• أولاً: فيما يتعلق بحركة الأفراد، فالاتفاقية سمحت للفلسطينيين حاملي الهوية الفلسطينية (فقط) ـ التي تصدر بموافقة وإذن الاحتلال ـ باستخدام معبر رفح، وإذا كان الفلسطينيون المقيمون في الضفة الغربية لا يستطيعون الوصول إل غزة بسبب الحصار، والحواجز، والموانع الإسرائيلية، فإن المعبر يصبح عملياً مخصصاً للفلسطينيين في قطاع غزة فقط، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فالاتفاقية تعطي إسرائيل الحق في الاعتراض على سفر أي فلسطيني يحمل الهوية الفلسطينية استناداً إلى حجج وذرائع أمنية..، وعلى السلطة الفلسطينية أن تأخذ بعين الاعتبار المعلومات الإسرائيلية الواردة بحق هذا الشخص قبل أخذها القرار لمنع الشخص، أو السماح له بالسفر، هذا فضلاً عن أن السلطة لا تستطيع بموجب الاتفاقية أن تسمح للفلسطينيين الذين لا يحملون هويات فلسطينية ـ اللاجئين الفلسطينيين في الشتات ـ أن يدخلوا فلسطين عبر معبر رفح، ولو مجرد زيارة للأهل والأقارب، لأن حركة الأفراد لغير حاملي الهويات تتم عبر معابر أخرى تقع تحت السيطرة والسيادة الإسرائيلية الكاملة.

• ثانياً: فيما يتعلق بحركة البضائع والتجارة، فإن الاتفاقية نصت على أن "سيتم استخدام معبر رفح لتصدير البضائع إلى مصر"، وإذا علمنا أن الاقتصاد الفلسطيني يعتمد في معظمه على الاستيراد وليس التصدير بسبب ضعف البنية الاقتصادية في الضفة والقطاع لأسباب تتعلق بالاحتلال وسياساته المدمرة للاقتصاد الفلسطيني، فإن الأمر يعني عبور البضائع والتجارة الفلسطينية عبر معابر أخرى تقع تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة والكاملة، أي بقاء التجارة الفلسطينية مع العالم الخارجي تحت رحمة الاحتلال الذي لا يرحم، والذي تمنحه اتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عام 1994 الحق في إيقاف أي بضاعة (مصدّرة أو مستوردة) عبر المعابر بحجة التدقيق الأمني الذي لا ينتهي، مما يؤدي إلى تحكم الاحتلال الإسرائيلي في قوت الناس وتجارتهم واحتياجاتهم المعيشية والإنسانية على مدار الساعة.

• ثالثاً: المراقبون الدوليون؛ فالسلطة الفلسطينية عند التوقيع على الاتفاقية، أقرت بتلازم فتح معبر رفح وديمومة العمل فيه مع وجود المراقبين الأوروبيين، وعندما يتغيبون لأي سبب كان فإن المعبر يتوقف عن العمل، ويصبح في حكم المغلق. وهنا قد يظن البعض أن المسألة عادية، لأن الوجود الأوروبي يخدم الفلسطينيين كطرف ثالث "محايد ونزيه"، ولكن واقع التجربة أكد أن المراقبين الأوروبيين خاضعون للإرادة الإسرائيلية، وأنهم كانوا يغادرون المعبر، وأحياناً يغيبون بحجج وذرائع أمنية إسرائيلية المصدر..، هذا بالإضافة إلى أن المراقبين الأوروبيين يقيمون في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، أي تحت السيادة الإسرائيلية، مما يمنح الاحتلال فرصة أكبر للضغط عليهم ومنعهم من الوصول إلى معبر رفح بحجة المحافظة على سلامتهم الشخصية، ببثّه الأخبار الكاذبة التي توحي باحتمالية تعرض المراقبين للخطر من جهات معادية..

• رابعاً: الاتفاقية تلزم السلطة الفلسطينية تزويد الاحتلال بأسماء جميع العاملين في معبر رفح ليطلع عليها الإسرائيليون، وعلى السلطة أن تأخذ الملاحظات الإسرائيلية بعين الاعتبار، أي استبعاد كل فلسطيني مرشح للعمل في المعبر لا يحصل على شهادة حسن سير وسلوك من قبل سلطات الاحتلال.

• خامساً: كل تلك الإجراءات وغيرها من القضايا التفصيلية يتم مراقبتها إسرائيلياً وبشكل مباشر على مدار الساعة عبر وجود كاميرات فيديو مثبتة في المعبر للمراقبة الدائمة.

إذن الخلاصة تفيد بأن اتفاقية معبر رفح تجعل من المنفذ الوحيد لقطاع غزة على العالم الخارجي، معبراً "إسرائيلياً" أو خاضعاً للسيطرة الإسرائيلية بشكل غير مباشر، ولكنه يدار بأيد فلسطينية.

ومن هنا فإن التمسك باتفاقية معبر رفح يعني بشكل أو بآخر تمكين الاحتلال من رقاب الفلسطينيين عملياً، مع إعفائه من المسؤولية المباشرة نتيجة القبول بالادعاء الإسرائيلي القائل بأن الاحتلال انتهى من غزة وقد انسحب منها.

وقد كان من الأجدى بالسلطة الفلسطينية عام 2005، أن تسعى لأن يكون معبر رفح معبراً عربياً خالصاً (مصرياً ـ فلسطينياً) دون وجود لأي طرف ثالث إن بشكل مباشر أو غير مباشر، طالما أن الاحتلال يدّعي بأنه انسحب من غزة، وإلا فليتحمل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية كاملة، لأنه من غير المقبول أن يتحول معبر رفح مع مصر، إلى أداة لخنق وتجويع الشعب الفلسطيني بموجب اتفاقيات هزيلة..

أما الادعاء بأن الرئاسة والسلطة في رام الله تلتزم الاتفاقيات الدولية الموقعة ومنها اتفاقية معبر رفح ولا تستطيع أن تتجاوزها، فهذا كلام مجانب للصواب، وفيه استخفاف بالشعب الفلسطيني والرأي العام العربي، لأنه إذا سلمنا "جدلاً" بأن اتفاقية معبر رفح لا تتناقض مع القانون الدولي، فالاتفاقية نصت على أنها نافذة لمدة عام فقط، وهي الآن منتهية وغير صالحة للتطبيق من ناحية قانونية.

وبالتالي من يريد المصلحة الفلسطينية العامة، فعليه أن يرفض العودة للعمل بموجب اتفاقية معبر رفح المنتهية الصلاحية، وذلك لما تحمله من كوارث على الشعب الفلسطيني، وأن يسعى لانتزاع حقه في جعل المعبر مع مصر تحت السيادة المصرية ـ الفلسطينية بالكامل.

وهذا يقودنا إلى أن حقيقة تمسك الرئيس عباس باتفاقية معبر رفح على هذا الشكل وبهذا المضمون، ليس فيه مصلحة فلسطينية، ولا يمكن تفسيره إلا في إطار التدافع السياسي القائم بين حركتي فتح وحماس؛ فالرئاسة الفلسطينية تريد أن توظف معبر رفح والحصار وجوع الشعب في غزة، كأداة للضغط على حركة حماس لدفعها إلى القبول بشروط الرباعية الدولية الداعية إلى الاعتراف بالاحتلال، ونبذ المقاومة، والاعتراف بالاتفاقيات السياسية الموقعة مع إسرائيل بغض النظر عن سلبياتها، هذا فضلاً عن توظيف الحصار لدفع الشعب الفلسطيني إلى التخلي عن خياراته الديمقراطية والحرة التي أفرزتها صناديق الاقتراع في انتخابات المجلس التشريعي في كانون الثاني عام 2006، وذلك لمصلحة فئة بعينها.

مما يؤسف له أن يصبح الشعب الفلسطيني عند بعض الفلسطينيين، أداة للاستهلاك السياسي الرخيص، فالارتفاع إلى مستوى المسؤولية الوطنية يتطلب السعي والعمل من أجل حماية المصالح العامة بمعزل عن خلافاتنا السياسية البينية، التي يجب أن تصب في النهاية لمصلحة الوطن والقضية، لا أن تكون وبالاً عليه.

التعليقات