31/10/2010 - 11:02

سراب المصالحة../ ماجد عزام*

سراب المصالحة../ ماجد عزام*
تبخرت أجواء التفاؤل التي سادت خلال الفترة الماضية وأوحت بقرب المصالحة الوطنية الفلسطينية، وعادت الأمور للأسف إلى نقطة الصفر من جديد. حول هذا الأمر وثنائية الانقسام - المصالحة بشكل عام يمكن تسجيل عدة ملاحظات أساسية ومنهجية:

أولا يظهر فشل جهود المصالحة عدم امتلاك الطرفين المتناحرين للإرادة السياسية اللازمة لإنهاء الانقسام واستمرار هيمنة الأجندة الفئوية الضيقة على جدول الأعمال السياسي والحزبي الفلسطيني. ومن نافل القول الإشارة إلى أن الافتقاد إلى الإرادة السياسية الوحدوية يعني عبثية أي جهود تبذل لإنهاء الانقسام بغض النظر عن صدق نوايا وهوية الأطراف القائمة على تلك الجهود.

ثانيا حتى مع افتراض وجود تلك الإرادة فإن هوة واسعة وسحيقة من عدم الثقة والشك والريبة ما زالت تهيمن وتتحكم بوتيرة العلاقة والاتصالات بين فتح وحماس. ودون وجود وسيط نزيه وقوى ومثابر وحكيم يجسر تلك الهوة بين الطرفين لن يكون بالإمكان إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة حتى لو افترضنا جدلا أن ثمة استعدادا لدى طرفي الانقسام لذلك، وهو الأمر الذي ما زال محل شك.

ثالثا قدم فشل جهود المصالحة برهانا اضافيا على افتقادنا كفلسطينين على المستويين الجماهيرى والسياسى لقوة قادرة ليست فقط على الجسر بين الطرفين وانما ايضا الضغط عليهم عند الضرورة للانصياع للمصالح الوطنية العليا والاقلاع عن السياسات الفئوية والحسابات الضيقة والاجتهادات الخاطئة التى تحكمت بالساحة السياسية والحزبية خلال العقدين الماضين واوصلتنا الى ما وصلنا اليه من تباعد وتشتت وانقسام.

رابعا عودة الأمور الى نقطة الصفر تعني أيضا وللأسف الشديد استمرار الجمود الفكري والسياسي وهيمنة وتغليب المظاهر والشكليات على الأمور الجوهرية والمركزية عند الأشقاء في مصر. فالورقة المصرية ليست نصا مقدسا كما قال عن حق -مصدر مصري مطلع لصحيفة الشروق عند شيوع أجواء التفاؤل الأسبوع ما قبل الماضى- وهي تحتاج إلى تعديلات جدية أقلها في الجانب التقني. لا يمكن بأي حال من الأحوال إجراء الانتخابيات نهاية حزيران كما أشارت الورقة، ونحن نحتاج إلى سنة على الأقل وفق روحية النص الأصلي لها لإجراء الانتخابات على أسس ديمقراطية وشفافة ونزيهة هي غير متوفرة بالتأكيد الآن في الأراضي الفلسطينية المحتلة. عوضا عن ذلك لا يمكن أن تنجح الجهود المصرية إلا عندما تكون القاهرة على بعد أو بالأحرى على قرب ومسافة واحدة من الجميع، وهو الأمر غير المتوفر الآن لأسباب عدة سياسية وفكرية وحتى شخصية أيضا...

خامسا لم تؤد الجهود التي قام بها الأمين العام للجامعة العربية إلى أي نتيجة، ما يعني أو يشير إلى الافتقاد لطرف عربي قوي ونزيه قادر على إقناع مصر أنها غير قادرة لوحدها-هذا هو الواقع بعيدا عن الشعرات الفارغة والجوفاء- على إنجاز المصالحة مع كامل التقدير والاحترام لكل الجهود التي بذلتها وما زالت تبذلها حتى الآن، وقادر أيضا على الضغط على الفصائل الفلسطينية لإجبارها على الانصياع للمصلحة الوطنية والقومية العليا بعيدا عن الأجندات الفئوية الضيقة والقاصرة عن رؤية الواقع واستخلاص الاستنتاجات السياسية المناسبة منه، وقادر كذلك على مواكبة التنفيذ الأمين والنزيه لنص وروح الورقة المصرية. وهذا الأمر أي التطبيق الشفاف والصادق للوثيقة هو ما يمثل برأيي العائق الأساس أمام إتمام المصالحة. المشكلة كما دائما ليست في النصوص وإنما في النفوس.

أخيرا فشل جهود المصالحة يعنى بالضرورة تكريس بل وتأجيج أجواء الانقسام والتناحر وخلق الوقائع على الأرض التي تكرس النموذج القبرصي بين الفلسطينيين، بمعنى وجود كيانين منفصلين متناحرين خاضعين بدرجات متفاوتة للاحتلال الإسرائيلي الذي لم يكن يحلم في يوم من الأيام أن يحقق الفلسطينيون أنفسهم ما عجز هو عن تحقيقه بالقوة والقهر والمجازر.

التعليقات