31/10/2010 - 11:02

طبول الحرب../ إلياس خوري

طبول الحرب../ إلياس خوري
مسلسل الأخطاء الامريكية لا ينتهي. الانتصار المدّوي في الحرب الباردة، برم الرؤوس، وجعل القدرة على التحليل العقلاني مستحيلة. لذا تصرفت الادارة الجمهورية كالزعران، وجاء 11 ايلول (سبتمبر) ليعطي الزعرنة كل مبرراتها. يخطئ من يعتقد ان الحمق الامريكي بدأ بسبب احداث الحادي عشر من ايلول- سبتمبر، فالمسألة بدأت في مكانين، قبل هذا التاريخ: المكان الأول في فلسطين، فبعد رواج الكذبة عن رفض عرفات للسلام في كامب دايفيد، (وهي كذبة بددها روبرت مالي احد اعضاء فريق المفاوضين الامريكيين في المنتجع الرئاسي)، جرى تبني الموقف الشاروني الاجرامي في شكل كامل، وقام الجيش الاسرائيلي بتدمير السلطة الفلسطينية وحصار رئيسها، مما يعني ان فلسطين سوف تبقى نقطة توتر كبرى في الشرق الأوسط، وان تداعيات هذا التوتر سوف تكون بلا حدود.

المكان الثاني في روسيا، حيث راهن الامريكيون على رئيس روسي تميز بالسذاجة والضعف، من اجل فرض حصار خانق على روسيا. مضى يلتسين وخلفه بوتين، ابن المدرسة الاستخبارية السوفياتية، لكن الولايات المتحدة لم تحدث اي تعديل في سياستها، بل ازداد الحصار شراسة، وصولا الى قرار نشر الصواريخ الاستراتيجية في اوكرانيا. وعندما انتفض الدب الروسي في جيورجيا، اصيب الامريكيون وحلفاؤهم الجورجيون بالاحباط، كأنهم كانوا يتوقعون من روسيا، ان تستسلم من دون حرب.

لعل جذر التلبك الامريكي، يقع في افتراض ان التاريخ وصل الى ذروته مع نهاية الحرب الباردة، وما عليهم سوى اللعب في الهامش الدموي، في العراق وافغانستان، لأن هذا الهامش غير مكلف، ويمكن ان يحقق لهم انتصارات وهمية، سامحا لرئيس ارعن، هرب من حرب فيتنام، ان يلبس بزة عسكرية، ويهبط بمروحيته على احدى حاملات الطائرات، معلنا النصر النهائي.

وكان النصر وهما، اذ لا تعترف الحياة بالنهاية والديمومة. لكن النزق الامريكي، عجّل في كشف هشاشة الثبات. فزمن الامبراطورية الواحدة التي تتحكم بالعالم بأسره ولّى مع افول روما. والشعور بأن الولايات المتحدة تستطيع ان ترث روما، معلنة سلامها المفروض بقوة المدفع، لم يكن سوى وهم شكّل مقدمة للوهن.

يعود العالم الى واقع متعدد القطب، خصوصا مع بروزالمارد الاقتصادي الصيني، الذي يجتاح القارة الافريقية بصمت، ومع الصعود العسكري الروسي الذي بدأت تباشيره تلوح في الأفق.

لم يصدّق احد امريكا سوى الأنظمة العربية، حتى اوروبا، التي قادت من خلال فرنسا المعارضة الدولية لغزو العراق، لم تصدق شريكها الأطلسي، وحده النظام العربي سقط في خدعة القوة الامريكية التي لا تقاوم. وهذا ليس بسبب عجز العرب عن التفكير العقلاني، بل بسبب تعفن النظام العربي، ودخوله في سبات الخوف الناجم عن تخشبه التقليدي والديكتاتوري. الاستسلام لمنطق القوة قاد الى فقدان المبادرة خلال غزو العراق وبعده، والى تحول مشروع السلام العربي اضحوكة، ردت عليها اسرائيل بقتل ياسر عرفات. وبدل ان يتعظ الفلسطينيون بعد المصير التراجيدي الذي لاقاه قائدهم، قسموا ارثه الى نصفين، نصف لسلام لن يأتي، ونصف لمقاومة بلا مشروع سياسي محدد. وكان ان خيّم وهم سلطة تقوم تحت الاحتلال على الجانبين، الضفة الغربية من جهة وغزة من جهة ثانية، كأن هذا الواقع البائس لفكرة فلسطين، يلخص اليوم واقع العرب، وخروجهم من دائرة العلاقة بمصيرهم، التي تسعى ايران وتركيا الى احتلالها.

قد يكون العزاء الوحيد للعرب في محنتهم الراهنة، هو ان اسرائيل سقطت في الفخ نفسه. فلقد صدّق الاسرائيليون وهم القوة، وخاضوا حرب تموز- يوليو 2006، بصلف وعنجهية واستخفاف بالآخر. اعتقدوا انهم يستطيعون تكرار تجربة القصف الجوي في كوسوفو، مما قادهم الى السقوط في هزيمة مدوّية.

غير ان الخطر اليوم هو ان نستخف باسرائيل ولؤمها واستعداداتها للثأر. فالجيش الاسرائيلي مضطر كي يحافظ على تماسك المجتمع الى الثأر بطريقة ما. الأزمة السياسية الاسرائيلية، وفقدان القيادة، والاستعداد لانتخاب بديل لاولمرت، قد تؤخر المسألة، لكن يجب اخذ الاستعدادات الاسرائيلية بالجدية اللازمة، كي تكون محاولة الثأر درسا بأن زمن القوة الاسرائيلية المطلقة قد انقضى.
نهاية حقبة القطب الأحادي، التي اعلنتها الدبابات الروسية في جيورجيا، قد تكون طويلة، وقد تتخللها مواجهات عنيفة، من المرجح ان يكون الشرق الاوسط ساحتها الرئيسية. هنا يقع خطر ان يعتقد النظام العربي ان الولايات المتحدة وحليفها الاسرائيلي قادران على حسم الصراع عسكريا. فالذي فشل في العراق لن ينجح في ايران، والذي انكشف عجزه في افغانستان، لن يسترد وهج قوته في المشرق العربي.

طبول الحرب تقرع، والى جانبها يلوح سلام يقال انه يعد في الخفاء بين سورية واسرائيل. لكن لا الحرب ولا سلام الخفاء السري الذي شاهدنا نماذجه طوال مرحلة الاقتسام الوظيفي للبنان خلال اعوام الحرب الأهلية، يمكن ان يطوي صفحة الصراع.

الصراع له عنوان رئيسي اسمه القضية الفلسطينية، ويا ليت يتذكر القادة الفلسطينيون هذه الحقيقة التي دفع الشعب الفلسطيني ثمنها دما وعذابا، كي لا تبقى فلسطين ورقة مساومة لا يستطيع احد المساومة عليها.
"القدس العربي"

التعليقات