31/10/2010 - 11:02

دولة جميع قناصيها../ زهير أندراوس

دولة جميع قناصيها../ زهير أندراوس
خلال هبة القدس والأقصى في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2000 توجهّت إليّ صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، وطلبت أن أكتب مقالاً عن المواجهات بين فلسطينيي الداخل وبين قوات الشرطة في البلدات والمجمعات والمدن العربية في مناطق ألـ48. حينها اخترت العنوان التالي: هذا موطني، هذه ليست دولتي. اليوم وبعد مرور 8 سنوات على الأحداث، أرى لزاماً على نفسي أن أؤكد بشكل غير قابل للتأويل أنّ العنوان الذي اخترته كان صائباً، وتحديداً بعد إعلان المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، المحامي ميني مزوز، بأنّه قرّر إغلاق الملفات ضد رجال الأمن الذين قتلوا بدم بارد 13 شاباً عربياً فلسطينياً، من سكان الدولة العبرية. الرسالة التي أراد مزوز أن يُوجهها إلى العرب الفلسطينيين، الذين يعيشون في هذه الدولة هي واضحة، حازمة وصارمة: نعم، إسرائيل هي دولة ديمقراطية، ولكن عندما يكون الأمر متعلقاً بالعرب، فإنّها تتنازل عن مبادئ الديمقراطية، وتتحّول إلى دولة جميع قناصيها. إياكم، هكذا يُفكر مزوز، أن تُصدّقوا المقولة بأنّ هذه الدولة، لا قدّر الله، هي دولة جميع مواطنيها، كما يطرح حزب التجمع الوطني الديمقراطي.

علينا أن نقول بفم مليء إنّ الدولة اليهودية هي الدولة الوحيدة فيما يُسمى بالعالم الديمقراطي، التي تستعمل القناصّة ضد مواطنيها، الذين أرادوا أن يحتجوا تضامناً مع إخوانهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967. لقد قامت الجماهير العربية الفلسطينية في أكتوبر الأسود بالتظاهر، والحكومة استعملت قبضة من حديد ونار لكسر إرادة هذه الجماهير، وأوعز المستوى السياسي للشرطة باستعمال الذخيرة الحيّة والقناصة لتربية العرب. هكذا فعلوا أيضاً في يوم الأرض الأول في العام 1976، 6 مواطنين عرب من الداخل قُتلوا بنيران الشرطة الإسرائيلية. المثير واللافت أنّ حزب العمل هو الذي كان يحكم البلاد في العام 1976 وفي العام 2000. نقطة للتفكير!

أُقّر وأعترف أنّه على الرغم من محاولاتي المتكررة لفهم القرار الذي اتخذه مزوز بإغلاق ملفات رجال الشرطة الذين قتلوا الشبان العرب، فقد فشلت، ولم أجد مبرراً لذلك، اللهم لأنّ هذه الدولة هي دولة عنصرية، وتسير بخطى حثيثة نحو تطبيق سياسة الأبرتهايد (العزل العنصري). وبالتالي لا نُبالغ البتة إذا جزمنا أنّ قرار المستشار القضائي هو عملياً منح ترخيص لقتل العرب، أيّها الشرطي، أقتُل العرب، ولن تتم محاكمتك.

علاوة على ما ذُكر أعلاه، فقد تمّ اختيار توقيت نشر القرار المزوزي بعناية شديدة: مسألة التوقيت لعبت دوراً مهماً للغاية، إذ أنّه نُشر عشية التقرير النهائي للجنة التحقيق في إخفاقات إسرائيل في حربها الثانية على لبنان في صيف العام 2006، وهكذا امتصت الدولة العبرية الغضب ومنعت عملياً وسائل الإعلام من طرح الموضوع بشكل مكثف، لأنّها كانت وما زالت منشغلة بتداعيات تقرير لجنة فينوغراد. والأنكى من ذلك، أنّ الصحافة الإسرائيلية باللغة العبرية تعمدت تجاهل الإضراب العام الذي أعلنته لجنة المتابعة العليا يوم الجمعة الماضي، ولم تتطرق لا من قريب ولا من بعيد للمظاهرة الجبارّة التي انطلقت من مدينة الشهداء، سخنين. وهذا التصرف يدعونا مرة أخرى إلى القول الفصل إنّ الصحافة الإسرائيلية باللغة العبرية هي صحافة بلاط متطوعة لصالح ما يُسمى الإجماع القومي الصهيوني. ولا نتجنى على أحد إذا قلنا إنّ الصحافة العبرية قامت بعملية اغتيال مُمركز للجماهير الفلسطينية في الداخل. وهذا دليل إضافي على أنّ العنصرية باتت متفشية في جميع شرائح المجتمع الإسرائيلي اليهودي.

وبعد أن أفشلت المؤسسة الإسرائيلية جميع المحاولات لتقديم المجرمين إلى القضاء، بتنا نبحث عن طرق لمواجهة عنصرية وعنجهية هذه الدولة في المحافل الدولية. ربّما تكون هذه الخطوة ضرورية، ولكن علينا، نحن أبناء الأقلية القومية العربية الفلسطينية في هذه الديار، أن نأخذ بعين الاعتبار الحقائق التاريخية المؤسفة: إسرائيل هي دولة مارقة بامتياز، ولا تُنفذ قرارات الشرعية الدولية، وللتدليل على ذلك نُعيد إلى أذهاننا قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بأنّ جدار العزل العنصري الذي تقيمه إسرائيل على أراضي الفلسطينيين هو ليس قانونياً، وأنّه يتحتم عليها إزالته وتعويض المتضررين من تشييده. أقطاب هذه الدولة المارقة لم يُنفذوا القرار ولن يُنفذوه في المستقبل.

في الماضي طالبنا الحكومة الإسرائيلية بالمساواة، أما اليوم بعد القرار بإغلاق ملفات القتلة، فإنّنا نقول لأقطاب هذه الدولة: إذا أردتم أن تقتلونا، كما فعلتم في أكتوبر الأسود، فبالله عليكم، لا تُشكّلوا لجان التحقيق، ولا تزعموا الديمقراطية، فهي منكم براء.

التعليقات