31/10/2010 - 11:02

عصا التسليح الأميركي وجزرة مؤتمر الخريف!../ ماجد الشيخ*

عصا التسليح الأميركي وجزرة مؤتمر الخريف!../ ماجد الشيخ*
قبل عام من الآن كانت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس تدعو الى إقامة شرق أوسط جديد، وذلك على وقع الحرب الاسرائيلية الثانية في لبنان. وها هي في الذكرى الاولى لتلك الحرب، وفي رفقة وحضور وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس، وفي جولتهما «التموزية» في دول المنطقة، وإذ دعَوَا عبر ما روّجا له الى إقامة نظام إقليمي تندمج فيه إسرائيل بدول المنطقة، فقد بدا من ضمن مهامهما الدولتية الرسمية الترويج لخطط عسكرية - سياسية لتقديم مساعدات عسكرية ضخمة للحليف الاستراتيجي المميز (إسرائيل) ولمجموعة دول حليفة في بعض المجالات، وإبرام صفقات تسلح بعشرات المليارات من الدولارات، حددت رايس هدفها بمواجهة إيران وسوريا وحزب الله وتنظيم القاعدة. وهي المرة الاولى التي تضع الادارة الاميركية أولئك الأعداء جميعهم في سلة واحدة، مع تبلور دعوات أميركية الى انعقاد مؤتمر أو لقاء أو اجتماع إقليمي - دولي، بهدف الوصول الى تسوية تصفوية للقضية الوطنية الفلسطينية في ظل انقسام فلسطيني عميق؛ تسوية توفر لإسرائيل مخرجاً - ولو مؤقتاً - من أزمة حكومتها على خلفية تقرير لجنة فينوغراد بشأن الإخفاقات المريعة في حرب لبنان الثانية.

بدا يومها، كما يبدو الآن، أنه كلما انحشرت الادارة الاميركية على خلفية تضييق «الورطة العراقية» خناقها على عنق القوات الاميركية في العراق، أرسلت جنرالها الدبلوماسي في محاولة لإعادة تنظيم صفوف جبهة حلفائها ودفعهم للاصطفاف اكثر الى جانبها، في مواجهة حلف من تسمّيهم المتطرفين الذين أضيف إليهم أخيراً تنظيم القاعدة، في خطوة أضحت واشنطن تماهي فيها بين الارهاب والتطرف السياسي والديني، الى جانب كل من يرفض سياسات الهيمنة الاميركية وقطبيتها الأحادية التي لا ترى في خريطة العالم سوى خنادق متواجهة.

وإذا كانت الاستراتيجية الاميركية في نهاية عهد بوش تسعى الى أن تترك بصمات لها في خريطة المنطقة، فإنها بذلك تسعى الى دمج اسرائيل بنظام إقليمي، تنوي واشنطن إقامته، عبر تقسيم العرب الى فئتين متعاديتين تنسب الى إحداهما الاعتدال والى الأخرى التطرف، فيما هي تسعى الى جمع المعتدلين في اطار واحد من أجل مواجهة إيران والقاعدة وكل من يعارض هيمنتها الدولية.

علاوة على ذلك تشتمل الاستراتيجية الجديدة نشر مزيد من منظومات الاسلحة الاميركية في المنطقة، وقد جاء الاعلان عن صفقات الاسلحة ليتزامن مع سعي أميركي جاد هذه المرة، لإنشاء «حلف الاعتدال العربي»، ومحاولة إقناعه بالخطر الإيراني على حساب تغييب الخطر الاسرائيلي، وإعلان الرئيس بوش دعوته الى مؤتمر الخريف، ليوحي بإمكان دفع إسرائيل الى تقديم تنازلات للجانب الفلسطيني الذي يشهد عمق انقساماته السياسية والجغرافية، وكذا كإيحاء يستهدف تسهيل مهمة إقامة ذلك التحالف، كما تستهدف واشنطن من وراء صفقات الاسلحة الكبرى تلك؛ إعادة تدوير عائدات النفط عبر توظيفات استثمارية كبرى، في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك محاولة تسويق «إيران النووية» مبرراً لصفقات التسلح تلك.

إن تغييب النظام العربي كقوة إقليمية مجسّداً في الجامعة العربية، وغياب فعالية الإلزام لقراراتها والالتزام بعقد إنشائها، يشجّع الآن على إقامة علاقات تطبيع مع إسرائيل، وينجح في إدخال بعض الانظمة العربية حظيرة المواقف المعادية التي تصطف الى جانب التحالف الاستراتيجي الاميركي - الاسرائيلي والاستجابة لضغوطه، وخصوصاً لجهة التعاطي مع الدول الاخرى في العالم مثل إيران كنظام عدو ومع إسرائيل ككيان صديق.

وانسجاماً مع تلك السياسة الاستراتيجية الجديدة وتساوقاً معها، وفي منتصف آب الماضي وأثناء زيارته الاراضي الفلسطينية المحتلة، وقع نائب وزيرة الخارجية الاميركية نيكولاس بيرنز مع المسؤولين الاسرائيليين، مذكرة التفاهم التي تتعلق بالـ30 بليون دولار الجديدة التي أقرت كمساعدات عسكرية تستمر عشر سنوات، في أعقاب مباحثات اهتمت بمناقشة مسألة «الامن الاقليمي بما في ذلك التحدي الذي تطرحه إيران».

وقد نقل عن أولمرت قوله في أعقاب التوقيع على هذا التفاهم إنه «بمعزل عن الزيادة في المساعدات، فقد تلقينا التزاماً واضحاً ومفصلاً بضمان التفوق النوعي لإسرائيل على الدول العربية». فإلى أي حد يمكن لصفقة كهذه أن تغيّر في التوازن الاستراتيجي، وبما يحد من التدخل الايراني في المنطقة سواء في العراق او في كل من فلسطين ولبنان؟ والى أي مدى يمكن لهذه المذكرة ولمضمونها أن تشكل استثماراً فعلياً وعملياً في عملية التسوية السياسية؟

في كل الاحوال فإن الاسباب الحقيقية لصفقات التسلح، تتعدى الاسباب المعلنة، مثل إعادة ربط بعض الانظمة المحورية والاقليمية المؤثرة بالاستراتيجية الاميركية، للتأثير على مواقف حكوماتها مما يجري في المنطقة، ووقف سياسة التحالفات التي يمكن ان تناوئ الولايات المتحدة، وصولاً الى تعزيز الاقتصاد الاميركي. إلا أن الرأي الراجح لدى المنتقدين للسياسة الاميركية يصل الى حد القول إن الصفقة تحاول إنقاذ الاقتصاد الاميركي عبر الحد من ديونه الفدرالية، علاوة على أنه لا سياسة واضحة لدى ادارة من بقي من المحافظين الجدد في أعقاب تقديم كارل روف استقالته، وهو أحد صانعي سياسة إدارة بوش الرئيسيين بعد ديك تشيني.

ما تقرره ادارة بوش هذه الايام سواء عبر تصريحات الرئيس او وزيرة خارجيته بشأن السياسات الاستراتيجية في المنطقة والعالم، يستعيد سيرة فترات التشدد الجمهوري ايام ادارة رونالد ريغان في نهاية ايام حكمه، حيث الكرم الحاتمي المتنزل على اسرائيل، بالاعلان عن فتح مخازن الاسلحة لا امام اسرائيل فحسب، بل وأمام بعض حلفاء واشنطن من العرب، لكسب المزيد من ولاءاتهم، والحصول على المزيد من فوائض النفط وتجييرها لمصلحة الاقتصاد الاميركي عبر تدويرها الاستثماري الممنهج، وتعزيز الروابط الاميركية في كل المجالات، ودعم التدفقات المالية من تلك الدول الى الولايات المتحدة التي يزيد حجمها على 70 مليار دولار.

ولا شك في أن المساعدات العسكرية وإن سعت لطمأنة الحلفاء، فإنها بالمقابل تستهدف الحد من قدرة الخصوم لإنهاكهم وإرهاقهم اقتصادياً، في محاولة لشلهم وربما لإسقاطهم سياسياً، وهذا ما تضمره على الاقل «الحرب الباردة» التي تشنها واشنطن تسليحياً في المنطقة ضد إيران وسوريا، وذلك رداً على الدور الايراني في العراق والبرنامج النووي وصفقات التسلح الروسي - الايراني، والايراني - السوري، والدعم الذي تقدمه طهران عبر سوريا الى كل من حزب الله في لبنان وحركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي» في فلسطين. هذا فيما يستمر التحالف الاستراتيجي الاميركي - الاسرائيلي في «تقوية مناعاته» عبر إشاعة روح «الخندقة الاعتدالية» ضد «التخندق المتطرف» في الجهة المقابلة.

وإذ لا تكمن الأهمية الاستراتيجية في صفقات التسلح الجديدة او القديمة في حد ذاتها كعملية تجارية او تنفيعية او تصنيعية.. الخ في الاسباب، وإنما في الروابط التي تقيمها في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، فإن واشنطن تريد منحها تسهيلات دائمة لقواتها في البلدان المنوي تسليحها.

وعلى خلفية «الورطة العراقية» هناك فوضى وارتباك واضحان داخل الادارة الاميركية ازاء المنطقة، تعزيزاً لسلطات استبدادية، واستجابة لعوامل الاستقرار التي تنشدها الادارة الاميركية، ولو على حساب عوامل الديموقراطية وحقوق الانسان، ما يعيد تظهير وتأكيد سياسة الامن القومي الاميركي كسياسة أنانية، لا تروم سوى مصالحها ومصالحها فقط، فخمس سنوات من حكم الرئيس بوش الابن، كما سنوات حكم الجمهوريين من قبل بشكل عام، كانت بمثابة السنوات العجاف التي شهدتها المنطقة من التخبط والفوضى غير البناءة، حيث لم تساهم في الاستقرار، بل هزّته هزات عنيفة. ولم تساهم في تحقيق اصلاحات مقبولة من الشعوب وقواها السياسية والاجتماعية ومجتمعاتها المدنية، حيثما وجدت.

التناقض يطال المواقف المتباينة والملتبسة بين أطراف التحالف الدولي في العراق على الاقل، الامر الذي بات يخشى معه من عقد صفقة أو صفقات اميركية - مع مجموعة من الاطراف المتباينة، في ظل الحاجة الماسة الى دعم المصالحة الوطنية هناك على اسس متينة، كفيلة بالحد من التدخلات الاقليمية المضرة، وبما يدعم فرص فرض حلول وطنية في عراق يغرق في بحر من التقاسم الطائفي والعرقي والمذهبي، تحت ظلال الاحتلال، العامل على تكريس انقسام وتقاسم الشعب العراقي، حصصاً طائفية ومذهبية وعرقية، ومحاولات السيطرة على الثروة النفطية، عبر إعطاء الشركات الاجنبية نصف الانتاج النفطي، وإن بيع لها فبنصف الاسعار التي يباع بها للأطراف الاخرى.

لهذا تشكل دعوة «مؤتمر الخريف» الجزرة التي ترمى للأطراف العربية، من أجل دفعها للتعاون مع واشنطن في العراق، وما عدا ذلك فهو من باب المناورات والعلاقات العامة التي لن تستطيع ادارة الرئيس بوش أن تجبر بها إسرائيل على تقديم تنازلات للجانب الفلسطيني، في ظل هذا الانقسام السياسي والجغرافي الذي لن يتيح سوى تسوية تصفوية للقضية الوطنية، لن تكون مقبولة من جانب الطرف الأكثر سعياً باتجاه التسوية السياسية، فكيف بالاطراف الاخرى الرافضة أو الناقدة لمسيرة أوسلو وأشكال التسوية الراهنة، خاصة ونحن نشهد حلقة جادة حقاً من حلقات تضخيم الخطر الايراني لمصلحة التقليل من الخطر الاسرائيلي.

التعليقات