31/10/2010 - 11:02

زلازل ما بعد العراق../ معقل زهور عدي

زلازل ما بعد العراق../ معقل زهور عدي
إذا جربنا تأمل المشهد العام للمنطقة العربية، والبحث عن الخطوط الرئيسية للحركة السياسية، الخطوط العامة التي يمكن استخلاصها بصعوبة من بين خصوصيات كل بلد وكل حالة، معترفين ضمنا بارتباطات داخلية عميقة بين الساحات المتعددة، سواء كان اعترافنا نابعا من وعي قومي، أو كان نابعا من تسليم موضوعي بحقيقة وجود تلك الارتباطات كما يقول تاريخ المنطقة الحديث منذ نهاية الحقبة العثمانية.
أقول إذا جربنا ذلك فربما نصل إلى عدة خطوط عامة مشتركة:

الأول: حدوث اختراق في وجود قوى الردع الدولية والإقليمية وفعاليتها وهيبتها، هذه القوى التي كانت للأمس القريب كلية الهيمنة والجبروت، ومرجعا وملاذا للدولة القطرية العربية، بحيث أصبحت الدولة القطرية العربية نهبا للخوف والقلق على مستقبل مجهول وبدأت تفتش بطريقة لا تخلو من الذعر عن بديل – ولو جزئي- لتصدع قوة الردع الدولية، وتجلى ذلك في محاولة إحياء الجامعة العربية، وإنشاء أشكال من التحالفات على عجل، لكن دون التفكير – للأسف – بتقديم أية تنازلات للمجتمع في سياق الإصلاح السياسي.

الثاني: تزامن تفكك الدولة القطرية مع صعود قوى راديكالية عنيفة في مواجهة نخب سياسية فاسدة ومهترئة غير قادرة على المواجهة.

الثالث: انبعاث كل المخزونات من المشاعر والروابط تحت الوطنية ( قبائلية، طائفية، عائلية، مذهبية..الخ..) ودخولها معترك الصراع كوقود لتسعير العنف وتعميق خط التفكك.

الرابع: تراجع دور وفعالية السياسة كفعل عقلاني عصري لتوجيه التيارات الاجتماعية أمام انفجار صراعات غير مفهومة وغير قابلة للتوجيه. تبدو وكأنها ردود أفعال مكتومة ومضغوطة أكثر منها فعلا واعيا وهادفا.

الخامس: للأسف الشديد بدأت الآمال تتبدد بوجود طريق ممكن للإصلاح السياسي يجنب الاحتمالات الأكثر خطورة، وتغدو المنطقة العربية محاصرة أكثر من أي وقت بين أنظمة فقدت القدرة على فتح أي أفق للمستقبل ( في الواقع هي تحاول إعادة الماضي بدلا عن ذلك ) وبين بدائل عنيفة مدمرة، والأمر الذي يبعث على القلق أن تلك البدائل تتقدم كل يوم، وبمقدار ما يتم إضعاف وسحق الفكر السياسي المتبقي لدى الدولة العربية القطرية لصالح تشديد الاعتماد على القبضة الأمنية بمقدار ما تمنح البدائل العنيفة فرصة أكبر وأسرع للظهور.

السادس: بسبب انتكاس مشروع الهيمنة الأمريكي في العراق وارتباك السياسة الأمريكية تتجه الإرادة الأمريكية والإسرائيلية ( نتيجة شعور الأخيرة بخطر تقلص قوة الردع بعد حرب لبنان ) نحو تدمير المجتمعات العربية من الداخل كحل أخير لتأخير هزيمة تاريخية بدأت ترتسم معالمها بوضوح.

تبرز كارثة نهر البارد مثالا لما يمكن أن ينتظر لبنان والمنطقة العربية، فهذه المجموعة المسلحة الصغيرة والتي لم يكن يفطن إليها أحد تمكنت من تغيير الواقع السياسي اللبناني ووضعه في سياق جديد لا يعرف أحد إلى أين سيفضي في النهاية، والمشهد في مخيم نهر البارد عميق الدلالة فبعد حوالي شهر من القتال بالغ العنف حشد فيه الجيش اللبناني أفضل ألويته تم تدمير معظم المخيم حتى أصبح وكأنه خارج للتو من الحرب العالمية الثانية وسقط للجيش اللبناني أكثر من ثمانين جنديا وضابطا بينما مازال القتال دون حسم!

نهر البارد مثال نموذجي للعنف المدمر الكامن كبركان في مواجهة نخب سياسية مفككة ومنقسمة ( الطبقة السياسية اللبنانية )، والدرس الآخر انه ليس من الضروري أن يكون العنف محليا، فالعنف في المنطقة يولد في مكان وينفجر في مكان آخر، لكن ليس من السهل إزالة آثاره السياسية ومنعه من توليد دورة عنف محلية جديدة؟

في مثال غزة يصعب على المرء حصر الآثار بعيدة المدى للمعركة القاسية الدموية التي دارت بين الشوارع والأبنية، بكلمة واحدة لقد قلبت معركة غزة الخارطة السياسية للمنطقة برمتها بطريقة غير متوقعة ربما حتى من قبل حماس ذاتها فمن كان يصدق أن تنهار كل القوى الأمنية التابعة لسلطة عباس فضلا عن قوة فتح خلال أيام أمام قوة حماس ؟

والسؤال الأكثر إثارة الآن هو كيف ستتمكن حماس من الاستمرار في حكم غزة إذا فرضت عليها إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وحتى الدول العربية الحصار؟

إن السماح بموت مليون ونصف المليون إنسان من الجوع أمر لا يمكن تصوره في القرن الحالي، كما أن إيران تبدو مصممة على عدم ترك الفرصة السانحة لضم حماس نهائيا إلى معسكرها كرأس رمح متقدم موجه نحو إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية ولكن هل يفهم الحكام العرب معنى وثمن محاصرة حماس ؟

يبدو السيد عباس سعيدا بالتخلص من حماس وغزة معها أيضا، -وللمفارقة- كأن هزيمة منظمته قد فتحت له أبواب الجنة لكن على الأرجح لن يكون بإمكانه الاحتفاظ بتفاؤله فترة طويلة فشبح حماس سيلاحقه في الضفة الغربية، كما أن الحكومات العربية لن تتركه وشأنه ليستمتع بعلاقة دافئة مع حكومة أولمرت وأغلب الظن أن ضغوطا حثيثة سيتم تطبيقها عليه لفتح حوار مع حماس على الأقل للحيلولة دون وقوع غزة نهائيا في دائرة نفوذ إيران.

في النهاية يتساءل المرء هل كانت حماس بالفعل تخطط للتفرد بالسيطرة على غزة، أم أن بركانا من العنف الخارج عن السيطرة والذي فجرته ردود الفعال قد ساق الأحداث إلى ما آلت إليه ووضع قادة حماس أمام الأمر الواقع وإلا يحيلنا ذلك أيضا إلى خط الإنفجارات المفاجئة التي تقلب الخريطة السياسية عاليها سافلها، لقد بدأ عصر زلازل ما بعد العراق.

التعليقات