31/10/2010 - 11:02

خطاب نتنياهو: برسم التاريخ والنفط! / فواز طرابلسي

-

خطاب نتنياهو: برسم التاريخ والنفط! /  فواز طرابلسي
حسم خطاب نتنياهو الأخير في حقيقة أنه لا يوجد شريك إسرائيلي للسلام بواسطة لاءاته الثلاث: لا دولة، لا عودة، لا قدس. وأكدت استطلاعات الرأي الأخيرة أن هذا الخيار يحظى بتأييد أعلى نسبة ممكنة من الإسرائيليين (71%).

ولم يقتصر خطاب نتنياهو على تثبيت أمن إسرائيل بما هو الشرط الأوحد في أية تسوية، بل كرّر أيضاً الشروط الفلسطينية والعربية المعروفة لحماية أمن إسرائيل.

سوف يذكر التاريخ خطاب جامعة بار إيلان، لسببين: الأول، هو النقلة النوعية في الخطاب الإسرائيلي بالعودة إلى أصول النزاع من أجل إلغاء الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني على أرضه.. والثاني، هو اكتساب «السلام الاقتصادي» معاني جديدة كل الجدة.

بناء على هذه العودة إلى أصل النزاع، يجب أن نصدّق، ويصدّق العالم، أن الوطن التاريخي لليهود (وقد أعاد إليه نتنياهو اليهودية والسامرة) في أرض فلسطين يعود إلى 3500 سنة. يجب أن نصدّق ذلك، رغم حقيقة أن القاصي والداني، بما فيه المؤرخون الصهاينة أنفسهم، يعرف أن اليهود غادروا أرض فلسطين منذ العام 70 ميلادية. وأما العرب الذين استوطنوا فلسطين على امتداد أربعة عشر قرناً، في منطقة غيّرت لغتها من العبرية إلى الأرامية فالعربية، فيجب إقناعهم، ومعهم سائر العالم، بأنهم «الضيوف» الذين يعيشون وسط «الشعب اليهودي» على «أرضه»!
وقد لا يختلف المرء مع نتنياهو في أن مقاومة الشعب الفلسطيني المسلحة للمستوطنين الصهاينة بدأت عام 1920. أما الاستيطان بالقوة الذي تكرّس ذلك العام، في ظل حراب المستعمر البريطاني وضد إرادة شعوب المنطقة في الاستقلال والوحدة ورفض المشروع الصهيوني في فلسطين، حسبما أورد تقرير «لجنة كينغ كراين» إلى عصبة الأمم، أما هذا الاستيطان الاستعماري فليس بأي حال عملاً عدوانياً يستدعي أن يقابله عنف مقاوم.

كذلك يريدنا نتنياهو أن نصدّق أن الذين بادروا إلى الحرب عام 1948 كانوا الفلسطينيين لأنهم لم يعترفوا بقرار التقسيم. هل هذا صحيح؟ الصحيح أن الحكّام العرب والقيادة الفلسطينية رفضوا قرار التقسيم الذي أقرّته الأمم المتحدة عام 1947. رفضوه بواسطة الضغط الدبلوماسي والتصريحات العلنية. على أن مَن رفض القرار فعلاً وخطّط عسكرياً وسياسياً لمنع قيام الدولة الفلسطينية ـ منذ ذلك الحين!! ـ ونفّذ ذلك المنع عملياً فهم الصهاينة أنفسهم. وضعت القيادة العسكرية الصهيونية خطة للتطهير والتهجير العرقيين تقتضي توسيع حدود الدولة اليهودية من خلال احتلال الجليل لمنع التواصل بين الدولة العربية ولبنان وسوريا. وقضت الخطة أيضاً بإجلاء أكبر عدد ممكن من السكان العرب من أراضي الدولة اليهودية (حيث كانوا يشكلون الأكثرية السكانية) بواسطة المجازر النموذجية وقوة السلاح. على أن الذي قضى نهائياً على قيام الدولة الفلسطينية عام 1948 هو اتفاق القيادة الصهيونية والملك عبد الله (الأول) في مفاوضات سرية بينهما على استيلاء قوات ملك الأردن على القسم الأكبر من الأراضي المقررة للدولة الفلسطينية وضمها إلى مملكته. وهذه كلها خطط وسياسات ومفاوضات وممارسات باتت حقائق تاريخية أكدها مؤرخون إسرائيليون بناء على الأرشيف العسكري الإسرائيلي.

فلسطين في حدود الكانتونات الثلاثة الواقعة افتراضياً تحت سلطة محمود عباس المنتهية الصلاحيات تهدّد أمن إسرائيل. يجب أن نصدّق ذلك. ومعنا العالم كله. وإسرائيل، ذات رابع أقوى جيوش العالم، بطيرانها وصناعتها الحربية، والمئتي رأس نووي، إسرائيل التي شنّت لم يعد المرء يدري كم حرباً على جيرانها الأقربين في الأعوام 1956 و1967 و1978 و1982 و1993 و1996 و2006 و2008، إسرائيل هذه، التي ضربت المفاعل النووي العراقي، وطاولت عمليات إرهاب الدولة التي تمارسها أراضي السودان والقارة الأفريقية، ولا تزال تهدد بضرب المفاعلات النووية الإيرانية، هذه الإسرائيل لا تهدّد أي جار من جيرانها الأقربين والأبعدين!
الأمر الثاني الجديد في خطاب نتنياهو هو تحويله «السلام الاقتصادي» مصيدة لاستجلاب الأموال النفطية الخليجية للتوظيف في مشاريع مشتركة تنفذها إسرائيل. قد يظن المرء للوهلة الأولى وكأن نتنياهو يقترح مشاريع تنموية وخدماتية غرضها تحسين الأوضاع المعيشية لسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة. تتغيّر الصورة كلياً عندما نقرأ الخطاب.

نتنياهو المعجب بـ«المشاريع المبهرة... في الخليج الفارسي» يقترح «تحلية المياه» و«استغلال الطاقة الشمسية واستغلال موقعنا الجغرافي لمد خطوط الغاز والنفط وطرق المواصلات التي تربط أفريقيا بآسيا وآسيا بأوروبا». والمعروف أن للإسرائيليين خبرات خاصة في تحلية المياه وفي استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة، يعرضها رئيس وزرائها على العربية السعودية ودول الخليج ذوات الشموس الحارقة والمياه الشحيحة. أما «استغلال موقعنا الجغرافي» فالمقصود به، طبعاً، موقع إسرائيل. والاقتراح هو نقل النفط والغاز العربيين إلى البحر الأبيض المتوسط على الساحل الفلسطيني.

يبقى مَن يصدّق أن هذا الزواج بين الخبرات الإسرائيلية والأموال النفطية من شأنه تحسين الأحوال المعيشية لسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة!
السؤال مجدداً: ما الذي يسمح بكل هذا الصلف الإسرائيلي؟
في مجال الصلف التاريخي، ليس غريباً أن تواصل الصهيونية محاولاتها محو الذاكرة الفلسطينية وإزالة معالم ومراحل العملية التاريخية لنشأتها بالاعتماد على التاريخ الخرافي وأرض الميعاد والحقوق التوراتية. لكن الغريب حقاً أن تستطيع أعمال الاستبدال التاريخية هذه أن تفيد من الاهتراء شبه الكامل للرواية الفلسطينية والعربية عن النزاع العربي الإسرائيلي. فقد تحولت تلك الرواية، بعد عقدين من الزمن على الحلول الثنائية واتفاقية أوسلو ومبادرة السلام العربية، إلى تأتأة ترتضي بالرواية الإسرائيلية والغربية التي تعيد «أصل» النزاع إلى حرب حزيران 1967 طالما أن الحل بات يتعلق بآثار تلك الحرب.

أما الصلف الاقتصادي، فيسمح به تحويل مشروع السلام العربي، إلى مبادلة التطبيع العربي بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967 والدولة الفلسطينية. وعندما يصير التطبيع «الورقة الأخيرة» للضغط على إسرائيل، على ما ورد على لسان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، فهل من المستغرب أن يدور البحث في بدائل أو مداخل «اقتصادية» للتطبيع، بعد أن قدّمت غير دولة عربية، من موريتانيا إلى مصر فدول الخليج والأردن، ما يكفي من البراهين على استعدادها للفصل بين التطبيع التجاري والاقتصادي غير المشروط بأي شرط يخص التقدم في مسار التسوية أو الحل وبين التطبيع السياسي والدبلوماسي المسمّى «ورقة الضغط الأخيرة»؟


"السفير"

التعليقات