31/10/2010 - 11:02

زوبعة في فنجان أم فرصة للعرب؟../ هاني المصري

زوبعة في فنجان أم فرصة للعرب؟../ هاني المصري
رغم ادعاء نتنياهو بأنه وجد الطريق الذهبي بين احتياجات إسرائيل الأمنية والطلبات الأميركية، إلا انه عاد خائباً إلى إسرائيل، وهو يحمل معه 13 طلباً أميركيا، تكرر التزامات إسرائيل بخارطة الطريق، ومطلوب من حكومته أن ترد عليها بسرعة .

ماذا يحدث بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، بين أوباما ونتنياهو؟ هل هو طلاق وبداية مرحلة جديدة أم خلاف بين أصدقاء ومجرد زوبعة في فنجان أم انعكاس لتغييرات لم تنضج تماماً بعد؟ أم يوجد هناك شيء من هذا وذاك وذاك؟

كانت القمة الأميركية - الإسرائيلية الأخيرة مثيرة، فوفقاً للمصادر الإعلامية الأميركية والإسرائيلية فان أوباما رد الصاع صاعين على الإهانات الإسرائيلية لإدارته. وإذا دققنا بالخلافات نجد أنها حول مسائل جزئية وليست استراتيجية، ولا تحتمل كل هذه الدراما، ظهر ذلك واضحاً في تواضع الطلبات الأميركية بعد الصفعة الإسرائيلية لنائب الرئيس الأميركي جون بايدن. فهي تضمنت إلغاء المشروع الأستيطاني في "رامات شلومو" وتقديم خطوات بناء ثقة والموافقة على التفاوض حول القضايا الجوهرية بدون مرجعية ولا وقف للاستيطان ولا حتى ضمانات أميركية تقدم للفلسطينيين. لماذا إذا تفجر الخلاف بهذا الشكل رغم أنه حول قضايا جزئية ؟

الجواب يكمن أساسا في طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية المتطرفة جداً أكثر من أية حكومة سابقة، بحيث أنها لم تراع مصالح وهيبة ومصداقية حليفها الأساسي (الولايات المتحدة الأميركية) ما اضطر إدارة أوباما لتلقينها درسا لا تنساه.

إن القصة بدأت قبل مجيء نائب الرئيس الأميركي في جولته الأخيرة التي كانت أهدافها تأكيد صداقة بلاده لإسرائيل وأولويتها الملف الإيراني وكان سيعلن عن استئناف المفاوضات المتقاربة ليفاجأ بالصفعة الإسرائيلية، رغم أن نتنياهو وافق قبل الزيارة على عدم الإقدام على أي شيء يحرج الفلسطينيين ويجبرهم على عدم استئناف المفاوضات أو وقفها بعد ذلك، ولكن نتنياهو أوضح ( مع تفهم أميركي) أنه لا يستطيع التعهد بأي شيء علنا.

ولم تكتف الحكومة الإسرائيلية بعدم الالتزام بتعهدها بل واصلت توجيه الإهانات للإدارة الأميركية حتى بعد اندلاع الخلاف، وعلى الرغم من أن الطلبات التي قدمتها هيلاري كلينتون لنتنياهو كانت جزئية، ومع أن الإدارة الأميركية أبدت استعدادها لاحتواء الخلاف وذلك من خلال تصريحات أوباما بان الخلاف ليس أزمة وهو بين أصدقاء.

لقد فوجئت الإدارة الأميركية بأن الاستيطان مستمر وعلني في القدس والأحياء العربية حتى قبل نصف ساعة من لقاء البيت الأبيض، وأن المسؤولين الإسرائيليين يتحدثون ويتفاخرون بأن الإدارة الأميركية قد تراجعت مرة أخرى عن مطالبها.

لقد كانت القشة التي قصمت ظهر البعير الخطاب الذي ألقاه نتنياهو أمام مؤتمر "الايباك" الذي استعرض فيه قوته وغطرسته في عقر دار الإدارة الأميركية في العاصمة واشنطن، مشددا على أن القدس ليست مستوطنة وان البناء سيستمر فيها.

نتنياهو اعتمد وراهن أن باراك أوباما لا يزال ضعيفا وسيتراجع كما فعل سابقا في أيلول الماضي عن مطلبه بتجميد الاستيطان ووعده بحل الصراع وتقديم مبادرة سلام أميركية .

لم يعد أوباما ضعيفا، فهو حصل أخيرا على إقرار قانون الرعاية الصحية، وهذا انجاز كبير يقويه في السياسة الداخلية والخارجية. ورغم مرونة الإدارة الأميركية، إلا أن نتنياهو أصر على موقفه لأنه يدرك أيضا أن تجميد الاستيطان في القدس يعني فوراً سقوط حكومته. أما الخلاف مع الإدارة الأميركية فقد يجد حلاً إما بتراجع أميركي جديد أو بالتوصل لحل وسط، أو بتغيير الائتلاف الحكومي بضم حزب كاديما إلى الحكومة .

ويعزز هذا التقدير أن الإدارة الأميركية وقفت حتى بعد لقاء واشنطن ضد ثلاث إدانات لإسرائيل في المجلس العالمي لحقوق الإنسان، وحتى الآن لم تستخدم أية ورقة ضغط حقيقي وإنما اكتفت بالكلام والإهانات الانتقامية والتهديدات الفارغة.

ما سبق لا يكفي لتوضيح حقيقة وأبعاد الخلاف الأميركي - الإسرائيلي . فهذا الخلاف لا يمكن فهمه إلا من خلال رؤية المتغيرات الدولية، خصوصا في السياسة الأميركية بعد المأزق الأميركي في العراق وأفغانستان ومجمل العالم الإسلامي، والأزمة المالية العالمية، ومجيء إدارة اوباما إلى سدة الحكم .

صحيح أن هذه التغييرات لم تتبلور حتى الآن لأن هناك صراعاً شديداً بين الصقور والحمائم داخل المؤسسة الحاكمة الأميركية. ولا يزال الحمائم يفتقدون إلى الأجنحة الكافية للطيران، ولكنهم يزدادون قوة بسبب حدوث تطورين بارزين:

الأول: أن إسرائيل لم تعد تملك قوة الردع العسكرية المطلقة بعد هزيمتها في الحرب اللبنانية الأخيرة عام 2006، وعدم انتصارها في الحرب على غزة . وهذا يعني أنها فقدت قدرتها على القيام بوظيفتها الأصلية بعد أن اضطرت القوات الأميركية أن تأتي إلى المنطقة لاحتلال العراق وأفغانستان لحماية إسرائيل والنفط بدلا من أن تقوم إسرائيل بهذه المهمة . بدأ هذا الاتجاه بالظهور بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية والذي أدى إلى تغير استراتيجي في الدور الوظيفي لإسرائيل التي قامت وأحد أهداف قيامها مواجهة الخطر الشيوعي في المنطقة . ولم يعد هذا الخطر قائما، وإسرائيل تعتبر حافزا لزيادة الخطر الإسلامي الذي اعتبر هو الخطر الجديد.

الثاني : أن إسرائيل لم تعد الوكيل الحصري أو الطرف المهيمن على المنطقة لوحده، فقد برزت إيران بشكل ينافس إسرائيل، وبرزت تركيا وهي آخذه بالابتعاد عن حليفها التقليدي (إسرائيل ). و العرب وصلوا إلى الحضيض، ولم يعودوا قادرين على الهبوط أكثر .

طبعا لا يعني ما تقدم أن أميركا أصبحت على وشك القطيعة مع إسرائيل، بل هي في مرحلة التفكير ببلورة سياسة جديدة يكون من أهم أهدافها حماية إسرائيل من نفسها وعبر رسم دور جديد لها يتناسب مع المتغيرات الإقليمية والدولية. فكما قالت كلينتون فإن السلام وليس الاستيطان هو الذي يوفر الأمن لإسرائيل .

علينا أن نتذكر أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية لا تحكمها فقط و لا أساسا جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، بل هي قائمة على المصالح المشتركة التي تتجاوز الرؤى و البرامج الخاصة للحاكمين في البيت الأبيض .

نؤكد مرة أخرى على أن ما يحدث حاليا سببه الأساسي طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية . بدون أن يعني ذلك الوقوع في وهم أن تغير الائتلاف الحكومي بدخول حزب كاديما إلى جانب أو بدلا عن حزب أو أكثر من متطرف سيحل المشكلة، بل إن هذا ( للمفارقة) احد مطالب بعض المتطرفين لأن دخول حزب كاديما للحكومة سيظهر للإدارة الأميركية أن هنالك إجماعا على الاستيطان في القدس من قبل الغالبية العظمى من الأحزاب الإسرائيلية .

قبل نهاية هذا المقال لا يمكن إغفال أن اللوبي العسكري الأميركي بدأ يعيد النظر بموقفه من إسرائيل ودورها وتأثيره على مصالح الولايات المتحدة الأميركية وحياه جنودها في المنطقة، وهو لوبي مؤثر جدا على القرار الأميركي .
فتصريح ديفيد بترايوس قائد المنطقة العسكرية الوسطى حول خطر الجمود الراهن في عملية السلام تردد صداه عند رئيس الأركان ووزير الدفاع وحتى في أروقة البيت الأبيض .

إن أهمية الخلاف المتكرر والرجراج تكمن في أنه يشير إلى متغيرات، حدثت ويمكن أن تحدث، وتوفر فرصة تاريخية للعرب. أن قدرة العرب على توظيفها مرهون باتباع استراتيجية عربية بديلة عن استراتيجية السلام كخيار وحيد، استراتيجية الانتظار لما تصل اليه الخلافات الأميركية - الإسرائيلية.

إن استمرار الاستراتيجية العربية الحالية سيقود إلى التسليم بما يتم التوافق عليه بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية بلا أي دور عربي فاعل أو مؤثر في ميزان صنع القرار الأميركي، علما بأن ما يمكن أن ينتهي له أي اتفاق أميركي - إسرائيلي لا يمكن أن يلبي الحد الأدنى من المطالب والحقوق الفلسطينية والعربية.

لذا فان المطلوب ليس الانتظار ولا سحب مبادرة السلام العربية، وإنما تسليحها بأنياب وجعلها قاعدة تحكم العلاقات بين العرب وغيرهم من البلدان، بحيث من يقبلها يثاب ومن يرفضها يعاقب .

تأسيساً على ما سبق فان التفاوض على جميع المسارات لابد أن يبقى متوقفا إلى أن توافق إسرائيل على المبادرة العربية، وذلك ضمن خطة عربية تجمع أوراق القوة والضغط العربية وتستخدمها بشكل متدرج ومتصاعد، تبدأ بوقف تطبيع العلاقات العربية - الإسرائيلية وعودة المقاطعة لإسرائيل وملاحقتها على جرائمها دوليا، وتصل إلى إلغاء المعاهدات وقطع العلاقات الدبلوماسية المصرية والأردنية مع إسرائيل، وإلغاء اتفاق أوسلو وكافة الالتزامات المترتبة عليه.

إن من يريد السلام عليه أن يستعد للحرب . ومن لا يملك خيارا للحرب لا يستطيع صنع السلام، وهنالك مرحلة ما بين السلام والحرب اسمها اللاحرب واللاسلم، على العرب الدخول فيها حتى يرسلوا رسالة إلى واشنطن وتل أبيب بان العرب سيتغيرون ويأخذون مطالبهم ومصالحهم وكرامتهم بجدية، وعلى الجميع أن يأخذها بالحسبان وبجدية!

التعليقات