31/10/2010 - 11:02

علمنا وعلمهم../ عرين هواري

علمنا وعلمهم../ عرين هواري
كثيرا ما يضعنا الواقع السياسي أمام تحديات قد نعجز عن مواجهتها، ولكن المأساة الحقيقة تكون حين تتحول الأحداث السياسية إلى مجرد أخبار للاستهلال/ك وروتين يومي. وثمة حالات تضطرنا للخجل من أنفسنا؛ شعب كامل يقبع تحت الحصار ويتم قصفه وتجويعه، نرى القتل والتجويع فلا نجد فينا القوة الكافية للخروج مع عشرات الآلاف من بنات وأبناء شعبنا شاهرين سيف الغضب والاحتجاج.

يشتد حبل الحصار حول الرقاب في غزة ويستمر دوي قصف المدافع والطائرات الحربية، لتتكرر مشاهد الدم والحزن، فيقتحمون معبر رفح بعد تفجيره للبحث عن القوت والدواء، بينما نحن هنا لا نملك حيلة سوى الإعجاب وتقديم التحية لهم، وحتى الإضراب نعجز عنه. نحييهم ولسان حالنا يقول "رفعتم رؤوسنا" ونعود للممارسة نضالنا منشدُين ومسمرين أمام شاشات الفضائيات، فهناك غيرنا من يعمل على رفع رؤوسنا. فطوبى لنا.

يختزل معظمنا عمله النضالي بالاستهلاك الإعلامي داخل البيت، والاستهلاك التجاري في المجمّعات والمراكز التجارية التي تفرض نفسها علينا وعلى دخلنا المحدود، فاستهلاك نشرات الأخبار تجعل الناس تصدق أكذوبة التضامن. والحقيقة إن استهلاك الإعلام يريح ضمائرهم ويشرعن لهم استهلاك منتجات التجمعات التجارية الإسرائيلية التي تستحوذ على بطاقات الاعتماد الخاصة بهم، والتي غالبا ما لا تبقي من دخلهم الشهري فتاتا يتضامنون به مع شعبهم.

قد يجيب القارئ على ملاحظاتي أعلاه بأنني ارفع توقعاتي من الإنسان العادي، الذي يركض دائما وراء لقمة عيشه، ووراء اهتماماته اليومية التي تستحوذ عليه ولا تبقي له وقتا للنضال. يفترض هذا الموقف حتمية قلة حيلة الناس وهو خطأ فادح. فوظيفة المشاريع السياسية والأحزاب رفع اهتمام الجماهير بالحيز العام ورفع مكانة العمل السياسي، وبهذا هي تختلف عن الإنسان العادي.

إن افتراض قلة حيلة المجتمع، وانغماسهم الحتمي بالمصالح، يأتي ليشرعن المواقف الهزيلة وأنصاف المواقف. وعكس ذلك يفترض عملا حزبيا دؤوبا، ولكن أيضا تنسيق بين القوى الوطنية، وبين القوى الفاعلة. فقد أشار مثلا مهرجان التجمع الوطني الديمقراطي للتأكيد على الثوابت الفلسطينية وضد مؤتمر أنابوليس إلى استعداد الناس للخروج والمشاركة بالإدلاء بمواقف مشرفة، وهذا يدل انه لو رعت كافة الأحزاب التي ترى نفسها وطنية نشاطات كهذه سترفع حتما من سقف المواقف، (هذا إذا كانت هذه الأحزاب أصلا لها مواقف ضد انابوليس)، وستخرج النضال من غرف الصالون إلى الشوارع.

المظاهرة التي تمت المبادرة لها من قبل التجمع الوطني الديمقراطي وأبناء البلد، والحركة الإسلامية بشقيها للتضامن مع قطاع غزة كانت تظاهرة قوية، ولو شملت كافة الأحزاب لكانت أقوى ونموذجا لعمل وحدوي نفتقده، عمل يقدم للناس مقولة واضحة وغير خلافية وخالية من المزاودات الحزبية ولا تبقي للناس أسبابا للابتعاد عن السياسية. إن المواقف الوحدوية ترفع مكانة العمل السياسي. فمثلا لو دعت لجنة المتابعة إلى إضراب عندما اشتد الحصار على غزة وتظاهرت من اجلها الشعوب العربية من عمان إلى موريتانيا، لكانت رفعت سقف التوقعات من الناس ولكن منها أيضا، فهي تفترض مسبقا عدم نجاح الإضراب فلا تعلنه إلا مضطرة، وتصر كما عودتنا على أن تثبت أن وظيفتها لجم كل إمكانية لوقفة نضالية حقيقية .

بينما نؤكد على أهيمه العمل المشترك، ونعي الحاجة لبعض التنازلات التي يفرضها العمل بين فئات مختلفة، إلا أنه على هذه التنازلات أن تقوم وفق حسابات الربح والخسارة للقضية التي نعمل من أجلها، وداخل الخطوط الحمراء التي يصعب تجاوزها. المظاهرة الأخيرة عند معبر بيت حانون احتجاجا على الحصار كانت عملا مشتركا عربيا يهوديا لوقف الحصار، اتفق به على عدم رفع الأعلام، وهذا ما قام به التجمع الوطني الديمقراطي فلم يحضر علما حزبيا واحدا، بينما أحضر الحزب الشيوعي الإسرائيلي مجموعة من الأعلام، وبعد أن وافق الزملاء على إنزال أعلام الأحزاب أصر بعض المتظاهرين، على إنزال العلم الفلسطيني معتبرين إياه علما لفئة؟؟ ولي في هذا السياق بعض الملاحظات.

أولا عندما يتم الاتفاق على عدم رفع الأعلام، المفروض أن يقصد بذلك الأعلام الحزبية الفئوية. ولو كان الاتفاق على عدم رفع الأعلام كلها بما فيها العلم الفلسطيني، فالاتفاق خاطئ، ولا حاجة للدفاع عنه والاستماتة من أجل إنزال الأعلام الفلسطينية، خاصة أن من بين من رفعوا العلم أم شهيد وأخت شهيد.
العلم الفلسطيني هو رمز للنضال الفلسطيني، ورمز لحركة التحرر ورمز للوحدة الفلسطينية التي ندعو إليها، ولا اعرف عن أي حالة تضامن مع حركة تحرر وإنزال علمها؟؟.

مع ذلك قد يتفق أحيانا الأطراف، على مضض من جزء كبير منهم، على عدم رفع العلم الفلسطيني وذلك مثلا من أجل إحضار عشرات الآلاف من المتظاهرين في تل أبيب ضد الحرب، ملتقين على شعارات عامة جدا كوقف الحصار وإدخال المؤن. وبهذه الحالة يكون اتفاقا أدنى مع قوى صهيونية من اجل إخراج عشرات الآلاف لتقول لا للحصار.

في حالة المظاهرة المذكورة عند المعبر لم يتجاوز عدد اليهود آلفا، معظمهم غير صهيونيين، والأجسام الصهيونية لم تجند أصلا جماهير متظاهرين، فعلام التنازل إذن عن العلم الفلسطيني؟ وأي مصلحة يخدم إنزال العلم. ولماذا يدافع نشطاء أحزاب عن إنزاله؟ يعود هذا على نفسه بالتظاهرات المشتركة. ويعيدني هذا إلى المظاهرة المشتركة التي كانت في تل أبيب ضد الحرب على لبنان، حيث استفز نشيد التجمعيين لفلسطين باللغة العربية السيدة تمار غوجانسكي وصاحت بإحدى منظمات المظاهرة على مسمع من أذني، "لم تحضروا هؤلاء (أي التجمعيين) ليحضروا لنا شعارات فلسطين". إذا كان بعض الجبهويين اليهود يُستفزون من العلم الفلسطيني ومن الشعارات الفلسطينية، لأنهم يريدون استقطاب الجماهير اليهودية، فليفعلوا ذلك، أين الجماهير اليهودية والعمل العربي اليهودي الذي يضعونه في أعلى سلم أفضلياتهم، لماذا يقتصر العمل على تأكيد أهمية بل حتى حتمية وجود برلماني يهودي في الجبهة، بينما لا نرى جماهير اليهود تتدفق للعمل من أجل وقف الاحتلال ومن أجل السلام. وإذا كان العلم يستفز بعضهم مبدئيا، فعلى زملائهم العرب رفض مشاركتهم في عضوية حزب واحد. فهل نتضامن مع شعب ونرفض رمز نضاله الوطني؟.

العمل العربي اليهودي لوقف الاحتلال وللدفاع عن الحق عمل هام جدا، وضروري وأدعو له بكل بشدة، بل وأشارك به دوما، ولكن على الحلفاء الأساسيين أن يؤمنوا بعدالة قضيتنا، بحقنا بالاستقلال وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، بحقنا بعودة شعبنا، عليهم أيضا أن يقودوا جماهير اليهود وليس جماهير العرب.

التعليقات