31/10/2010 - 11:02

رسائل الحرب والسلام من إسرائيل إلى سورية../ د.عماد فوزي الشعيبي*

رسائل الحرب والسلام من إسرائيل إلى سورية../ د.عماد فوزي الشعيبي*
كان لافتاً أن رسائل الحرب في محيط دير الزور وفي دمشق التي وجهتها إسرائيل في لعب نوعيّ بالنار مع سورية، تلتها رسائل سلام نوعية أيضاً لا يستطيع القارئ الخارجي إلا أن يقرأها على نحو مزدوج: فهي من ناحـية تمثل رسالة لفتح في دائرة الإغـلاق الأميركية على المسار السوري -الإسرائيلي، ومن ناحية أخرى لا يمكن دمشق أن تندفع للثقة بـــها بعد رسالتي الحرب المشفوعتين بمدمرة أعلن عنها أميركياً لردع أي عمل انتقامي لاغتيال قائد عسكري فذ في «حزب الله» على الأراضي السورية في اختراق مزدوج لقواعد اللعبة: (القادة والمكان).

لكن إعراب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود اولمرت في الخامس من آذار (مارس) عن اعتقاده بأنه «ينبغي النظر بإيجاب الى المفاوضات مع سورية، إذا كانت تؤدي إلى شل دورها» في ما يزعم أنه الإرهاب (الصيغة المعدلة لمفهوم المقاومة في ما بعد سقوط البرجين بحسب المحافظين الجدد وقبل هذا بحسب الإسرائيليين دائماً)، وإخراجها من «محور الشر» (وهو المصطلح الذي تمخض عنه الرئيس جورج بوش في مانويته التي تقسم العالم بين أبيضه وأسود الآخرين، ووجد فيه الإسرائيليون ضالتهم)، يعطي فرصة للتأمل في البراغماتية الجافة التي يعلن فيها الإسرائيليون أهدافهم غير السلمية من دعوة سلمية لا تبدو أبعد من تصريحات لا ترتسم على الأرض بأي صورة من صور الفعل.

يزعم أولمرت أن القيادة السورية تعرف أن هذا هو موقفه. لكن الرسالة السابقة لم يكن لها إلا أن تكرر رسائل عدة من المنبر نفسه الذي يريد منه رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يؤكد استراتيجية تصريحاته التي لم تجد، ولمرات تجسيداً على الأرض، إذ أنها جاءت في استعراض سياسي – أمني أمام أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يوم الاثنين في الثالث من آذار، والتي خصصت أساساً للبحث في ما يجري في الجبهة الجنوبية (غزة) فإذا به يستخدم المنبر النوعي هذا للإيحاء بمدى جدية ما يرسله إلى دمشق من تهاليل السلام التي لا تبدو أنها محكومة بالجدية ما دامت رسائل الحرب هي التي تسبقها بصورة لا يمكن لقارئ بارد الأعصاب إلا أن يعتبر ان كل دعوات السلام اللاحقة، ليست أكثر من تمويه حتى ولو كانت فيها رسائل مضمرة في الاتجاه نفسه.

وبحسب أحد أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، كانت أقوال رئيس الوزراء الإسرائيلي «أكثر من مجرد قول عابر». وحتى بحسب مصدر سياسي، يقولون في الصحافة الإسرائيلية لإضفاء الصدقية عليه إنه خبير في العلاقات الإسرائيلية - السورية، فإن القول الأخير هو بمثابة «خطوة أخرى إلى الأمام»، على رغم أن أولمرت بعث أيضاً في الماضي رسائل إلى دمشق من خلال لجنة الخارجية والأمن، لم تتجسد بأي واقع سلمي فعلي.

قبل نحو أربعة أشهر، وعشية مؤتمر أنابوليس، قال أولمرت لأعضاء اللجنة نفسها في رسالة مشابهة تقوض صدقية رسائله المتتالية إنه يقدر أن «مشاركة سورية في المؤتمر يمكنها في ظروف معينة أن تؤدي أيضاً إلى استئناف المفاوضات وهذا أمرٌ ذو قيمة من ناحية إسرائيل» وأضاف أنه «لا يوجد شخص مسؤول في إسرائيل يظن أن المفاوضات مع سورية ليست شيئاً فيه الكثير من الفضائل لإسرائيل».

وقبل نحو ثلاثة أشهر من الهجوم على الموقع السوري قرب دير الزور دعا أولمرت إلى الشروع في مفاوضات مباشرة مع سورية، وأعلن ان إسرائيل معنية بالسلام معها. وجاءت أقواله في اختتام نقاش في المجلس الوزاري السياسي - الأمني عن الوضع في الحدود الشمالية، آنذاك على خلفية تقدير التعاظم في القوة العسكرية السورية والتخوف من تقدير مغلوط يؤدي إلى المواجهة.

ومع ذلك غامر أولمرت بعمليه دير الزور ما يعني بكلمة واحدة مباشرة: استهلاك هذه التصريحات للتغطية على ذلك. وكانت جريدة «يدوعوت احرونوت» أشارت في 5 آذار إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي ايهودا باراك - بدوره - يعتقد بأن على إسرائيل أن تبذل جهداً لحض القناة السورية، وليس بالضرورة على حساب القناة الفلسطينية. وقبل ذلك ببضعة أشهر، في خطابه أمام «منتدى صبان» الأميركي قال إنه يحتمل أن تندلع مواجهة أخرى بين إسرائيل وسورية وفي مثل هذه الحال «سنضطر إلى النظر في عيون الجنود ونقول لهم إننا بذلنا كل جهد لتحقيق تسوية»، كان في كل ذلك ما يظهر على أنه بمثابة نَوَسَانٍٍ بين موقفين، واحد ينظر بعين العقلانية السياسية وآخر يرى بعد تقرير فينوغراد المهين للجيش الإسرائيلي أن لا مكان في الشرق الأوسط للضعفاء وأن لا سلام مع سورية بعد تلك الهزيمة، ما يعني النظر بالعين اللاعقلانية والشروع نحو اختبار القوة حيث لا يُجرب المُجرب. هي اختبارات تبدو لمسات تعكس ذلك التأرجح بين عالمين: عالم العقل وعالم... القوة.

هل ثمة إمكان للحرب فعلاً؟

السؤال يذهب بعيداً نحو اللاعقلانية ، لكن الإسرائيليين ليسوا مجانين.

الشق الثاني في معادلة الحرب والسلام مرهون أيضاً بالموقف الأميركي، الذي يبدو أنه سيكون أمام لحظة الحقيقة بعد أشهر قليلة مع تبلور اسمي المرشحين الرئاسيين، والقرار في الحزب الجمهوري وفي عائلة بوش بالذات تحقيق إنجاز سياسي سلمي في الضفة الأخرى من معادلة الحرب على العراق أي الصراع العربي – الإسرائيلي، الأمر الذي يوحي أن كل الحقنات المخدرة والمنعشة للمسار الفلسطيني والتدخل الفظ في قرار الحرب على غزة وصولاً إلى سحب البارجة كول الذي جاء في غير توقيت مناسب مع مغامرة أولمرت في غزة، كل هذا يساوي في العرف السياسي البحث عن مسار آخر، ينوه له الإسرائيليون فيما يمانع الأميركيون أن يمارسوا دور الوسيط على اعتبار أن هذا يكافئ دمشق على سياستها الممانعة.

بين لحظة الحقيقة التي تساوي تطبيقاً واضحاً لتقرير بيكر – هاميلتون والتطبيق الذي لا عودة عنه لقرار الحزب الجمهوري وعائلة بوش تمهيداً لترشيح نجل جيب بوش في السنوات للرئاسة كما تفعل هيلاري كلينتون على الضفة الأخرى، يبدو أن الأشهر المقبلة ستكون حبلى بما يتجاوز التأرجح، اللهم إلا إذا غالب العناد المبشر وثيق الاتصال بالسماء، وتوهم البقية الباقية من المحافظين الجدد أن المغامرة العسكرية تدفع السوريين إلى سلام الأمر الواقع، ما يعني أن المغامرة لن تتوقف لأن لكل فعل رد فعل يوازيه... ويفوقه أحياناً ويطول زمنه أحياناً أخرى.
"الحياة"

التعليقات