31/10/2010 - 11:02

عن ساركوزي وبوش وعرب "الكستناء"../ فيصل جلول

عن ساركوزي وبوش وعرب
تتعرض “إنجازات” الرئيس جورج بوش “الديمقراطية” لمخاطر جدية في جورجيا وأوكرانيا وأفغانستان والعراق، ويصل الخطر إلى باكستان، حيث يترنح نظام الرئيس برويز مشرف الحليف الأكبر للبيت الأبيض في الحرب على “الإرهاب”. وفي فلسطين حيث يعقد الرئيس الأمريكي آمالاً كبيرة على “ديمقراطية” محمود عباس، فيما يلح هذا الأخير على تنازلات “إسرائيلية” جوهرية تتيح له الدفاع عن موقعه في الحقل “الديمقراطي” الأمريكي وتقيه الضغوط العسكرية والمعنوية، التي لا تكف حماس عن التلويح بها، إذا ما تساهل في لقاء انابولس بحق العودة والقدس الشريف والانسحابات. وهي مسائل يصعب على أولمرت “الضعيف” والملاحق بالفساد وبهزيمة لبنان القبول بها، بل يطمح إلى التطبيع مع ما تسمى “الدول العربية المعتدلة” يعينه على إنقاذ حكمه وحزبه من الغرق.

ولا تبدو حال الرئيس بوش في إفريقيا “عال العال”، فحليفته إثيوبيا تشرف على الغرق في الرمال الصومالية المتحركة، الأمر الذي يغري إرتيريا بتصفية حساب معها عبر حرب حدودية جديدة. في حين يتلقى “إنجاز” واشنطن “الديمقراطي” في “دارفور” ضربة معنوية كبيرة عبر فضيحة “سفينة زوي”، هذا حتى لا نذكر صراخ هوغو تشافيز ودانييل أورتيغا وسائر الرؤساء المنتفضين على واشنطن في أمريكا اللاتينية، وحتى لا نذكر أيضاً تعثر الدرع الصاروخية الأمريكية في تشيكيا وبولونيا، والرأس الروسية التي ترتفع أكثر فأكثر على المسرح الدولي، ناهيك عن الهم الإيراني المقيم.

في هذه الأجواء الصعبة استقبل سيد البيت الأبيض نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي وبالغ في تكريمه إلى حد التحادث معه في “مونت فيرمونت” منزل الرئيس جورج واشنطن، الذي يضم مفاتيح “سجن الباستيل” على ما يقال، والذي لم تطأه قدم فرنسية منذ الماركيز “دو لافييت” ناصر الأمريكيين في حرب الاستقلال عن الملكية البريطانية في القرن الثامن عشر.

وإذا كان “ساركو الأمريكي”، كما يوصف في بلاده، يدرك حجم الصعوبات التي تعاني منها إدارة بوش ويعرف أن شعبية الرئيس الأمريكي لا تكف عن الانحدار، وبالتالي لا يعول عليه في الشهور الباقية من ولايته، فهو يدرك أيضاً أن طي صفحة الخلاف على حرب العراق مع رئيس أمريكي ضعيف ومع بلد يشعر بالإحباط خير من طي هذه الصفحة مع رئيس قوي يتمتع بتأييد واسع من مواطنيه، ويحتل مكانة أقوى على المسرح الدولي.

والراجح أن “ساركوزي البرغماتي”، وهي صفة أخرى من أوصافه العديدة في بلاده، يعرف أن عبارات المديح الأمريكي التي أطلقها في “الكونجرس” عن “الأمة الأقوى” في العالم وعن جنودها “الذين أنقذوا فرنسا مرتين في حربين عالميتين” وعن البلد الوحيد الذي “لم نخض حرباً ضده في التاريخ” وعن “البرابرة” الذين فجروا البرجين في 11 سبتمبر/ أيلول.. إلخ، هذه العبارات يعرف ساركوزي أن مضيفيه المحبطين هم بأمسّ الحاجة إلى سماعها، لكنها لا تنطوي على تغيير حاسم في سياسة باريس الخارجية إزاء الأزمات التي تحتاج فيها أمريكا إلى عون حقيقي على الأرض. ففي العراق من المستبعد أن يرسل ساركوزي قوات عسكرية، وفي أفغانستان لا يزال حجم المشاركة العسكرية الفرنسية على حاله، ومن المتوقع ألا يطرأ عليه تغيير يذكر، وعن عودة فرنسا إلى القيادة المركزية المندمجة للحلف الأطلسي لا يزال الشرط الفرنسي الذي وضعه جاك شيراك على حاله، وفي الملف النووي الإيراني اصطدمت دعوة ساركوزي لفرض عقوبات أوروبية خاصة على طهران برفض إيطالي وإسباني وتحفظ ألماني، وفي لبنان يستغرب السفير الأمريكي جيفري فيلتمان قرار باريس نقل سفيرها السابق وعدم تعيين بديل عنه وهو الذي خاض معه معارك “14 آذار” منذ شتاء العام 2005.

كثيرون في العالم يعتقدون أن ساركوزي أصبح “كانيش” الرئيس الأمريكي خلفاً لتوني بلير، وانه يرغب في الحلول محل بريطانيا في “قلوب الأمريكيين”، وهو اعتقاد خاطئ، ذلك لأن باريس لا تستطيع أن تعوض موقع لندن الاطلسي وانكلوساكسونيتها واستراتيجيتها القاضية ببناء اتحاد أوروبي يكون امتداداً للقوة الأعظم في العالم، وليس نداً كاملاً لها في كل الميادين وأشياء أخرى كثيرة وأساسية من هذا القبيل. كل ما يمكن لساركوزي تعويضه هو إسناد حليف غربي شبه معزول ومنهك جراء حماقات المحافظين الجدد الدولية، وهو إسناد لا يتجاوز قواعد التحالف بين ضفتي الاطلسي، ولا يتعدى الأعراف الديغولية نفسها، ذلك أن ديغول لم يتردد في ظروف أخرى تحمل بعض وجوه الشبه مع الظروف الراهنة في دعم واشنطن بقوة في أزمة الصواريخ الكوبية.

في باريس تشبه سياسة ساركوزي الخارجية بلعبة البهلوان الذي يسير على حبلين متوازيين في السيرك، فإن مالت قدمه قليلاً تعرض للسقوط وإن نجح يحظى بتصفيق الجمهور وينال بركاته. لا يعدم هذا التشبيه صلة بالوقائع في ما يعنينا نحن العرب والمسلمين. ألم يؤسس ساركوزي “المجلس الأعلى للديانة الإسلامية” في فرنسا ويهجو ضواحي المسلمين البائسة، ومن ثم يعود لتوزير مسلمين في مناصب وزارية عريقة؟ ألم يصف “إسرائيل” بمعجزة القرن العشرين ويستقبل حزب الله في “لا سيل سان كلو”؟ ألم يميز الجزائر بزيارته الرسمية الأولى في شمال إفريقيا ويميل إلى المغرب الأقصى في “النووي السلمي” والصحراء الغربية؟ في فرنسا يقال عن هذا النوع من المواقف: فلان يضع أكثر من حبة كستناء على النار. المشكلة أننا، نحن العرب، ما زلنا في موقع الكستناء، ولا يمكننا أن نلوم الآخرين على موقع وضعنا أنفسنا فيه.
"الخليج"

التعليقات