31/10/2010 - 11:02

دعوة إلى التّحكيم بين «فتح» و «حماس»../ محمود المبارك*

دعوة إلى التّحكيم بين «فتح» و «حماس»../ محمود المبارك*
المتابع للكثير من قضايا الخلافات العربية - سواء في داخل كل دولة عربية أو بين الدول العربية بعضها البعض - ربما أدرك أن سبب تلك الخلافات غالباً ما يكون سياسياً، وأن سبب استفحال الغالبية العظمى من تلك الخلافات يكمن في محاولة علاجها بالطريق السياسي ذاته.

ولعله بات واضحاً اليوم، أن سيادة العقلية السياسية في تاريخ الأمة العربية العنيد لحل جميع المشكلات التي تواجه الأمة العربية، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو قانونية، هي خطأ فادح كان الأولى بنا أن نبتعد عن تكرار الوقوع فيه، خصوصاً بعد أن ثبت أنه أقصر الطرق الى الفشل.

وإذا كان لنا أن نبني على أمثل طريقة للتنبؤ السياسي، وهي استقراء حالات الماضي لأية ظاهرة سياسية ومن ثم بناء التوقعات على النتائج التي أفضى إليها غالبها، فإنه ربما جاز لنا أن نتنبأ أن حوار المصالحة الفلسطيني الذي يعد له حالياً في القاهرة، لن يحقق النجاح المرجو منه.

ذلك أنه في الوقت الذي لا يزال فيه الفصيلان الفلسطينيان الرئيسيان يتبادلان التهم الجارحة لبعضهما البعض، وهو ما يهدد بتقويض الجهود الرامية للتوصل إلى إصلاح ذات البين، كان الأولى بالجهود المصرية والعربية - المبذولة لِلَمِّ شتات البيت الفلسطيني - أن تغوص في الدقائق القانونية للمشكلة الفلسطينية - الفلسطينية، قبل جمع الأطراف على مصالحة سياسية، لكي لا تفضي هذه المصالحة إلى المصير نفسه الذي أفضى إليه مؤتمر مكة أو لقاء صنعاء.

وتبعاً لذلك، وحيث أن المعضلة الفلسطينية ذات نسب قانوني عريق، فإن المقترح المطروح هنا هو أن نخرج الخلاف الفلسطيني من الدائرة السياسية إلى الدائرة القانونية، عن طريق عرضه على التحكيم القانوني غير المنحاز.

من أجل ذلك، فإنني أوجه دعوة إلى كل من السيد محمود عباس والسيد خالد مشعل، لقبول عرض الخلاف بين «فتح» و «حماس» على التحكيم. هذه الدعوة تكمن في أن يختار كل من «فتح» و «حماس» أربعة محكّمين من القانونيين الدوليين المستقلين، ثم يتم بعد ذلك اختيار رئيس لهذه «الهيئة» من خارجها بالتوافق بين أعضائها، وتحدد مهماتها من الحركتين، على أن يسلم الفريقان بنتيجة التحكيم مسبقاً، بحيث تكون نتيجة الحكم ملزمة للفريقين، وغني عن القول أنه ليس لحكم «الهيئة» استئناف.

تبدأ هيئة التحكيم عملها أولاً بدراسة الخلاف المطروح بين يديها، وتستمع إلى طرفي النزاع وتقبل النظر في الإثباتات والوثائق المقدمة من الطرفين، ويكون قرارها بالأغلبية البسيطة، ولا يجوز للهيئة أن تتجاوز المطلوب منها.

وإذا تم الاتفاق على ذلك، فإنه يجوز لـ «الهيئة» أن تنظر في الخلاف الناشئ عن أحداث غزة صيف 2007، ومن يتولى تسيير الحياة اليومية، أو النظر في شرعية استمرار الرئيس عباس بعد انتهاء ولايته الرسمية في شهر كانون الثاني (يناير) المقبل، وتحديد موعد لانتخابات رئاسية وتشريعية قادمة، أو غير ذلك من الأمور التي تحال إليها بموجب تشكيلها، والتي تشكل لُبَّ الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني، والذي من غير المحتمل أن يحلّ سياسياً، ولكن يمكن الفصل فيه قانونياً عن طريق القانونيين المختصين، غير المنحازين والذين لا ينتمون إلى أي من الفصيلين.

في الوقت ذاته تتولى «الهيئة» مسؤولية وضع تفاصيل مهماتها، التي يمكن أن تكون سبباً في تأجيج الخلاف السياسي بين الطرفين، لأن «الشيطان يكمن في التفاصيل» كما يقول المثل الانكليزي، فتقوم هيئة التحكيم هذه بوضع التفاصيل القانونية بعد أن يتم تحديدها إجمالاً من الحركتين.

ولعله من المهم التنبيه إلى أنه لكي ينجح هذا الدور فإنه يجب أن يكون بعيداً كل البعد عن التدخلات الحكومية المسيّسة، لكي يبقى الحل قانونياً صرفاً. كما أنه من المفيد التنبيه إلى استبعاد الجامعة العربية عن التدخل في حل هذا الخلاف، نظراً لتاريخ الجامعة غير المشرف في عدم حل أية مشكلة عربية! ذلك أن الجامعة العربية - ومن غير انتقاص للجهود المضنية التي بُذلت في حل المشكلة اللبنانية - لم تستطع حل ذلك الخلاف، بل كان الحل في النهاية قطرياً بامتياز، ولم تنفع الرحلات المكوكية التي قام بها أمينها العام.

خاتمة القول، إن هذا المقترح القانوني لحل الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني قد يكون أقصر الطرق وأنجعها، وكل ما يحتاج إليه تحقيقه هو موافقة السيدين عباس ومشعل! فهل يُسمعنا السيدان الجليلان موافقتهما؟

بطبيعة الحال، فإن موافقة الجانبين تعني صدقهما في سعيهما لوضع نهاية لهذه الأزمة المشينة، في حين أن قبول أحد الطرفين ورفض الآخر يشير بجلاء إلى فضح الكاذب منهما!

من يدري فربما يدخل العرب التاريخ القانوني الدولي من باب مشرّف هذه المرة، إذا ما اتفقت حركتا «حماس» و «فتح» على الاحتكام إلى القانون ولو مرةً واحدة، لنثبت لبقية العالم أنه يوجد لدينا في أمتنا العربية من يقبل بسيادة العقلية القانونية على العقلية السياسية!
"الحياة"

التعليقات