31/10/2010 - 11:02

خطوة إلى الوراء من أجل منع عشر خطوات إلى الوراء../هاشم حمدان

خطوة إلى الوراء من أجل منع عشر خطوات إلى الوراء../هاشم حمدان
مثلما تناقلت وسائل الإعلام، والقصد هنا الإعلام العالمي، صورة الفلسطيني الغاضب الثائر المتوعد الملثم الملوح بالسلاح، مع عدم إغفال دورها في رفد المقاومة بالمعنويات من جهة، وفوضى السلاح من جهة أخرى، تناقلت أيضاً مقابل تلك الصورة صورة أخرى حزينة باكية ثاكلة لضحايا إسرائيليين، أطفال ونساء في الغالب، لعمليات المقاومة، وكان الهدف واضحاً هو إقناع العالم بأن المقاومة الفلسطينية المشروعة إرهاب، ونحن نعلم أن الإعلام في الوقت نفسه قد تجاهل وبرر واختزل واختصر كافة جرائم الإحتلال بحق الشعب الفلسطيني للدرجة التي أصبح فيها الجلاد هو الضحية...

ويتكرر هذا المشهد ثانية عندما سينقل الإعلام نفسه، بإصرار فلسطيني، صورة الفلسطيني المحتفل بالإنسحاب من قطاع غزة (لا تتجاوز مساحة القطاع 1% من مساحة أرض فلسطين التاريخية!) وهو يرفع العلم الفلسطيني بيساره والبندقية بيمينه ويتجه نحو المستوطنات في أجواء الفرح والزغاريد والإحتفالات والاستعراضات العسكرية للقوة، وسينقل الإعلام بالمقابل الصراع الدائر، وهو صراع حقيقي وإن بقفازات من حرير، بين قوات الأمن الإسرائيلية من جهة وبين المستوطنين والمعارضين للإنسحاب من جهة أخرى(معارضو خطة فك الإرتباط من اليمين المتطرف يعارضون الشق المتمثل بإخلاء المستوطنات من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية فقط، هم لا يعارضون تعزيز الإستيطان في الضفة وضم القدس المشتملة عليها الخطة)، كما لن يتجاهل الإعلام التركيز على ألم ودموع وحزن المستوطنين، من جهة، ومن جهة أخرى التركيز على المحاولات المكشوفة في تصوير بعض الجنود وكأنهم يحاولون الإنزواء لمواراة دموعهم لتبدو حقيقية لحظة تكشفها لوسيلة إعلام حاذقة تعرف كيف توجه عدساتها، وتعرف كيف تقنع العالم بأن إسرائيل تقوم بتنازلات مؤلمة، وأن إسرائيل هي من يدفع الثمن، وأن إسرائيل هي الضحية، وأن إسرائيل هي الطرف الذي يسعى إلى السلام وأن إسرائيل ليست هي الإحتلال... وألف "أن" أخرى لتجميل صورة إسرائيل وتحصينها أمام المجتمع الدولي ..

والإعلام نفسه لن يركز على الغالبية الساحقة من المستوطنين الذين وافقوا على ترك المستوطنات وسال لعابهم وفركوا أيديهم جذلاً وتبخرت أحلامهم الإستيطانية الموهومة بمجرد رؤية الأوراق النقدية، إذا لم نشأ القول أن غالبية مستوطنات القطاع قد هجرها سكانها هرباً من جحيم المقاومة الفلسطينية، (بعض المستوطنات سكنتها عائلتان فقط..) وباتت معسكرات لجيش الإحتلال ...

شارون لم يلجأ للإنسحاب من قطاع غزة لأنه مهزوم، بل يخرج من داخلها ليحاصرها براً وبحراً وجواً ولن يرتدع عن إنزال الضربات العسكرية مستقبلاً. كما لم يقرر الخروج لأنه أراد أن يجنح للسلم، فممارسات الإحتلال التي لا تزال تتواصل في الضفة الغربية وفي القطاع نفسه، وتاريخه الدموي يؤكد أن هذه الكلمة لن تكون يوماً في قاموسه. فشارون يتمنى لو نجح الإستيطان في قطاع غزة، ويتمنى لو كان عدد الفلسطينيين أقل بكثير مما هو الآن في القطاع، يتمنى لو كان بالإمكان حل المسألة الديمغرافية بشكل آخر..

ما يسمى فك الإرتباط سيتيح للعالم أجمع أن يرى مشهد تفكيك المستوطنات وإخلاء المستوطنين من المناطق التي تشملها الخطة وتنكيس الأعلام الإسرائيلية وانسحاب جيش الإحتلال من داخل القطاع ... وهذا المشهد هو مشهد إسرائيلي من إنتاج إسرائيل وحدها، تلعب فيه إسرائيل جميع الأدوار من بداية المشهد حتى نهايته ولا تسمح بدور فلسطيني إلا بالقدر الذي يتماهى أو يتماشى مع سياق المشهد الإسرائيلي بغض النظر عن التسميات الفلسطينية للمشهد نفسه، فخطة فك الإرتباط هي خطة إسرائيلية فرضتها إسرائيل من جانب واحد كبديل عن المفاوضات الندية برعاية دولية لتجنب الإلتزام بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، بمعنى أن خطة شارون هذه هي خطوة ضرورية إلى الوراء من أجل منع نشوء وضع يضطر فيه إلى العودة عشر خطوات إلى الوراء ...

ما يسمى بفك الإرتباط سيساهم في ترسيخ دور الولايات المتحدة في توفير غطاء من الشرعية الدولية لمخططات إسرائيل، وهو الدور نفسه المتداول عالمياً، وعربياً خاصة، تحت إسم راعية لمسيرة السلام، وفي ظل هذا الغطاء الذي توفره الولايات المتحدة يصبح شارون رجل سلام متفانياً في التضحية من أجل السلام، وفي الوقت الذي ستوجه فيه الأنظار إلى مشاهد إخلاء وتفكيك المستوطنات في قطاع غزة، يتابع شارون وبوتائر عالية إستكمال بناء جدار الفصل والضم العنصري وتعزيز الإستيطان في الضفة الغربية ومخططات ضم مدينة القدس التي تقود إلى فصل شمال الضفة عن جنوبها، وفي الوقت نفسه يجري العمل على توسيع الحزام الإستيطاني غرب نهر الأردن بدءأً من شمال شرق الضفة الغربية وانتهاءً بجنوب شرقها. وفي السياق نفسه يدخل مشروع تعزيز الإستيطان في الجليل والنقب والذي يعني مصادرة المزيد من أراضي عرب48.

وليست هذه مخططات سرية، وشارون لا ينكر ذلك بل يقولها صراحة مستفيداً من الضمانات الأمريكية (لا يوجد ضمانات أمريكية للفلسطينيين) ومستفيداً من أجواء "التعاطف" الدولي مع إسرائيل لإقدامها على ما تصفه بخطوة شجاعة في تنفيذ إنسحاب إسرائيلي من طرف واحد، ومستفيداً من حالة إعجاب عربية رسمية بالخطوة "الشجاعة" إياها والتي سيتم ترجمتها على الأرض بالمزيد من التطبيع، ومستفيداً من المناخ الدولي المتفق على مكافحة الإرهاب، وفي هذا السياق تدخل الشروط الأمريكية لمتابعة تنفيذ خارطة الطريق التي تشتمل على تفكيك أسلحة المقاومة الفلسطينية، ما تسميه الولايات المتحدة تفكيك اسلحة منظمات الإرهاب، وهذه الشروط تضمن لإسرائيل عدم تنفيذ خارطة الطريق (وهي أقل بكثير من سقف المطلب الفلسطيني فهي تشتمل على رسالة الضمانات الأمريكية لإسرائيل وعلى كافة بنود التحفظ الإسرائيلي منها) في حال عدم نزع أسلحة المقاومة، وفي الوقت نفسه تضمن القضاء على المقاومة الفلسطينية في حال الموافقة الفلسطينية على تفكيك الأسلحة ...

كل ما ذكر لا يمنع وجود مخططات سرية، أمريكية وإسرائيلية، يسهل تنفيذها مع تنفيذ فك الإرتباط، كنقل عدد من اللاجئين، في لبنان مثلاً، إلى حيث تم إخلاء المستوطنات في إطار عدم ممانعة إسرائيلية محسوبة لدخولهم إلى القطاع، بهدف غسل أيدي إسرائيل والمجتمع الدولي من قضية اللاجئين إلى الأبد ودفنها في رمال غزة.

لذلك فإن اختزال كل هذه المخططات في صورة "نصر" في غمرة الإحتفالات بـ"بتحرير القطاع" يعني دفن الرأس في "رمال سيناء"..

"فك" الإرتباط هو فك كبير خطط له أن يبتلع الدولة السيادية والتواصل الجغرافي وحق المعتقلين والأسرى في الحرية وحق العودة ...ويبتلع القدس والضفة الغربية ..يبتلع القضية الفلسطينية..

لذلك لم يحن بعد وقت الفرح، فالمهمة الأن أصعب من ذي قبل .. المهمة تقتضي إستحضار الكثير من العوامل والأدوات التي كانت غائبة ولا تزال طوال سني العمل الفلسطيني.

التعليقات