عندما اعلن نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الياس المر انتهاء العمليات العسكرية في مخيم نهر البارد حيث يخوض الجيش اللبناني مواجهة مع جماعة «فتح الاسلام»، انطلق في موقفه هذا من المعطيات الميدانية التي كانت ترده تباعاً، والتي كانت تشير الى قرب بلورة «الصيغة التوافقية» التي يجري الاعداد لها مع الفصائل الفلسطينية لحسم ظاهرة «فتح الاسلام» وبالتالي وقف المواجهات العسكرية بعد «تسليم كل المطلوبين» للقضاء اللبناني.
وحتى اليوم فان انتهاء العملية العسكرية التي يقودها الجيش منذ صباح الاحد الواقع في 20 ايار الماضي، ينتظر صياغة اتفاق فلسطيني - فلسطيني حول القوة الامنية المفترض بها ان تتسلّم امن مخيم نهر البارد بعد عودة الجيش الى الوضعية التي كان عليها قبل صبيحة ذلك الاحد، وبالطبع بعد تحقيق الهدف الذي تضعه قيادة الجيش نصب عينيها، وهي تسليم كل المطلوبين من «فتح الاسلام» على اعتبار انه من غير المسموح الابقاء على «ظاهرة ارهابية» تهدد الامن والسلم اللبنانيين.
وتقول مصادر سياسية مطلّعة ان ثمة «عثرة» تحول دون «طي» صفحة مخيم نهر البارد بمعنى حسم المعركة العسكرية ضد «فتح الاسلام»، تكمن في الخلاف الحاصل في صفوف القوى الفلسطينية وتحديداً الخلاف الفتحاوي - الحماسي، الذي بدأ في الاراضي الفلسطينية بين فتح وحماس، حيث يبدو انه انسحب على مخيم نهر البارد، وهو الذي يعرقل «الصيغة التوافقية» التي ستلي وقف العمليات العسكرية. وتلفت المصادر الى ان الخلاف الفلسطيني الداخلي، يفتش اليوم عن ساحة جديدة لترجمة هذا الخلاف، مشيرة الى ان مخيم نهر البارد يخضع لهذا الصراع الفلسطيني، ما يحول دون اتفاق القوى الفلسطنية على المرجعية الامنية التي ستتولى الامن خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً ان هذه القوة تحتاج الى تفاهم فلسطيني - فلسطيني حول مشاركة جميع الفصائل ومهام هذه القوة وصلاحيتها، مؤكدة ان المرجعية الامنية هي احد العوامل الاساسية في حسم العملية العسكرية.
وليس خافياً على احد، ان مخيم نهر البارد، يخضع نفوذه، تاريخياً، لقوى فلسطينية موالية لسوريا، اما اليوم، فمع انتهاء العمليات العسكرية، ثمة جهات فلسطينية تطالب بالابقـاء على «هويـة» المخيم، كما كانت قبل الاحداث الاخيرة، بمعنى استلامه من قبل قوى فلسطينية تدور في فلك القوى نفسها التي كانت تسيطر على المخيم، خصوصاً انها تعتبر ان حصول العكس يعني انتصار فريق على حساب آخر، وهو يعني وفق منطق الخلافات الفلسطينية الحاصلة، خسارة مخيم لصالح فريق خصم، وهذا ما قد لا تقبل به بعض القوى الفلسطينية. وقد ينعكس توتراً على بقية المخيمات في لبنان.
وتقول المصادر ذاتها ان القوة الامنية المختلف عليها ستحدد وجهة المخيم ودوره المستقبلي، وهي ضمن الترتيبات التي تطرح اليوم كسلة تفاهمات متكاملة وان اختلفت الاولويات بين الجيش والقوى الفلسطينية، لافتة الى ان اولوية الجيش هي تسليم المطلوبين للقضاء اللبناني، على ان يتم على اثر ذلك تشكيل قوة امنية لضبط المخيم كي لا يعود مسرحاً للجماعات الارهابية.
وفي هذه الاثناء، فان الجيش سيُبقي على تضييق الخناق على المخيم وسيرد على كل مصدر لاطلاق النار، بانتظار بلورة الصيغة التوافقية، غير ان ثمة مهلة زمنية سيلتزم بها الجيش، ولن يبقي الوضع مفتوحاً الى وقت غير محدد.
لكن هل ستنتقل المعركة من مخيم نهر البارد الى مخيم عين الحلوة او الى البقاع او الى الناعمة؟
تُجيب المصادر ان ما يحصل في مخيم عين الحـلوة ليس بجديد، اذ ان المناوشات بين القوى الفلسطينية داخل المخيم تعود الى مراحل سابقة وهي ليست مستجـدة، اما بالنسبة لقضيتي السلاح الفلسطيني في البقاع والناعمة، فانه يندرج تحت عنوان السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وهي مسألة تم الاتفاق عليها على طاولة الحوار، وبالتالي فان اي تحرك للجيش في هذا الاطار يجب ان يخضع لتوافق اللبنانيين واجماعهم قبل القيام بأي خطوة.
ولهذا يمكن القول ان حسم المواجهة في مخيم نهر البارد، لا يعني انتقال المعركة الى «موقع» آخر، خصوصاً ان قضية السلاح الفلسطيني لا يمكن التعاطي معها الا كعنوان سياسي.
"الديار"
التعليقات