31/10/2010 - 11:02

سيناريو فاشل../ فيصل جلول

سيناريو فاشل../ فيصل جلول
يرفع قادة غربيون و”إسرائيليون” منذ بعض الوقت عنواناً جديداً لسياسة مختلفة تجاه سوريا، بالحديث عن “إبعاد دمشق عن طهران”، ويرسمون ما يشبه خارطة حوافز للوصول إلى هذا الهدف من ملامحها تطبيع العلاقات السورية - الغربية والتفاوض حول الجولان مقابل دور سوري “إيجابي” في لبنان والعراق وفلسطين.

ويعتقد هؤلاء أن الفصل بين الطرفين يمكن ان يؤدي إلى اضعاف إيران بل حرمانها من ورقة الضغط الأبرز في فلسطين والصراع مع “إسرائيل”، ذلك أن المساعدات الإيرانية للمقاومة في لبنان وفلسطين تصل عبر البوابة السورية.

وفي السياق يمكن العودة إلى المثلث السوري - المصري - السعودي الذي كان خلال سنوات طويلة يقرر شؤون العالم العربي. هكذا تربح سوريا الجولان والاندماج الطبيعي والمفيد في الفضاء الغربي وتخسر إيران بوابتها الوحيدة إلى الصراع العربي - “الإسرائيلي” ويخسر حلفاؤها في المقاومة ويربح أصدقاء الغرب العرب ويصبح الكيان الصهيوني محاطاً ببيئة شرق أوسطية أكثر أمناً واطمئناناً.

تبدو هذه الخريطة الافتراضية مغرية للوهلة الأولى، بيد أن نظرة متعمقة في جوهرها تبين أنها ليست جديدة. فقد سبق لإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش بعد فشلها في اسقاط النظام السوري أن رفعت مطلب “تغيير سلوك” هذا النظام، أي حمله على انتهاج سياسة متناسبة مع حاجات الولايات المتحدة والغرب عموماً في فلسطين والعراق ولبنان، وبالتالي الخروج من الشراكة الاستراتيجية مع إيران. وللعلم فإن المفاوضات السورية “الإسرائيلية” غير المباشرة عبر الوسيط التركي تمت في عهد بوش الابن فضلاً عن اشتراك سوريا الخجول في مؤتمر “أنابولس” الفاشل.

وإذا كانت المقارنة بين مطلب “تغيير سلوك” النظام السوري و”إبعاده” عن إيران تفضي إلى نتيجة واحدة، فإن الموقف السوري الممانع في مواجهة المطلب الأول لن يختلف عن الموقف السوري من المطلب الثاني وذلك للأسباب الآتية:

أولاً: لأن سوريا تدرك أن خروجها منفردة من استراتيجية المقاومة والممانعة في الصراع على الشرق الأوسط لا ينطوي على فوائد استراتيجية عالية الشأن، وسيكون خروجاً على الطريقة المصرية إثر اتفاقات “كامب ديفيد” في أفضل الحسابات، وعلى الطريقة الأردنية بعد “وادي عربة” في أسوأ الاحتمالات، وفي الحالتين لا يغري هذا الخروج القيادة السورية التي راهنت طويلاً على مخارج مختلفة وعلى دور مختلف، واستثمرت طويلاً في هذا الاتجاه، وبالتالي من الصعب عليها أن ترضى بفوائد ضئيلة كانت متاحة لها بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام ،1974 أي قبل الثورة الإسلامية في إيران.

ثانياً: لأن “إسرائيل” لا تريد التخلي عن هضبة الجولان إلا عبر إخراج سوريا أبدياً من الصراع وضمان مباركتها لتصفية قضايا الصراع النهائية أي التوطين والدولة اليهودية الخالصة والقدس، الخ.

ثالثاً: لأن الولايات المتحدة الأمريكية تريد حارساً سورياً للحدود العراقية وليس شريكاً في إعادة بناء العراق وتمتين وحدته الوطنية.

رابعاً: لأن الولايات المتحدة والغرب عموماً تريد حارساً سورياً عن بعد للحدود اللبنانية “الإسرائيلية” وتمثلاً سورياً بما يسمى “الديمقراطية اللبنانية”.

خامساً: لأن قبول سوريا بالشروط الأمريكية الغربية “الإسرائيلية” للخروج من الصراع ينطوي على خطر حقيقي على النظام السوري، فهو سيتعرض من بعد لهجوم “ديمقراطي داخلي” على الطريقة الغربية، بحيث تكون السلطة موضع احتراب عبر صناديق الاقتراع ووصايات ومبعوثين غربيين لدى كل استحقاق انتخابي، كما يحصل في لبنان وموريتانيا، هذا إذا أردنا استبعاد المثال الصومالي، حيث انتهت الدولة تماماً وعم الخراب في معرض الحديث عن الديمقراطية ومناهضة ديكتاتورية “سياد بري” المزعومة.

سادساً: لأن سوريا حصلت على أسباب القوة في هذا الموقع التفاوضي مع الغرب و”إسرائيل” من خلال شراكتها الاستراتيجية مع إيران، وبالتالي من الصعب أن تغويها نتائج لا تتناسب مع أسباب قوتها.

سابعاً: لأن ابتعاد دمشق عن طهران لا يعطي سوريا موقعاً مفضلاً في المثلث المصري- السعودي- السوري، فهي كانت طرفاً في هذا المثلث، لأنها بالضبط تحتفظ بعلاقة مميزة مع طهران تتيح لها التوسط في القضايا الخلافية العربية - الإيرانية.

يسمح ما سبق بالقول إن الحديث عن إبعاد سوريا عن إيران هو استمرار لحديث “تغيير سلوك” النظام السوري ولكن بلهجة لطيفة وبلا إملاءات سافرة، في حين ما زالت دمشق متمسكة برهانها التقليدي القاضي بحل الصراع العربي - “الإسرائيلي” واستعادة الجولان بشروط لا تتدنى عن سقف مبادرة السلام العربية ولا تمنح “إسرائيل” دوراً مقرراً في شؤون العالم العربي ولا تدفع العرب نحو نزاع مع إيران.
"الخليج"

التعليقات