31/10/2010 - 11:02

عرفات قُتل في رام الله و...كانتون دايتون تأسس في بيت لحم!../ زهير اندراوس

عرفات قُتل في رام الله و...كانتون دايتون تأسس في بيت لحم!../ زهير اندراوس
وكأنّ الشعب العربي الفلسطيني بحاجة إلى انقسامات أخرى، فلا يكفينا ما حلّ بنا نتيجة الخلاف بين حركتي فتح وحماس، عندما حُطمت المقدسات، وبات الفلسطيني يُوّجه السلاح ضد أخيه، وسال الدم الطاهر في قطاع غزة خلال المواجهات بين مقاتلي حماس فتح.

عامان، نعم عامان، مضيا على الحسم العسكري في قطاع غزة، وسيطرة حركة حماس على مقاليد السلطة في هذه المنطقة من فلسطين، وبات من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، رأب الصدع بين الحركتين المتنازعتين، وتوحيد شطري هذا الوطن، الضفة الغربية المحتلة مع قطاع غزة، وكأننّا، ومرّة أخرى، وكأننّا حررنا فلسطين وأقمنا الدولة المستقلة العلمانية والديمقراطية.

وفجأة، هكذا بدون سابق إنذار: قام رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، السيد فاروق القدومي (أبو لطف)، وهو من الرعيل الأول والمؤسس لحركة فتح بتفجير قنبلة من العيار الثقيل عندما اتهم بصورة مباشرة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عبّاس، ومحمد دحلان، الذي لا يمكن في هذا الحيّز الضيق، إحصاء الألقاب والمناصب التي حملها أو يحملها، وبالتالي نقول إنّه من أقطاب حركة فتح.. اتهمهما بالتآمر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرئيل شارون، لقتل الرئيس الفلسطيني الراحل، الشهيد ياسر عرفات.

وعلى الرغم من أيماننا القاطع بأنّ السيد القدومي هو إنسان مخلص لقضيته ولشعبه، ولم يتنازل قيد أنملة عن الثوابت الفلسطينية، ورفض اتفاق أوسلو المأساوي أو حتى النكبوي، وفضّل العيش في المنافي من أن يعود إلى فلسطين بتصريح من الاحتلال، على الرغم من كل هذه العوامل التي تُحسب لصالحه وليس لطالحه، نعتقد أنّه كان يتحتم عليه أن يزيل القناع الزائف عن عدد من أقطاب سلطة رام الله مباشرةً بعد حصوله على محضر الجلسة، وعدم الانتظار، لأنّ سكوته على هذه القضية لمدة خمسة أعوام، منح العديد من الانتهازيين المهنيين في الساحة الفلسطينية الفرصة لكيل الاتهامات له.

ومع ذلك، نقول: إنّ هذه الأمور لا تمنح كائناً من كان، أن يحاول صرف الأنظار عن أقواله الخطيرة جداً، والتشبث بمسألة التوقيت، واتهامه بأنّه يريد "تخريب" مؤتمر فتح السادس، الذي سيُعقد الشهر القادم في مدينة بيت لحم، تحت سمع وبصر الاحتلال الإسرائيلي، فمؤتمر فتح السادس يمكن تأجيله إلى موعد آخر، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ المؤتمر الخامس، أي الذي سبقه، عقد قبل أكثر من عشرين عاماً.

مضافاً إلى ما ذُكر أعلاه، نقول إنّ الكذب هو من أبشع الصفات التي يُمكن للإنسان أن "يتحلى" بها، ولكن أنصاف الحقائق، أخطر بكثير من الكذب، لأنّها تترك أمام صاحبها، العديد من الفرص للتحايل والتخلص والتملص من الاتهامات، وعليه، يجب طرح السؤال المركزي والمهم في هذه القضية: لماذا أقام أقطاب حركة فتح، جناح عبّاس-دحلان، الدنيا ولم يقعدوها، بعد تصريح القدومي؟ وهل التمسك بمسألة التوقيت، تعفيهم من المسؤولية أمام شعبهم وأمام التاريخ والله؟ لماذا نعالج الخطأ، هذا إذا كان تصرف القدومي خطأً، بارتكاب المزيد من الأخطاء؟ فإذا كان القدومي، كما يزعمون في حركة فتح أو بالأحرى ما تبقى منها، قد افترى على السيدين الفاضلين عبّاس ودحلان، فأضعف الإيمان أن يقوموا بتكذيبه ومقاضاته بالأدلة والبينّات.

علاوة على ذلك، لا يُعقل أن يوافق الشعب الفلسطيني، قيادةً وشعباً، على السكوت. هذا الشعب الذي نعته الراحل عرفات بشعب الجبارين، مُلزم بأن يبحث عن المسؤولين عن الذين قاموا باغتيال أبو عمّار في عقر داره، والشيء بالشيء يُذكر: الشهيد وديع حداد، من أقطاب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، انتقل إلى جوار ربه في ألمانيا الشرقية سابقاً متأثراً بمرض عضال أصابه، هكذا على الأقّل، كان الاعتقاد السائد، حتى جاء أحد كبار رجال الموساد الإسرائيلي (الاستخبارات الخارجية) وكشف النقاب عن أنّ جهاز الموساد قام باغتياله بعد أن أدخل السم في الشوكولاطة السويسرية التي كان يحبها.

وبغض النظر فيما إذا كانت الرواية الإسرائيلية هي من نسيج بنات خيال الموساد في إطار الحرب النفسية والحروب الأخرى التي يخوضها هذا الجهاز، ضد الناطقين بالضاد، فإنّ الكشف عن ظروف اغتيال الشهيد حداد يجب أن تثير لدينا المشاعر بأنّ وراء الأكمة ما وراءها، لأنّ العديد من مناضلي هذا الشعب استشهدوا في ظروف ما زالت حتى هذه اللحظات طي الكتمان. وكي ننتقل من الروايات المختلفة، التي قد نصدقها أو نكذبها، إلى الحقائق الدامغة، لا بدّ في هذه العجاّلة أن نعيد إلى الأذهان محاولة الاغتيال الفاشلة التي نفّذها الموساد الإسرائيلي ضدّ السيد خالد مشعل، رئيس الدائرة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 1997 في العاصمة الأردنية، عمّان، ومن المفارقات العجيبة إنّ كشف القدومي جاء أيضاً من عمّان.

على أيّة حال، يمكننا أن نجزم قطعاً أنّ القنبلة التي كشف عنها السيد القدومي، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، بمعنى أكثر وضوحاً: حركة فتح التاريخية، أو تحديداً ما تبقى منها، والتي أطلقت رصاصة الثورة الأولى، أنهت عملياً دورها التاريخي في مسيرة التحرر الوطني الفلسطيني، هذا إذا كان ما زال التحرر قائماً والوطنية ما زال حيّة، وفلسطين ما زالت نابضةً.

ليس هذا فحسب، فحتى اليوم حاول ديناصورات حركة فتح المحافظة على ما يمكن تسميته بالموافقة على الخطوط العريضة بينهم وإخفاء الخلافات بينهم، وكأنّ الشعب صدّقهم، ولكنّ قنبلة أبو لطف، غيّرت جميع المعادلات وقلبت كل الموازين، وأدخلت حركة فتح إلى مأزق، لا نعتقد أنّها قادرة في ظروفها الحالية أن تخرج منه، ولا يمكنها بعد اليوم أن تستعيد دورها، الذي كان مميزاً على مدار عقود من الزمن. فلا يمكن لحركة تزعم أنّها حركة تحرر وطني أن تُسقط خيار المقاومة وتتحالف مع المحتل، وأكثر من ذلك، لا نتجنى على أحد إذا قلنا بصوتٍ عالٍ وبفمٍ مليء إنّ مؤتمر الحركة التي سيُعقد في بيت لحم سيؤسس حركة فتح جديدة، حركة مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالاحتلال الإسرائيلي وبالمشاريع الأمريكية والأوروبية، هذه المشاريع التي تهدف أولاً وأخيراً إلى القضاء على ما تبقى من ثوابت الشعب الفلسطيني، بكلمات أكثر وضوحاً: يمكن الإعلان الآن، الآن، وليس غداً، أنّه في بيت لحم، تمّ تأسيس حزب السلطة، على نسق أحزاب السلطة في الوطن العربي.

لقد بلغ السيل الزبى، وآن الأوان أن يتم الكشف عن جميع المؤامرات التي حيكت ضد الشعب الفلسطيني من قبل أشخاص قرروا الارتباط مع المشروع الأمريكي والإسرائيلي، وآن الأوان للكف عن شراء الذمم، والتعامل العلني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وبين قوات الاحتلال الإسرائيلية لقمع المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، هذا التعاون الذي يشرف عليه الجنرال الأمريكي، كيث دايتون.

وبما أنّ الشعب الفلسطيني هو شعب يؤمن بالتعددية ويمارسها على أرض الواقع، فعليه أن يعمل على تأسيس تيار جديد، يكون القائد لهذا الشعب، فمع كل الاحترام لحركة حماس، التي تمكنت في الـ15 سنة الماضية من التحول إلى حركة ندية لحركة فتح، فإنّ هناك قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، التي لا تريد أن تكون حماساً، أي أنّها ما زالت مصرة على انتهاج الخط الوطني والقومي والعلماني من أجل تحرير الأرض والإنسان.

خلاصة الكلام: القنبلة انفجرت، وبغض النظر إذا كانت صحيحة أم لا، فإنّ تداعياتها ستكون كبيرة على الشعب الفلسطيني، فتح التاريخية تكاد تصبح في خبر كان، أما فتح التي ستؤسس في بيت لحم ستكون جريرة لأمريكا ولإسرائيل لتمرير المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية، وعليه فعلى الشرفاء في حركة فتح تقع مسؤوليات كبيرة ويجب أن يكون لهم دور وموقف، وتحرير فلسطين، ليس حكراً على هذه الحركة أو تلك، وفلسطين هي ملك لجميع أبناء الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجدهم، وليس لقلة قليلة من المنتفعين، الذين حوّلوا هذا الشعب، إلى شعب يعيش على أموال الدول المانحة، أو بالعربي الفصيح: حوّلوا الشعب الفلسطيني من شعب الجبارين إلى شعب المتسّولين.

التعليقات