31/10/2010 - 11:02

سقط القناع عن القناع../ نضال حمد

سقط القناع عن القناع../ نضال حمد
بينما كانت بلدية باريس تكرم رمزين كبيرين من رموز الإجرام الصهيوني، ديفيد بن غوريون وشيمون بيريز، أعلنت سلطات الاحتلال الصهيوني نيتها وعزمها تسفير عشرات آلاف الفلسطينيين من الضفة بحجة أنهم يقيمون بشكل غير قانوني... كيان الاحتلال اللاقانوني والعدواني يريد طرد الفلسطينيين من أرضهم إلى المجهول.. فللاحتلال لغته ومنطقه المعاكسان للعقل وللمنطق و للقانون. أما بلد القانون والحريات، فرنسا التي لم تدن هذا الإعلان الحربي "الإسرائيلي" كانت مشغولة بنزع علم فلسطيني وضعه المحتجون على تكريم بن غوريون وبيريز، فوق قوس النصر في باريس كاحتجاج على الانحياز الفرنسي إلى جانب الصهاينة. عبر تسمية حديقة في باريس باسم بن غوريون، وميدان باسم بيريز في قلب العاصمة وغير بعيد عن شارع يحمل اسم الجنرال رابين مكسر عظام الفتية الفلسطينيين.

من يدري ففي حال بقي ساركوزي في الحكم قد يتم إنشاء مدينة تحمل اسم زئيفي، شارون، غولدا مئير، جيبوتنسكي، شامير، ليبرمان أو هرتسل.. وهؤلاء كلهم من مرتكبي المذابح بحق أبناء وبنات الشعب الفلسطيني والأمة العربية.. وبعضهم مطلوب للانتربول الدولي بتهمة ارتكاب تصفيات ومجازر وجرائم حرب ضد الإنسانية.

منذ أكثر من ستين عاما وحتى يومنا هذا مازال بيريز ثعلب الصهيونية وأكبر الماكرين في الاشتراكية الدولية، يواصل نفاقه اليومي وتعمية بصر الأوروبيين، الذين يوجد بينهم قادة اشتراكيون بالعشرات يعتبرونه الأب الروحي لاشتراكيتهم الدولية. ولم يعد غريباً أن هنالك كذلك في مجموعة الاشتراكية الدولية عرباً وفلسطينيين.. ومع أن الرئيس البولندي الراحل كاتشينيسكي لم يكن اشتراكياً ووقف طوال حياته ضد الشيوعية والاشتراكية إلا أن المصلحة الصهيونية جعلت تصريحات بيريز تعتبر الرئيس البولندي الراحل ليخ كاتشينيسكي من أكبر أصدقاء "اسرائيل".

الحقيقة أن الرئيس البولندي الراحل لم يكن كذلك. فقد كانت مواقفه متوازنة فيما يخص القضية الفلسطينية. بينما نجد أن حزبه "العدالة والقانون" الذي يتزعمه شقيقه التوأم ياروسلاف كاتشينيسكي، هو أكثر الأحزاب البولندية هذه الأيام تعاطفاً مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، طبعاً ضمن المفهوم الأوروبي للتعاطف مع فلسطين. فنوابه في البرلمان أسسوا لجنة برلمانية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وأقاموا اتصالات مع مؤسسات فلسطينية فاعلة في أوروبا. كما وزار بعضهم قطاع غزة ضمن حملات التضامن الدولية لفك الحصار عن القطاع. تعتبر تلك المواقف لحزب الرئيس البولندي الراحل تأكيداً على كذب ونفاق بيريز وقادة "إسرائيل".

كان كاتشينيسكي، الذي دفن في قلعة فافيل بمدينة كراكوف الشهيرة، أرسل في شهر أيار/ مايو العام الفائت طائرته الخاصة (التي تحطمت في روسيا وأدت لمصرعه وجميع الوفد المرافق له) لإحضار 80 طفلاً فلسطينيا جريحاً من غزة للعلاج في بولندا... يبدو أن بيريز والقادة الصهاينة يريدون استباق نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة في بولندا، فسرعان ما أخذوا يمجدون بالرئيس الراحل، حيث أنهم كانوا طوال الفترة السابقة يحركون أقلاما محلية ودولية محسوبة عليهم للتشهير بالرئيس وتشويه سمعته وللتحريض ضده وضد سياسته. لكنهم على ما يبدو رأوا الآن بعد حادث الطائرة وموت الرئيس أن الشعب البولندي التف حول رئيسه وقدره خير تقدير، ليكون هذا التكريم الشعبي الكبير وساماً للرئيس الراحل واعترافاً بأنه كان رئيساً وطنياً يحب بلده ويعمل لأجله بحزم. وكذلك يعتبر هذا الالتفاف الشعبي الجامح معياراً لشعبيته ولنجاح سياسته. من هنا تأتي تصريحات الثعلب بيريز حتى لا يفوته هذا القطار المنطلق بشكل سريع في بولندا... يحدث هذا فيما العرب يتسابقون للتطبيع مع الاحتلال دونما مقابل، كما إنهم لا يفعلون أي شيء لأجل ترتيب علاقات أمتن وأفضل مع البولنديين.

في نفس الوقت لكن بعيداً عن بولندا وأحزانها، أعلنت الجالية اليهودية في جنوب إفريقيا منع القاضي اليهودي غولدستون من المشاركة في مناسبة دينية يهودية تخص عائلته، وهي تعميد حفيده الذي بلغ سن التكليف، عقاباً له على موقفه الجريء، وعلى تقريره الذي أدان "إسرائيل" واتهمها بارتكاب جرائم حرب، حيث حمل في تقريره الشهير الكيان الصهيوني مسؤولية قتل السكان المدنيين وارتكاب المجازر بحقهم أثناء العدوان على قطاع غزة.

ويبدو أن الطائفة اليهودية في جنوب إفريقيا، كما طوائف يهودية كثيرة منتشرة في العالمين الغربي والشرقي، تعتبر نفسها جزءا من الصهيونية العالمية والمشروع الاستيطاني الاستئصالي الصهيوني في فلسطين المحتلة. لذا قررت معاقبة غولدستون على خروجه عن واجب الكذب والنفاق لأجل ديمومة واستمرارية كيان الاحتلال، وتفوقه على كل جيرانه العرب، وإظهاره بمظهر المتمدن والمتحضر، فيما الصورة الهمجية والظلامية يجب أن تلصق دائماً بالعربي. ففي زمان ما بعد 11 ايلول 2000 أصبحت نفس الصورة تلصق بالإسلام والمسلمين. رغم أن هؤلاء هم الذين استضافوا اليهود التائهين في دولتهم العظيمة، وبالذات في الأندلس حيث استعاد اليهود برعاية إسلامية عربية ثقافتهم و شعائرهم الدينية وأعادوا تجميع وتجديد لغتهم.

مع تكريم القتلة وعقاب القاضي في مكانين مختلفين من العالم، فرنسا وجنوب إفريقيا، نجد أن الاحتلال مازال مستمراً في سياساته الاجتثاتية، فقد أصدر ت حكومة نتنياهو أمراً بترحيل عشرات آلاف الفلسطينيين عن أرضهم المحتلة. ويخص القرار بالذات الفلسطينيين في الضفة.

يبدو أن قلق الصهاينة تحول إلى كابوس فرعب.. لأن العامل الديمغرافي في المعركة الفاصلة في فلسطين يميل لصالح الفلسطينيين. فهؤلاء بالرغم من ضعفهم وقلة حيلتهم وتخلي إخوتهم العرب عنهم، لا بل حتى مشاركة بعضهم أن لم نقل الكثيرين منهم في التآمر عليهم، جنبا إلى جنب مع أمريكا و"إسرائيل"، عبر بناء جدار العار على حدود مصر غزة، وعبر التطبيع الشامل، وعبر التنسيق الأمني والسياسي والاقتصادي... أهل فلسطين يملكون سلاحاً استراتيجياً يوازي السلاح النووي الصهيوني.. يملكون ماكينة الولادة التي لا تتوقف، أرحاماً تخصب الحياة بالمواليد الجدد، الثوار الجدد.. يورانيوم الحياة هو سلاح فلسطين البيولوجي، سلاح طبيعي ورباني يرسم ملامح ديمغرافيا المنطقة مستقبلاً.. فالفلسطينيون يتوالدون ويتكاثرون بالرغم من كثرة أعداد الشهداء الذين يسقطون يومياً. لذا فهذا السلاح الخارق يقلق المحتلين.. ومن أجل كسره وتحطيم هذه المعادلة يرى الصهاينة أن طرد الفلسطينيين من الضفة قد يخفف قليلاً من تعدادهم في فلسطين المحتلة. وقد تكون تجربة لترحيل فلسطينيي الأرض المحتلة سنة 48 عندما تحين الفرصة للقيام بذلك، ونعتقد أنها قاب قوسين أو أكثر. إذا نجحت تجربة الضفة ومرت دونما مواجهة عربية ودولية لا بد أن "إسرائيل" ستحاول وستجرب بعدها طرد الفلسطينيين من أراضي فلسطين المحتلة منذ سنة 1948. فهذا الأمر (الترانسفير) هو الأساس في الفكر الصهيوني، تفريغ ما يعتبرونها أرض "إسرائيل" من العرب والفلسطينيين.

التعليقات