31/10/2010 - 11:02

رسالة الى الاحتلال../ فادي العلي*

رسالة الى الاحتلال../ فادي العلي*
أنا لا أملك بندقية، وإن امتلكتها قد لا أجيد استعمالها، وإذا أجدت استعمالها، لن أجد أرضاً تقبل بوجودي مع سلاحي.. لذا وضعت احتمال امتلاكي لبندقيةٍ جانباً، ومن هنا فكرت بمخاطبتك عبر ذبذبات تمتلك بثها فضائيات فلسطينية، فوجدتهم منهمكين بصراع جديد، فابتعدت عنهم.. فالعقل والضمير لا يعرفان عدواً غيرك، لذا أخذتني يداي في الحال إلى قلمٍ وورقة لأوجه من خلالهما إليك بعضاً مما تحمله لك خلايا دمي.. لذا سوف أفسح المجال لمخيلتي، واسمح لنفسي بأن أخاطب ما تسمونه دولة وما نسميه كيانا.. بصفةٍ شخصية، فأنا شخص واحد، وأنتم جريمة واحدة، لذا سأسرق لحظات قليلة من الزمن لأخاطب كيانكم الدموي برمزية لا تتجاهل حجم قوتكم الورقية.. لكنها تحاول اختزال بعض مايجري على الأرض بمفرداتٍ قليلة على أمل أن تصل إليكم..

أردت إخباركم أنه بالرغم من قناعتنا بأن الموت يأتمر بأوامر قادتكم، ويخطف أبناءنا بإشارة منكم، وبِعلمنا أيضا بأن جدران زنازينكم خُلقت على هذه الأرض لتزرع العتمة في عيوننا، وبأن أشجارنا وإسمنت بيوتنا وغيومنا.. كلهم يعرفون سطوة مدرعاتكم، وقذارة طائراتكم...
نعرف ذُل حواجزكم، فهي تشبه كثيراً ما يسمى بمعابركم، ومنهم بالطبع معبرنا الشهيد في غزة..
أما أطفالنا فهم على دراية بوجودكم منذ البداية، فمجموع أطفالنا يتعرفون على وجوهكم عند بدايات إبصارهم لنور الدنيا، ويشعرون برياح عنصريتكم في لحظاتهم الأولى، وكثيراً منهم وضعتهم أمهاتهم قرب حواجزكم، وغيرهم أبصر الحياة في عتمة زنازينكم، وهناك الكثير منهم نمت عظامه في ظل رائحة موت زكمت أنوفهم في صبرا وشاتيلا..

جميعنا .. من محاصرين في الضفة والقطاع، وصامدين على أرض 48 ، ومنتظرين في الشتات، نعرفكم جيدا، فكلنا لامسنا نيرانكم..

ولأننا على معرفة وثيقة بمجموع طقوسكم الهمجية والتي تمارسونها على أرضنا وشعبنا منذ وطأت أقدامكم حدودنا، وبالرغم من قسوة وجودكم ضمن محيطنا الإنساني والبيئي، ومع إدراكنا لضراوة الإعصار الذي يضرب، وبقوة، نسيجنا الوطني في هذه الحقبة الزمنية المجنونة، ولأننا في هذه الحقبة تحديداً، وجدت من المناسب بأن نُعيد قراءة بعضاً من الحقائق على مسامعكم، خوفاً من أن تغوصوا مجددا في عالم الأوهام..

مع إدراكنا لكل هذا، نُعلمكم بأننا سنبقى على حلمنا، فكما أقحمتم الأبدية بوجودكم في القدس، نؤمن بأبدية وجودنا على أرضنا، وبأبدية حلمنا بالعودة إليها.. ونؤمن أيضاً بأن فلسطين خرجت من رحم التاريخ لنعيش فيها إلى الأبد، وأن نهرها وبحرها وسماؤها وبّرها كلهم.. أصحاب شهادات ميلاد فلسطينية، ومعابركم أسطورة.. مهما طال سردها، لن تصمد إلى الأبد في وجه حقيقة فلسطين التاريخية..

فأنتم مخطئون إن اعتقدتم أن بناؤكم للجدار خلق أمراً واقعاً جديداً، وبأننا سنرضخ لقوة هذا الواقع، وأننا سنقبل بهذا الهيكل الإسمنتي حداً لنا، فبرغم التداعيات الخطيرة لقيام هذا الجدار وقسوتها على حياة الناس، لكنه فرض أيضاً، وبزخم، عودة منتصرة لحقيقةٍ تاريخيةٍ تخبطت قضيتنا نتيجة تجاهلها لوقت طويل، فلسطين كل فلسطين لم تعد طرحا رومانسياً أو خشبياً، فطرح الدولتين هو من بات طرحاً خشبياً، ووجود الجدار والمستوطنات واختزال حق العودة ضمن أراضي الدولة على ما تبقى من أراضي الضفة وغزة هو مجموعة من الأوهام لايقبل الواقع و لا المنطق بمعطياتها..

عليك أيها الاحتلال أن تعلم، بأن حلمنا عاد إلى زخمه السابق، فقسوة جدارك حاضرة دائما، لكنها أعادت للحلم بُعده الحقيقي..

فنحن ندرك بأن دمنا سينزف طويلاً، وبرغم ذلك عليكم أن تدركوا حقيقة تاريخية ليست بطارئة، بأن الأرض تمنح نفسها لمن ينزف لأجلها، لذا فإن معركتكم مع جذورنا خاسرة، برغم امتلاككم لقدرات هائلة في فنون القتل والإغتصاب، لكن قدراتكم هذه لا تتجاوز أجسادنا وتقف عاجزة أمام امتدادنا في أعماق التاريخ والأرض..

قد يكون بطشكم سيد اللحظة، لكننا على يقين بأن صمود المرأة، والاشتعال الدائم لنار الذاكرة في عقول أطفالنا، وعيون الثوار التي لا تنام، هؤلاء جيمعا أسياد المستقبل..

فعلى مدار التاريخ، نجد بأن سلوك الإحتلال وطقوسه هي متناغمة دائما، ومسوغات فشلها متقاربة أيضا، فهناك حقيقة بعيدة وقد تكون غائبة عن الذهنية الثقافية في عقول منظري الإحتلال، بأن احتلال الأرض يُسمى حصول احتلال، لكن حصوله لا يصبح وجوداً أبدياً إلاَّ عند احتلال الإنسان، لذا فإن ابتلاعكم لأرضنا ولتفاصيل حياتنا سوف يزيد من حدة صراعكم مع من كانوا يقيمون ومازالوا على هذه الأرض ، وعليه.. أنتم في حالة صراع قائمة ودائمة مع الإنسان الفلسطيني.. في صراع مع الطبيعة لا ينتصر الإحتلال فيه.. وإن اشتم البعض رائحة إنشائية في جوف هذه المفردات، ما عليه إلا مراجعة تجربة صمود ماثلة أمام أعيننا، فنموذج المقاومة المجتمعية والثقافية الذي قدمه أهلنا في أراضي فلسطين عام 48 ، وما يشكله من تهديد حقيقي لمصالح هذا الكيان، تجربة.. يستحق أصحابها إنحناء القامات لهم.

عليكم أن تعلموا، أننا على أمل، قد تستطيعون سرقة الأرض والسماء، لكن أملنا لا يُسرق، وبقاء فلسطين في أعماقنا عصياً على أي احتلال، و استجداء مفاوضنا وإرتسام إبتسامته الأبدية على وجهه في مجالسكم، لا يعنينا، و آلاف الحماقات التي يرتكبها الصبية في غزة، لا تُمثلنا.. ما يعنينا وما يُمثلنا هو وورود الشهداء، وأشواق الأسرى، وصمود أحلامنا في وجه واقعكم، فجدرانكم ليست أبدية، لكن باطن أرضنا أبدي..

التعليقات