31/10/2010 - 11:02

عن الضجيج، واللغو، وإنتاج الغباء أيضاً!!../ بسام الهلسه

عن الضجيج، واللغو، وإنتاج الغباء أيضاً!!../ بسام الهلسه

تقتلني أشياء وأشياء... أذكر منها، و"لا أذكرها"، ثلاثة: الضجيج، واللغو، والغباء..
لهذا أحب العمل ليلاً، بعيداً عن اضطراب النهار الصاخب، والناس الذين يضطرونك حتى أن تشرح لهم النكتة!!

* * *
عن الضجيج واللغو لا تسل، تسمعهما –بل تراهما- حيثما كنت، وبرغم الحكمة التوجيهية العميقة التي افتتح بها القرآن آياته بـ"إقرأ"، فإن العرب يكادون أن يكونوا أمة من ضجيج ولغو بامتياز، تتلذذ بممارستهما كما تتنفس.. فلا مجال ثمة، لحوار هادئ، أو لصمت متأمل..
حتى المتآمرون الذين يتطلب اختصاصهم الكتمان، تخلوا عن أصول المهنة، وأصبحوا يمارسونها بالعلانية القصوى الوقحة التي تضج بها الفضائيات وتلغو... الفضائيات التي تتكاثر كالضجر، وكالهمِّ على قلب الحزين كما يقال...

* * *
أيام الثورة الصينية، في ستينيات القرن الماضي، تفتقت حكمة "ماو" عن اكتشاف عبقرية الضجيج، فأمر الشعب بممارسته لطرد الطيور التي كانت تدمّر المحاصيل الزراعية.
وحينما اشتكى أهل "عدن" من كثرة الغربان وصلفها، نصحهم الصينيون باتباع الحكمة إيّاها، فكانت النتيجة مُروِّعة: تراكمت القمامة في شوارع وأحياء "عدن" بعدما مُنعت الغربان من مزاولة مهنتها اليومية في التقاط كل ما تراه على الأرض!!
ولو أننا فهمنا الحكمة الصينية، ولم نستوردها جاهزة كما نفعل مع السلع الأخرى، لكنا أسكتنا هذا اللغط الذي يسمم أسماعنا وأرواحنا، وضاعفت التقنيات الحديثة من قدراته على الفتك.

* * *
نحتاج إلى الهدوء، (هل اشتُقّت منه الهداية؟)، وإلى تصفُّح ذواتنا وواقعنا وعالمنا كل يوم. والخلوة مع النفس بين حين وآخر، هي كما التواصل الحواري مع الآخرين، ليست طقساً مزاجياً خاصاً بالحكماء، والفلاسفة، وذوي النفوس المرهفة، بل هي أداة فعالة في تنمية قوى الإدراك، التي لا نستخدم سوى جزء بسيط من إمكاناتها في العادة...

* * *
أما الغباء، الذي أثار أحد كبار كتاب عصر النهضة الأوروبية، فكرس له كتاباً ذاع في حينه، وَسَمَهُ بـ"مديحُ الغباء"، فهو أبعد من أن يكون مشكلة أفراد بعينهم، انه ظاهرة قومية عامة، تتكفل مؤسساتنا التعليمية والإعلامية والاجتماعية بتجديد إنتاجها وتوزيعها مجاناً..
مثل هذه الظاهرة، تحتاج إلى حملة منسقة لإعادة فحص موادنا ومناهجنا التعليمية والإعلامية والتثقيفية عموماً، وتضمينها ما يكفي من المحتويات والوسائل التي تدعم القدرة على بناء وتطوير واستخدام ملكاتنا العقلية المبددة والمستباحة، كما هو حال معظم الأمور في بلادنا..
صناعة الغباء عندنا لها وظيفة بيِّنة: انتاج قطعان بشرية يسهل سوقها، لعجزها عن التساؤل، والمراجعة، والتدقيق، والمحاكمة وتكوين الرأي..
وعلى ذكر "الرأي" أستحضر نكتة مفجعة رواها لي صديق مشاغب، عن سؤال وُجّه لثلاثة أشخاص: "ما رأيك بالأكل في السجن؟".
أجاب الإفريقي المنكوب: ما معنى كلمة "أكل"؟
وأجاب السويدي الآمن: ما معنى كلمة "سجن"؟
أما العربي "السعيد بشقائه" فاجاب: ما معنى كلمة "رأي"؟

* * *
أيها العرب من كل السلالات: العاربة، والمستعربة، و"المتأمركة" و"اللِّي ما عارفه ولا نحن عارفين من هي"؟؟
رفقاً بنا وبأنفسكم يرحمكم الله...
أفلا تعقلووووون؟؟

التعليقات