31/10/2010 - 11:02

عقاب وليس عتابا../ د.جمال زحالقة

عقاب وليس عتابا../ د.جمال زحالقة
تعودت إسرائيل أن تفلت من العقاب على الجرائم التي ترتكبها أيام السلم وأيام الحرب، واعتادت على التملص من الإدانات والتقارير الدولية حول جرائمها.

هذا الوضع بدأ يتغير، لكنه لم يصل بعد إلى درجة أن تدفع الدولة العبرية ثمناً ملموساً على جرائمها وأن تلقى هي وقياداتها العقاب الذي يستحقون على جرائمهم الموثقة والواضحة والمفضوحة والمثبتة بلا ريب.

تدل العزلة الدولية النسبية التي تتعرض لها الدولة العبرية، على أن معادلة „الجريمة والعتاب”، التي اعتمدها العالم، بما فيه العالم العربي، على مدى عقود، قد تغيرت، لكنها لم تصل بعد إلى إيفاء العدالة حقها وفق معادلة „الجريمة والعقاب”.

إسرائيل تواجه اليوم أكثر من عتاب وأقل من عقاب على جرائمها، ويجن جنونها حتى على هذا التسامح الدولي، لأنها اعتادت التملص والتخلص بسهولة مذهلة، لا يوازيها سوى التعود على الصمت والعجز العربيين.

في محاولة للإفلات من تبعات تقرير غولدستون، أرسلت إسرائيل ردها على التقرير وسلمته لبان كي مون، السكرتير العام للأمم المتحدة. يهدف الرد الإسرائيلي إلى تفادي تحويل التقرير من الجمعية العمومية للأمم المتحدة إلى المحكمة الدولية في لاهاي، بكل ما يعنيه ذلك من وضع الدولة العبرية وقيادات سياسية وعسكرية إسرائيلية في قفص الاتهام.

ومع معرفتنا بطبيعة العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، نستطيع أن نجزم بأنه جرى تنسيق الرد الإسرائيلي مع الولايات المتحدة وربما مع بعض الدول الأوروبية، خاصة تلك التي عارضت أو تحفظت على تقرير غولدستون، لذا فأن فرض عقوبات بشأن غولدستون ليست أمراً سهلاً لكنه ممكن.

لم يصدر أي تعقيب رسمي من الأمم المتحدة وأمينها العام على الرد الإسرائيلي. أضعف الإيمان أن يكون هناك تحرك دبلوماسي عربي وفلسطيني جدي لإغلاق باب التملص الإسرائيلي من التهم الخطيرة والدامغة التي تضمنها تقرير غولدستون. أما غض الطرف عن الموضوع، فهو عملياً مساعدة مجانية لإسرائيل وإغراء لها بتكرار جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.

ليس غريباً أن يأتي الرد الإسرائيلي، الذي سلم إلى الأمين العام للأمم المتحدة، محشواً بالأكاذيب. هذه هي، في العادة، طريقة المجرم للتغطية على جريمته، فمن مصلحته أن يكذب، ومن مصلحة الضحية كشف الحقيقة.

إلى جانب الكذب هناك الوقاحة الإسرائيلية المعهودة، فهي تعترف في ردها بأنها استعملت الفسفور الأبيض في حربها على غزة، وتعد وتتوعد بأنها ستستعمله في حروبها القادمة، مع الإشارة بأنها ستخفف من استعماله، وعلى العالم أن يشكرها على هذا الوعد بالتخفيف، الذي هو في الحقيقة استخفاف بالعرب وبالعالم وبالقانون الدولي.

يمكن تقديم عدد لا حد له من الأمثلة حول الكذب والتضليل في الرد الإسرائيلي، وفي كل ما قالته إسرائيل حول الحرب الإجرامية على غزة.

في ردها قالت إسرائيل إنها غيرت „نظرية الحرب”، بحيث أنها ستتجنب مستقبلاً المس بالمدنيين وتعريضهم للخطر، لكن ضباطا ميدانيين قالوا لمراسل صحيفة هآرتص (22.7.2010)، أنهم لم يسمعوا عن أي تغييرات. يبدو أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي نفسه لم يسمع عن أي تغيير فقد صرح بأن جيشه سيهاجم القرى اللبنانية الآهلة بالمدنيين، بحجة أنها تأوي المقاومة. ثم، وعلى أرض الواقع، فإن الأوامر العسكرية، التي أصدرها وزير الأمن الإسرائيلي، في الحرب على غزة، والتي أدت إلى استشهاد أكثر من 1400 مدني بينهم حوالي 400 طفل، هي نفس الأوامر التي أعطيت للبحرية الإسرائيلية التي قامت بالعدوان على أسطول الحرية، ونتج عنها استشهاد تسعة من المدنيين على ظهر سفينة مرمرة.

في كلتي الحالتين لم يأمر براك الجيش بالامتناع عن تعريض حياة المدنيين للخطر، كما ينص القانون الدولي، بل كانت „صفر مخاطرة بحياة الجنود”، وفسر هذا الأمر بأنه تصريح مفتوح بإطلاق النار على أي شيء يتحرك، بحجة „الدفاع عن النفس وعدم تعريض حياة الجنود للخطر”.

تقرير غولدستون هو فرصة لمعاقبة المجرمين، وفرصة لردعهم عن تكرار الجرائم. لا تدعوا المجرم يفلت من العقاب، لأن ذلك يعني هدر دم أطفال ونساء وشيوخ ورجال ودم شعب فلسطين عموماً. المطلوب عقاب المجرم وليس عتابه، وهذا ليس مستحيلاً كما يحاول البعض أن يوهمنا.

التعليقات