31/10/2010 - 11:02

سورية: دولة عظمى مارقة.. ولكن.. ! / علي جمالو

سورية: دولة عظمى مارقة.. ولكن.. ! / علي جمالو
من الطرائف التي يخترعها السوريون في الأزمات واحدة جديدة تقول أن أزمة دارفور سببها الوجود السوري في لبنان بحسب تلفزيون المستقبل ! .. وأن مشكلة الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك تفاقمت بسبب عدم تعاون السلطات السورية بحسب تلفزيون المستقبل أيضاً .
أما ثقب الأوزون .. ! فقد شوهد أحد عناصر الاستخبارات السورية ( المنتشرة ) فوق الأراضي اللبنانية وهو يدق أزميلاً في صحن السماء ! وقد كان صوت المطرقة مسموعاً وواضحاً في المسافة الممتدة ما بين الضاحية الجنوبية وجديدة المتن !
وعلى المقلب الثاني من العالم تضج الصحف بالروايات ( المرعبة ) عن الدور السوري في دعم الإرهاب وتهديد السلم العالمي والفتك بكل من تسول له نفسه اللعب معها !
أنها دولة عظمى هذه التي لها كل هذا التأثير .. فقد كان العراق هادئاً ومسالماً وخاضعاً للاحتلال لولا الدعم السوري للمتسللين عبر حدودها .. وكان لبنان البلد الحر السيد المستقل بجباله التي لا تطال ! خالياًَ من الأمراض الطائفية والمذهبية والاقتتال لولا ( الحرتقة ) السورية والانتشار الاستخباراتي الواسع على كامل الأراضي اللبنانية وكان حزب الله جمعية أهلية للدفاع عن البيئة لولا توجهات سورية وحكامها الذين لا شغل لهم سوى ( المؤامرة ) .
وكان الفلسطينيون استبدلوا الحجارة والملوتوف بالورود والرياحين لرمي الجندي الإسرائيلي الأعزل الذي يضطر أحياناً لقتل الأطفال والأبرياء والشيوخ والنساء .. ويضطر للتمرد على قرارات الشرعية الدولية .. ويضطر لتجريب الدبابات والجرافات فوق البيوت الطينية للفلسطينيين الإرهابيين بالمولد والانتماء والدم !
إنها دولة عظمى هذه التي لا يخلو يوم إلا ويندد بها الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ووزيرة خارجيته المكلفة بتعليم البشر فنون الديمقراطية وفوائدها في مصر والسعودية .. وسورية وسائر المشرق و وزير دفاعه المسؤول عن الدورات التدريبية لتعليم فنون الحياة الحرة الكريمة في سجن أبو غريب ومخزن غوانتنامو للحم البشري !!
قليل من الماء البارد على الرؤوس الحامية !
ماذا لو أن سورية قبلت أن تتحول إلى كيس رمل لحماية المحتل الأمريكي في العراق وفتحت أراضيها أمام جحافل القوات العسكرية الأمريكية قبل الاحتلال وخلاله و وجهت إعلامها ( المؤثر جداً !! ) لتبرير ما تقوم به الولايات المتحدة وبريطانيا وبقايا أشباه الدول في التحالف من قتل وتدمير واحتلال لدولة عضو في الأمم المتحدة وساعدت القاتل على القتيل وركبت موجة النظام الدولي الجديد .. هل كانت هذه صورتها في العالم اليوم .. أم تحولت إلى واحة للديمقراطية وعنصر أساسي للتوازن الإقليمي و ركيزة لا غنى عنها في هذا الإقليم المشتعل من كل الأطراف .
من حسن حظ سورية .. من سوء حظ سورية أنها في موقع استراتيجي لا يمكن شطبه أو القفز فوقه ، والذين يفهمون لغة الخرائط يعرفون ماذا يعني كل هذا الضغط الهائل عليها .. لو حاولنا النظر إلى خريطة العراق سنجد أن جارته الشمالية ( تركيا ) لا تستطيع لعب دور المساعد الشاطر للولايات المتحدة لأسباب كردية .. وجارته الشرقية ( إيران ) لا يسمح لها بدور أكبر لأسباب شيعية وجارته الجنوبية الكبرى ( السعودية ) لا تتدخل ولا تريد هذا الدور و لا ينظر إلى الكويت أو الأردن على أنها دول بالمعنى الكامل للكلمة فضلاً عن أن الدور المطلوب منها ينفذ فوراً ومن غير تردد .
وحدها سورية تشكل البوابة الواسعة للعراق نحو المتوسط .. مدى جغرافي مفتوح وإمكانات لا يمكن شطبها .. سورية لها علاقات مميزة مع شيوخ العشائر في العراق ( بعض هذه العشائر يقطن في البلدين ) .. علاقات مميزة زعماء الشيعة وقادة أحزابها.. علاقات مميزة ( وأن شابها بعض الفتور ) مع زعماء الكرد .. بيئة ثقافية واحدة وتداخل بشري كبير .
إذن لماذا لا توظف هذه الإمكانات في خدمة الولايات المتحدة .. لماذا لا يقبل السوريون تنفيذ رغبات واشنطن !!
هذا هو السؤال الأساسي الذي من شرفته يمكن فهم ما عصف بهذا الإقليم بدءاً من صخرة الروشة وليس نهاية بشط العرب !
هل كانت سورية ستتهم باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري لو أنها قبلت التعاون .. واستطراداً هل كانت ستتهم باغتيال الزميل الصحافي سمير قصير والقائد الشيوعي المميز جورج حاوي وهل كانت ستدفع للخروج من لبنان بهذا الشكل !!
وبعد ذلك هل كانت ستتهم بأنها وراء إثارة المشاكل في لبنان والعبث بأمنه وهل كانت فتحت نوافذ جهنم عليها من الإعلام الغربي والعربي لتشويه صورة مواطنيها قبل نظامها في واحدة من أقسى الحملات وأكثرها عنصرية في التاريخ المعاصر !
هل سورية دولة عظمى ؟ أم دولة مارقة !! السوريون في حيرة !
لا شك أن سورية ليست دولة نموذجية وفيها من المشاكل ما يكفي وأنها مثل كل دول العالم الثالث تعاني من البطالة والأمية والاقتصاد المتخلف والفساد ولكنها بلد آمن .. دمشق على سبيل المثال : ليالي صيفها حافلة وشوارعها لا تخلو من الساهرين حتى ساعات الفجر الأولى ونسبة الجريمة فيها أقل منها في باريس عاصمة النور !
وأهلها برغم كل هذا الضجيج في وسائل الإعلام لم يخزنوا ربطة خبز واحدة زيادة عن معدل الاستهلاك وبوابات حدودها مفتوحة للزائرين والسياح والعائدين إلى بلادهم من المغترب والراغبين بالاصطياف والهاربين من العنصرية وقد أصبحت ترى بالعين المجردة في شوارع بعض العواصم والمدن التي تتباهى بالدفاع عن حقوق الإنسان واللاتمييز .
سورية التي تحتل العناوين في صحف العالم على أنها تهدد السلم العالمي وتدعم الإرهاب أراضيها محتلة وهي لا تطالب سوى بتطبيق قرارات الأمم المتحدة التي أصبحت تطبق بانتقائية مفضوحة .
سورية الدولة العظمى ! المارقة بلد صغير بإمكاناته واقتصاده .. كبير بإرادة أهله الذين يميزون بين الحق والباطل ، بين الاستهداف الرخيص والمسؤولية التاريخية ، ولذلك تعمل ليل نهار لسحب ذرائع استهدافها وتكرر النداء تلو النداء للأسرة الدولية لتقوم بدورها وتوقف هذا الظلم الذي لحق بها وبشعبها .
وعلى التوازي يستمر العمل في الداخل - من غير خوف من أن ينظر إلى التغيير على أنه إملاء خارجي - يستمر العمل على قاعدة أن التغيير حاجة داخلية – وهي كذلك فعلاً – وشكل المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث المحطة الأبرز في عملية التغيير هذه .. فقد شهدت البلاد مابين السادس والتاسع من حزيران نقاشاً جريئاً وجدياً شخص جوانب الوضع الحالي سورية والسوريين لخصه الرئيس بشار الأسد بقوله ( إن هذا المؤتمر شكل قفزة نوعية ) واستناداً إلى جوهر المداولات التي طرحت في المؤتمر فإن ماعناه الرئيس الأسد يعكس رغبة وإرادة في رؤية الحزب وقد نفض عنه غبار الكسل داخل غرف السلطة و زواريبها وعاد إلى دوره كمدرسة سياسية تضبط دقات قلبها على نبض الشارع وقد كانت طليعته .. وإلا فما معنى أن يقود المؤتمر بحواراته الصريحة الدفع والمطالبة لإعادة النظر بقانون الطوارئ وبإصدار قانون جديد ينظم الحياة الحزبية وقانون آخر يضمن حرية الصحافة وبوضع آليات صارمة لمحاربة الفساد وبإيجاد المناخ الملائم لحوار وطني يشارك فيه الجميع عدا أولئك الذين لا يعرفون معنى كلمة " مشاركة " ويقيمون الحد على من يخالفهم الرأي باعتبارهم أوصياء على تنفيذ تعاليم القرآن على طريقتهم وما معنى أن يطالب المؤتمر بقانون عصري للانتخابات في مجلس الشعب والإدارة المحلية وما معنى أن يطالب المؤتمرون بحل المسائل الوطنية المعلقة كالتي تعاني منها الجزيرة السورية .
ولكي لا تكون هذه التوجهات مجرد عناوين رفعت مرة وضعت على الرفوف وجه الرئيس بشار الأسد القيادة الجديدة لوضع جدول زمني واضح لتنفيذ كل توصية وأعتقد أن هذه القيادة ستواجه اللجنة المركزية أو المؤتمر المحتمل انعقاده عندما تقتضي الضرورة للإجابة على السؤال الأساسي : ماذا أنجزتم من هذه التوصيات ، وسيكون تنفيذه هذه التوجهات امتحان مفتوح لهذه القيادة الجديدة تحاسب على أساسه وتكتسب شرعية وجودها من خلال ما تنجزه من غير تردد أو كسل !!
سورية .. دولة عظمى .. دولة مارقة .. لكن ليس لها مثيل
صدرها واسع وقلبها كبير وهي تنتظر الأيام القادمة عند المنعطف .. وهي بالتأكيد كما يقول نيرودا .. أجمل.

التعليقات