31/10/2010 - 11:02

حينما يكون إجماع إسرائيلي على جدار جابوتنسكي../ نواف الزرو

حينما يكون إجماع إسرائيلي على جدار جابوتنسكي../ نواف الزرو
افهموا، أن المشكلة الفلسطينية كفت عن أن تكون ملحة، وكذا في العالم أيضا، والواقع الذي ننشغل فيه كلنا بهوس بالمشكلة الفلسطينية انتهى"،/هارتس-18/12/2009، هذا ما أعلنه وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان في خطاب في كلية مستعمرة "أرئيل" في الضفة الغربية.

وادعى ليبرمان أن "المشكلة الفلسطينية هي المشكلة الأقل إقلاقا" ودعا مستمعيه إلى "أن يفهموا بأن المسألة الفلسطينية هي بالإجمال مسألة أخرى، وبالتأكيد ليست "المسألة". العالم، قال، تشغله مسائل أخرى، "انظروا ماذا حصل في أفغانستان، في الباكستان، في إيران، في كوريا الشمالية وفي أفريقيا. العالم لا ينشغل بشكل مهووس بالمشكلة الإسرائيلية – الفلسطينية وحان الأوان كي نغير نحن أيضا القرص، الواقع الذي ننشغل فيه جميعا بهوس بالمشكلة الفلسطينية انتهى- افهموا".

ولمن لم يفهم الرسالة التي أراد نقلها، أوصى ليبرمان بقراءة مقال "الجدار الحديدي" لزئيف جابوتنسكي، "اقرأوا وستفهمون، ولكن يمكن حل المشكلة الفلسطينية بدون حلول وسط إقليمية، ببساطة كسر الدافعية والإيمان لدى الطرف الآخر بأنه يمكن شطب دولة إسرائيل من الخريطة، هكذا فقط تحل نهاية النزاع".

اذن-ليبرمان يستحضر مجددا "جدار جابوتنسكي لكسر الإرادة الفلسطينية"، والحقيقة الساطعة في المشهد الإسرائيلي اليوم، أنهم هناك في الخريطة السياسية الإسرائيلية الحكومية والبرلمانية والحزبية يجمعون إلى حد ساحق على اعتماد"جدار جابوتنسكي لتحطيم الإرادة الفلسطينية والعربية في التصدي" وإجبار الجميع على التسليم بالحقيقة الصهيونية.

ونحن بدورنا في هذه المناسبة نستحضر جوهر "جدار جابوتنسكي" كما أعلنه وشرحه عدد من أقطابهم.
فبعد أن اخفق تماما في كافة حساباته العسكرية والأمنية والاستراتيجية في حروبه المتصلة التي شنها تباعا على الفلسطينيين واللبنانيين على مدار السنة الماضية من حكمه وحكومته، اخذ رئيس وزراء "إسرائيل" السابق ايهود أولمرت يهرب إلى الماضي مستحضرا "الأدبيات الصهيونية الحربية العنصرية التي كان الآباء المؤسسون للدولة الصهيونية قد وضعوها وحملوها وطبقوها على ارض فلسطين، ففي كلمته التي ألقاها في احتفال أقيم في يوم عيد ميلاد ثيودور هرتزل- نبي الدولة الصهيونية- ال" 147"، عاد أولمرت ليذكر الإسرائيليين بـ"جدار جابوتنسكي" مؤسس الحركة الصهيونية المحافظة قائلا: "إن هناك أساسا واحدا له أهمية كبيرة لم تذكره نبوءة هرتزل الصهيونية وهو الأساس العسكري".

وأضاف:" كان جابوتنسكي هو الذي أدرك ذلك مبكرا في نحته" الجدار الفولاذي"، فبالكفاح الصعب وبالدم والعرق والدموع أقيمت إسرائيل وانتصرت الصهيونية"، وأكد اولمرت: "لولا الحربة لما قامت للصهيونية قائمة/عن يديعوت احرونوت/2007/4/30".

واختتم أولمرت كلمته قائلا:"أمام إسرائيل ثلاثة تحديات هامة: ضمان أغلبية يهودية واضحة على مدى الأجيال في إطار حدود إسرائيل، وتعزيز نوعيتها الداخلية وصورتها الأخلاقية والاجتماعية، وتحقيق الأمن والسلام المفقودين مع جاراتها-وفق نظرية جابوتنسكي طبعا-، وإذا أردنا ذلك فليس ذلك أسطورة –أي أن الأمر قابل للتحقيق".

قد تكون هناك خلفيات وعوامل متعددة وراء استحضار أولمرت لايديولوجيا الجدران الفولاذية الجابوتنسكية ،غير أن تطورات المشهد الفلسطيني وسيطرة حماس على غزة تبقى هي الأساس في الحسابات الإسرائيلية، يضاف إليها ربما نوازع ذاتية لدى أولمرت في محاولة منه لارتداء زي القادة الكبار للدولة العبرية، ليأتي نتنياهو بعده بنحو شهرين ليعلن متحديا العالم العربي: "لن تستطيعوا هزيمتنا طالما بقينا فوق جبال الضفة الغربية، ونحن لا يجب علينا أن ننسحب من هضبة الجولان بل علينا البقاء فيها".

والواضح أن قادة وجنرالات إسرائيل كلهم مبرمجون على "نظرية الجدار الجابوتنسكي"، ففي مقال له بصحيفة ذي غارديان البريطانية قال أستاذ علم النفس بجامعة تل أبيب كارلو سترنغر "الواقع أن كل السياسات الإسرائيلية واقعة تحت تأثير نظرية "الجدار الحديدي"، بل إن هذه النظرية هي المسؤولة عن التطورات المذهلة للسياسة الإسرائيلية منذ العام 2002، فرغم أن إسرائيل ظلت لعقود تتوق إلى قبول العالم العربي بها، فإن أيا من زعمائها لم يعتبر أن مبادرة السلام العربية تستحق حتى أن ينظر فيها بجدية، فكأن نظرية جابوتنسكي ضاربة الآن في جذور الوجدان الإسرائيلي".

ولعل أبرز المعطيات الإسرائيلية في هذا الصدد تصاعد وتفشي ما يمكن أن نطلق عليه "انفلونزا الصقور" حيث يتسابقون هناك في "إسرائيل" في إظهار كل مظاهر التطرف والتشدد والعنصرية ،بل يمكن القول "إن المجتمع الإسرائيلي لم يشهد –على سبيل المثال- إجماعا سياسيا من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين كما يشهد في هذه الأيام في مواجهة الوضع الفلسطيني، وحول تخليد الاحتلال للضفة الغربية /عن الوف بن/هآرتس".

وتحت عنوان "عودة إلى الجدار الحديدي" كتب المحلل الإسرائيلي دان مرغليت في معاريف يقول: "إن السلام لن يأتي أبدا، ولكن حتى يصل الفلسطينيون إلى المرحلة التي يصبحون فيها معنيين به – يتوجب على إسرائيل أن تتبنى لنفسها مزاجا متشددا أكثر من العادة ومنيعا وقائما على الافتراض بأن التسوية السياسية بعيدة عنا، على هذا النحو بالضبط: المبادرة إلى استراتيجية شاملة، لم تقم أية حكومة منذ أيام دافيد بن غوريون ببلورتها بصورة جدية، سياسة تزيد من التركيز على الشؤون الأمنية والأمن القومي ورفع القدرات القتالية والتكنولوجية، سياسة تكون شمولية مع تربية صارخة لقيم الصهيونية وعدالة طريقها ومع مواريث الثقافة اليهودية قبل الانفتاح الضروري أمام العولمة بحيث تتمكن إسرائيل من الخروج إلى العالم الفسيح الذي يبحث عن الحقيقة من اجل تعزيز المعطيات الديمغرافية للشعب اليهودي والمبادرة إلى دعوات التهويد"، ويضفي مرغليت على هذه المضامين بعدا جداريا مؤكدا:"هذا هو"الجدار الفولاذي" الذي طرحه بن غوريون.

ولذلك نتساءل في ضوء كل ذلك باندهاش كبير: طالما أننا أمام إجماع سياسي على تخليد الاحتلال للضفة، وأمام نزعة صقرية دموية على هذا النحو، وأمام تلك الجدران الفولاذية التي يستحضرونها على الدوام، فلماذا يتهافت العرب في ضوء كل ذلك إذن على عقد مؤتمرات السلام وعلى التطبيع الشامل مع تلك الدولة ومع ذلك المجتمع الذي لا يرى فيهم سوى نمل وديدان يجب سحقها ؟!

وفي ضوء تلك النزعة والجدران المستحضرة الحاضرة لا يتوقعن أحد إذن أن يخرج جنرالات وقادة الاحتلال- الشارونات الصغار- من جلدهم وعن طبيعتهم.. أو عن ذلك التراث الإرهابي الدموي وعن ذلك المجتمع العنصري الملوث بلوثة الشارونية وتفريخاتها الإرهابية.

التعليقات