31/10/2010 - 11:02

عن أي منظمة تحرير تتكلّمون؟! / رشاد أبوشاور

عن أي منظمة تحرير تتكلّمون؟! / رشاد أبوشاور
لو كنت أنتمي إلى أحد الفصائل الفلسطينيّة التي تقدّمت بقوائم لخوض الانتخابات التشريعيّة، وحصلت على ثلاثة آلاف صوت، أو سبعة آلاف صوت، أو فازت بمقعد واحد لاستقلت، اعترافاً بفشل (قيادتي) التاريخيّة، مفسحاً الطريق لغيري ليقود!

لكنني لست قائداً في أي من هذه الفصائل، ولا في غيرها، فتنظيمي بات يتكوّن منّي شخصيّاً،فأنا القاعدة الجماهيريّة، واللجنة المركزيّة، والمكتب السياسي، والأمين العّام، ونائب الأمين العّام، ولأنني تنظيم ديمقراطي فأنا آخذ قراراتي بالأكثريّة، وبعد نقاش، وجدل، وأحياناً بعد خلافات عاصفة، والحمد لله أن انشقاقاً في صفوفي لم يقع حتى الآن!..

من منحهم شعبنا ثلاثة آلاف صوت، وسبعة آلاف صوت، ومقعداً واحداً، بعد حملات مكلفة ماليّاً، وبرامج سياسية، وخطابات، ومهرجانات، وملصقات، لم يتواروا ليراجعوا أنفسهم، ويعيدوا حساباتهم، ويتساءلوا عن (سّر) حجب شعبنا أصواته عنهم، بل أخذ بعضهم يهجو (هذا) الشعب، لأنه من وجهة نظرهم: ناكر للجميل!

أعضاء اللجنة التنفيذيّة المنتهية الصلاحيّة منذ سنين، ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا شهود زور بعد (أوسلو)، و(شاهد ما شفش حاجة) في زمن الفساد، والنهب، والفوضى المقصودة، فهم صّم بكم، وبعضهم صار مضرب المثل في الخرس المزمن، فهو ساكت في الاجتماعات، وساكت على عدم عقد اجتماعات، وساكت على ما يتخّذ من قرارات، لأنه لم يعد يمثل أحداً فقبل أن يصير (كومبارس)، كون واحدهم ينتمي لتنظيم تمزّق، وصار أثراً بعد عين!

اليسار الذي فاز بمقعد، أو بأصوات هي بمثابة فضح لواقع الحال، يمكن أن يحصل على أكثر منها بكثير، مختار محترم في إحدي بلداتنا، أو حارة من حارات مدننا، ما أن ظهرت نتائج صناديق الاقتراع، حتى تناول (جرابه) وانهمك في إخراج المبررات لفشله، وثلب فوز (حماس)، ومن ثمّ انتقل إلى وضع الشروط عليها، وبعبارات أمريّة حازمة : على حماس أن..، يجب أن تعترف حماس بـ...، وآخر ما خرج من كيس الحاوي هو بيان اللجنة التنفيذيّة، وما جاء عقبه من تصريحات بلسان (قادة) يساريين، شاركوا في تهديم منظمة التحرير الفلسطينيّة، وإفراغ ميثاقها، وتدمير منظماتها الشعبيّة، وتغطية وتكريس سياسة الإنفراد.

منظمة التحرير الفلسطينيّة التي أسسها وقادها الأستاذ أحمد الشقيري، بدعم مصر الناصريّة، تكوّنت من: المجلس الوطني، والميثاق، وجيش التحرير، ومركز الأبحاث، والمنظمات الشعبيّة، والصندوق القومي...

كان الأستاذ الشقيري يردد بفخر: لو لم ننشئ سوى جيش التحرير، ومركز الأبحاث، لكفانا هذا للحفاظ علي قضيتنا الفلسطينيّة!

جيش التحرير دمّر، وأمّا مركز الأبحاث فلم يعد له ذكر، فماذا عن الميثاق؟

في اجتماع (غزّة) عام 96، وبحضور بعض أعضاء المجلس الوطني، وأمام الكاميرات، وقف (الأعضاء) احتراماً وتبجيلاً لكلينتون مصفّقين هاتفين بحياته، وأكرموه بأن أسقطوا عدداً من مواد الميثاق، وبلغ السخف والابتذال بعضو نكرة من المعينين، أن (يجعّر) مخاطباً كلينتون:
ـ أيها السيّد الرئيس كلينتون: نحن إكراماً لخاطرك، نعلن موافقتنا على حذف كّل بنود الميثاق التي طلبتم حذفها..

هكذا وكأننا في صلحة عشائريّة، يكرم فيها الوجهاء والمخاتير، ووسطاء الخير بعضهم بعضاً، ليصلحوا ذات البين في خلاف عابر، تمّ التنازل عن بنود تنّص على عروبة فلسطين، وحّق شعبها في المقاومة والكفاح المسلّح،وحقّه في العودة إلى أرض الآباء والأجداد!

الميثاق الذي ينّص على أن فلسطين جزء من الوطن العربي، وأنها حق لشعبها مسخ، واستبدل بالبرنامج المرحلي، ثمّ بنداء الاستقلال، الذي رغم كّل ما فيه من تنازل مبكّر بقي حبراً على ورق.

كما ترون فقد أدّى خلع بنود الميثاق إلى سهولة خلع الملابس في سجن أريحا، وهكذا تحوّل الفدائي الجسور، بفضل ( أوسلو، في زمن السلطة والمتسلّطين، إلى ظّل محارب بعد أن جرّد من المبادئ والبندقيّة المقاتلة!

بعد رحيل الرئيس عرفات، وانتخاب أبومازن رئيساً، بدأنا نسمع الهمس، ونتابع ما يحاك ميدانيّاً، عن (خطة) الطامحين المدعومين لاستلام السلطة، وإزاحة ( أبومازن)، ولذا دهشت مع غيري من هجمة أبومازن على آخر مواقع المنظمة في تونس لتصفيتها، ودفن ذكر منظمة التحرير التي تباكى عليها بيان اللجنة التنفيذيّة الصادر قبل أيّام في ( رام الله)..

للتذكير: أبو مازن رئيس للسلطة، واللجنة التنفيذيّة للمنظمة، يعني هو رئيس السلطة ومرجعيّة رئيس السلطة في نفس الوقت! (هذا التداخل، والفرديّة، وراثة من المرحوم عرفات)!.

الرئيس أبومازن مدين لحماس بالشكر والعرفان لأنها بفوزها أفسدت خطّة من كانوا يدبّرون لعزله، أو التخلّص منه بطريقة ما، والقفز على السلطة، وحري به أن يلتقط اللحظة لإعادة بناء المنظمة، وترتيب أحوال فتح، لا مجرّد وضع عراقيل في طريق حماس، وخيار الشعب الفلسطيني..

ذات يوم في بغداد، وفي لقاء سريع مع الأستاذ الشقيري قبل مرضه ووفاته يرحمه الله، خاطبني وبعض الزملاء في لقاء بالمصادفة في فندق (بغداد) : أنتم الشباب، بارك الله بكم، أوصيكم بالمنظمة، فهي اليوم حافلة بلا مكابح، تهوي إلى القاع، أنقذوها قبل فوات الأوان..

اللجنة التنفيذيّة مات بعض أعضائها، واستبعد أحد أبرز رموزها ـ أبواللطف ـ وأنا أعرف أن ثلاثة من أعضائها الذين اجتمعوا في رام الله، لم يعودوا يمثّلون (جبهات): النضال، العربيّة، الفلسطينيّة، فهذه التنظيمات عانت من انشقاقات، ولكنهم لم يستقيلوا، ولم يقالوا، ووظيفتهم الصمت، أو رفع الأيدي كلمّا لزم الأمر، للتصويت على بيان لا معنى له، كبيان اللجنة التنفيذيّة الأخير، الذي يطالب وزارة (حماس) بأن تقّر بأن المنظمة هي الممثّل الشرعي و(الوحيد).

من يقفون وراء البيان، يهدفون إلى الالتفاف على نتائج تصويت شعبنا، بعد أن اهتزت شرعيتهم، وهم يريدون من حماس أن تخلع نفسها، وأن (تجيّر) فوزها لهم، بالإقرار بأن المنظمة هي الممثّل الشرعي والوحيد، يعني (شرعنة) السلطة المطلقة لمن عاقبهم شعبنا في صناديق الاقتراع!

خيار واحد للخروج من المأزق: إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينيّة، لتكون إطاراً للوحدة الوطنيّة، يضّم الفصائل الفاعلة، والشخصيّات الوطنيّة، والكفاءات، وغير هذا مضيعة للوقت.

التعليقات