31/10/2010 - 11:02

دكتاتور مبتدئ!../ رشاد أبوشاور

دكتاتور مبتدئ!../ رشاد أبوشاور
يستحّق الرئيس المخلوع المطارد كرمان بيك باكييف ..الشفقة!
فالرئيس الذي ضاقت عليه، وبه، قرغيزيا التي حكمها 5 أعوام فقط، لم يهنأ بالحكم المديد، وبالكاد اختلس هو وأسرته بضعة ملايين!

كرمان بيك الذي نُصّب بعد الرئيس عسكر أكاييف، الذي هرب من غضب الجماهير بطائرة عسكريّة، نسي دور الجماهير، وحصّن نفسه بأجهزة أمنيّة، وغرف من المال العام في بلد شبه مُعدم، وراهن على وجود القاعدة الأمريكيّة، وعلى أن التنافس الروسي الأمريكي سيضمن له دوام الحكم!

نسي كرمان بيك أن الجماهير الغاضبة التي خلعت سلفه، وأجلسته على نفس الكرسي، قادرة على إعادة الكرّة، فالجماهير التي تتحسس قوّتها، وتختبرها في الميدان، لن ترجع إلى الوراء، وتنزوي خائفة مرتجفة من بطش حاكم استبّد، متناسيا أن قوّة أسياد الشارع فوق قوة بنادق ورشاشات وقنابل من يتحصّن في القصر الرئاسي، ويختبئ وراء الجدران العالية السميكة.

الجماهير تُسقط الخوف عّندما تقتحم الشوارع، وترفع ألوف القبضات، وتهزّها مع الهدير المجتاح للفضاء، المترافق مع زحف الأقدام، وتتحوّل الأجساد بدنا واحدا، حنجرةً واحدة، صيحة واحدةً: الحريّة.

ما أن تقتحم الجماهير الشارع حتى تتذوّق طعم الحرية، وتستعيد قوّتها الثاوية في أعماقها، فالأقدام، والحناجر، والحقد على الطغيان والاستبداد، تنتصر على الرصاص.

كرمان ببك أغوته القوّة العسكريّة البوليسية، واستطعم ومن حوله من الأقارب والمقربين النهب، وهُيئ له، ولهم، أن الجماهير استسلمت، وأنها ركنت إلى الخنوع، وما عادت تقوم لها قائمة بسبب القمع والبطش.

قبل أن تتدفّق جماهير قرغيزيا الغاضبة عنيفة عنيدة مُجتاحة إلى الشوارع، لم نكن نسمع عن الرئيس بيك هذا، وكثيرون في عالمنا كانوا يجهلون أين تقع قرغيزيا التي يحكمها ويتحكّم بشعبها.

كنا نسمع أحيانا عن الصراع الروسي الأمريكي في ذلك البلد الذي كان جزءا من الاتحاد السوفييتي، وعن القواعد المؤجرة وما تدره من دخل يبدو أنه كان يذهب إلى جيوب من جعلوا من قرغيزيا بلدا للإيجار!.

بالمناسبة، القواعد الأمريكيّة في بلاد العرب لا تدفع أجرة للحكّام العرب، بل هي تتقاضى أجرةً بمئات الملايين، لأنها تحرسهم، وتضمن حكمهم، و..هم معهم أموال بالمليارات، وهذه المليارات مودعة كأرقام في بلاد أُصحاب تلك القواعد.. وهذا أحد الفروق بين بيك قرغيزيستان، ودول ستان العرب!

على شاشات الفضائيات تابعنا فرار دكتاتور قرغيزيا، لوذه بالمنطقة التي ينتمي إليها، وولد فيها.. والطغاة يتعيشون، وتمتد أعمار طغيانهم بإثارة العصبيّات والغرائز، ولكن فقراء تلك المنطقة لفظوه، وطاردوه بالحجارة واللعنات،فهرب منكسرا طالبا النجاة بجلده.

رأينا كيف لجأ حُراسه المتأهبين المتوترين الخائفين لإطلاق الرصاص فوق رؤوس الناس الذين اندفعوا وأحاطوا بموكب الدكتاتور المطارد...

شاهدنا بشماتة ومتعة التقاط الحرس للدكتاتور ورميه في جوف واحدة من تلك السيّارات السوداء الفارهة المتشابهة لزوم التضليل وصون سلامة السيّد الرئيس، و..اندفاع الموكب التائه الحائر على طرق لا تأخذه إلى بّر الأمان!

لم يكن هناك من يرحّب بفخامة الرئيس.
لا أكف تصفق، ولا أيد تلوّح بالأعلام، ولا أفواه تنشد وتهتف له بطول العمر.
لا حرس شرف، فصاحب الفخامة لم يعد سوى شخص سمين الوجه، زائغ النظرات، يقول كلاما فيه الوعيد من جهة، والمسكنة من جهة أُخرى، و..الحرص على دم الشعب، فهو ليس مع سفك مزيد من دماء الأبرياء..رغم أنه هو لا غيره من أمر بسفك دماء من نزلوا إلى الشوارع ضيقا من فساده، وفساد حاشيته!

الجماهير لا تسفك الدماء، لأنها دائما في موقع الدفاع عن النفس، هي التي تُسفك دماؤها، وتنهب حقوقها، وتهان كراماتها، ولذا تنفجر كالبركان بعد طول احتقان، واحتباس غيظ وقهر، وفي غير توقع ممّن سدروا في غيّهم!

تاه موكب الدكتاتور بيك على طرقات قرغيزيا، وانتظر أن يرحب به أصدقاؤه في دول مجاورة -أمريكا أعلنت أنها لن تستقبله، وهي دائما لا تستقبل من يسقط مهما قدّم لها من خدمات- ولكنه لم يتلق ترحيبا إلاّ بعد طول تشرّد، وبشروط...

أعلن بيك أنه يتشبث بالرئاسة، وأنه الرئيس الشرعي، ومع تصاعد التظاهرات، وهيمنة المعارضة على الشارع، واقتحام الجموع الغاضبة للمؤسسات الحكوميّة.. لانت لهجته، وتواضعت مطالبه، وتخلّى عن الرئاسة مقابل سلامته الشخصية..وسلامة أسرته!
هرب بيك إلى كازاخستان، ومن بعد إلى روسيا البيضاء، و..هو يدّعي في تصريحاته الأخيرة أنه وافق على التنازل عن الرئاسة تحت التهديد بقتله!

دكتاتور جبان..ومن أبرز صفات الطغاة المستبدين: الجبن...
ماذا تعلّم بيكوات العرب من بيك قرغيزيا؟!
لا شيء!
بل أحسب أنهم سخروا من سذاجته، وغشمنته، فهو خسر الرئاسة بعد خمس سنوات فقط، بينما أقلهم حكما له أزيد من عشرين سنة في الحكم، وهو لن يغادر الكرسي إلاّ إلى القبر، وبعد ضمان توريث المحروس ابنه!

هو هرب أمام الجماهير المندفعة التي اجتاحت أرتال وحدات الأمن، والجيش، والحرس الرئاسي، بينما بيكوات العرب اهترأت مؤخراتهم من طول التصاقها بالكراسي، ومع ذلك لم يملّوا الحُكم والتحكّم، وهم لن يزحزحوا مؤخراتهم عن الكراسي بالتي هي أحسن، يعني بصناديق الانتخابات، فالرئاسة البيكويّة في بلاد العرب زمنها مفتوح على احتمال واحد: القبر بعد حكم مديد غير رشيد ولا سعيد.

بيكوات العرب لم تأت بهم الجماهير، لا بانتخابات مباشرة حرّة، ولا بخلع أسلافهم وتنصيبهم، لذا فهم لا يعترفون لها بفضل، ولا يخشون قوتها، لأن قوتها لم تختبر، وهم يستنفدون تلك القوة بتوجيه ضربات استباقيّة لها، وبالإفقار، وبّث الرعب في النفوس، وتغييب كل ما يوقظ لديها الإحساس بالقوّة، والتوق للحريّة، والشعور بالكرامة الشخصيّة والوطنيّة.. ناهيك عن حرمانها من بروز قيادة واعية صلبة من بين صفوفها تمثلها أصدق تمثيل، بل يبلغ التزوير مداه بخلق قيادات ( مُعارضة) كاذبة، وأحزاب وهميّة لا وزن لها.

بيكوات بلاد العرب نافسوا بيكوات أمريكا اللاتينيّة، وتفوّقوا عليهم، بدليل أن أولئك الطغاة انقرضوا هناك، ورفعت الشعوب بدلاً منهم قادة باتوا أكثر حضورا وشهرةً من كاسترو عمدتهم وأستاذهم، في مواجهة أمريكا التي طالما اعتبرت بلدانهم حديقتها الخلفيّة!

حاليّا أمريكا اللاتينيّة بلد الرؤساء المنتخبين الأحرار، بينما بلاد العرب هي بلاد الطغاة المستبدين المزمنين!
شعوب العالم تتقدّم إلى الأمام، بينما نحن نمشي القهقرى إلى الوراء.. مثل( بعر) الجمل!
( هذا المثل عربي قُح..وهو يصف تماما الحال العربي بعّامة)
إذا كان بيكوات العرب لا يرعوون من درس بيك قرغيزيا، فمن الذين يجدر بهم وعي الدرس، واستلهامه؟!
ملايين العرب في كل أقطارهم. فالجماهير التي لا تتعلّم الدروس، وتعي العبر، لن تتحرر من العبوديّة، ولن تتبدّل أحوالها. فالله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

ضعفنا يمكن أن يتحوّل قوّةً، وهذا لا يتحقق بالانتظار، فالانقلابات العسكريّة مضى عهدها، والتغيير لا يأتي من الخارج، و..من أنفسنا ينبغي أن نبدأ.. وأنفسنا يعني: عمل جماعي منظّم واع.. بهذا ننهي زمن طغاة.. أقصد: زمن بيكوات العرب المُستبدين وفسادهم...

التعليقات