31/10/2010 - 11:02

عندما تكون الجراحة ضرورة لحياة أفضل../ أحمد الحيلة*

عندما تكون الجراحة ضرورة لحياة أفضل../ أحمد الحيلة*
بعد أن تخلص الاحتلال و"القوم" من الرئيس الراحل ياسر عرفات، صاحب الخبرة والمفاوض بيد قاسية، صعد الرئيس عباس كقيادة بديلة يرفض عسكرة الانتفاضة، ومستعداً لأن يذهب بعيداً في السياسة مع الاحتلال الإسرائيلي..، لكن شارون ومن بعده أولمرت كانوا قد حسموا أمرهم بألا يتفاوضوا مع الفلسطينيين إلا بشرط القضاء على المقاومة التي شكلت عقبة في طريق التسوية السياسية المقننة بوصفات وشروط إسرائيلية أمريكية مسبقة. وهذا يذكرنا بخارطة الطريق التي كانت بمثابة وصفة أمنية للقضاء على المقاومة كمدخل لتحريك المسار السياسي.

وما زاد الاحتلال إصراراً على القضاء على المقاومة كشرط مسبق إلا علمهم بضعف شخصية الرئيس عباس، وشكهم في قدرته على التحكم والسيطرة بالمشهد الفلسطيني الذي أصبحت فيه حركة حماس (المقاومة) ركناً أساسياً لا يسهل تجاوزه أو القفز عنه.

الرئيس عباس بدوره لم يكن ضد إنهاء "العسكرة" أو المقاومة، لأن في ذلك تجسيداً لقناعاته الشخصية التي دأب على التصريح بها، لكن عباس في حينه كان يعلم بأنه لا يقوى على القضاء على حركة حماس، أو إنهاء برنامج المقاومة، لذلك كان الحل المقترح من المعنيين بالقضية الفلسطينية ـ عرباً وعجماً ـ على النحو التالي:

إذا كان ليس بالإمكان القضاء عسكرياً على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، فلا ضير من الالتفاف حولها بجذب حماس إلى مربع العمل السياسي الرسمي وإلى مربع السلطة السياسية، من خلال مشاركتها في الانتخابات ودخول المجلس التشريعي كطرف أساس في المعادلة، ولكن على قاعدة المعارضة، وهذا إن تحقق سيخدم القوم في اتجاهين:

الاتجاه الأول: إلزام حركة حماس بقرارات الأغلبية (فتح) في المجلس التشريعي على قاعدة احترام الديمقراطية التي قبلت حماس أن تكون جزءً منها.

الاتجاه الثاني: محاولة تدجين حماس سياسياً ونقلها تدريجياً من مربع المقاومة إلى مربع العمل السياسي الرسمي، إي باتجاه المسار السياسي التفاوضي إن أمكن، أو إبطال مفعول المقاومة عملياً كحد أدنى خدمة للتسوية، وبالتالي يكون عباس والطرف الفلسطيني المفاوض قد وفّي بشرط خارطة الطريق أو شرط الاحتلال الإسرائيلي بإنهاء المقاومة وإن بشكل غير مباشر كضرورة لازمة للتفاوض.

أجريت الانتخابات بشفافية ونزاهة، والقوم مطمئنون إلى أن نتائجها ستكون لصالح حركة فتح، ولكن المشهد انقلب رأساً على عقب بفوز حركة حماس بالأغلبية المطلقة، مما اضطر الطرف الآخر كارهاً على الاعتراف بالانتخابات ولكن مع رفضه التعامل مع نتائجها أو التسليم لحركة حماس كقيادة منتخبة للشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، ومن هنا نبتت بذرة الشر المؤسس للفتنة الفلسطينية والاحتراب الداخلي بين الأخوة والأشقاء، حيث ذهبت واشنطن وتل ابيب ومعهما العديد من الدول العربية، وبمشاركة فلسطينية فاعلة (فتح) إلى التخطيط لإسقاط التجربة الديمقراطية أو إلغاء نتائجها بإسقاط الحكومة الفلسطينية التي شكلتها أو شاركت فيها حماس، ولم يخف القوم هذا التوجه من خلال الشروع المبكر بالحصار السياسي والاقتصادي على الحكومة، والشعب الفلسطيني لدفعه للتخلي عن خياره الديمقراطي الذي جاء بحركة حماس وبرنامج المقاومة على قمة الهرم السلطوي.

عندما أدرك المشاركون في الحصار أن الحكومة لن تسقط، وأن الشعب لن ينقلب على خياره الديمقراطي، ذهب القوم إلى درجة أعلى في التصعيد بالتحضير لانقلاب عسكري على الديمقراطية الفلسطينية بإثارة الفوضى والفلتان الأمني، وتشويه حركة حماس واتهامها بأنها جزء من المشكلة الأمنية وليس طرفاً في الحل، من خلال جر الحركة إلى شرك الصدام والاقتتال الداخلي في موجات متلاحقة من العنف المسلح.

وتأكيداً على ما ذهبنا إليه فإننا نسوق بعض المعلومات التي كشفها الإعلام على النحو التالي:

• نشرت صحيفة "يونجافليت" الألمانية (14/6/2007) تقريراً لمعلقها السياسي "فولف راينهارت" جاء فيه: إن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش خططت منذ فترة طويلة لتفجير الأوضاع الداخلية الفلسطينية وتحريض تيار موال لها داخل حركة فتح على القيام بتصفيات جسدية للقادة العسكريين في حركة حماس. وقد تحدث في هذا الموضوع الجنرال كيث دايتون مسؤول الاتصال العسكري الأمريكي المقيم في تل ابيب في جلسة استماع عقدتها في أواخر مايو/ أيار الماضي لجنة الشرق الأوسط في الكونغرس الأمريكي، وفي شهادته ذكر الجنرال دايتون أن للولايات المتحدة تأثيراً قوياً في كافة تيارات حركة فتح، وأن الأوضاع ستنفجر قريباً في قطاع غزة، وستكون عنيفة وبلا رحمة. وقال إن وزارة الدفاع والمخابرات المركزية الأمريكية ألقتا بكل ما تملكان من ثقل في جانب حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل داخل حركة فتح. كما أن تعبئة الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية ضد حماس تمثل خياراً استراتيجياً للإدارة الأمريكية الحالية. وهذا ما يفسر موافقة الكونغرس الأمريكي على اعتماد نحو 60مليون $ لتدريب الحرس الرئاسي في بعض دول الجوار وإعداده لخوض مواجهة عسكرية ضد حركة حماس. (نقلاً عن مقال للمفكر فهمي هويدي نشر في صحيفة الخليج 19/6/2007)

• نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية (6/6/2007) أن جهات في حركة فتح توجهت مؤخراً إلى المؤسسة الأمنية في إسرائيل طالبة السماح للحركة بإدخال كميات كبيرة من العتاد العسكري والذخيرة من إحدى دول الجوار إلى غزة لمساعدة الحركة في معركتها ضد حركة حماس. وأضافت الصحيفة أن قائمة الأسلحة والوسائل القتالية تشمل عشرات الآليات المصفحة والمئات من القذائف المضادة للدبابات من نوع "آر. بي. جي" وآلاف القنابل اليدوية، وملايين الرصاصات. كما ذكرت الصحيفة أن المنسق الأمني الأمريكي في تل ابيب "كيث دايتون" نقل طلباً مماثلاً إلى إسرائيل.

• صرح مصدر أمني مصري رفيع المستوى بأن محمد دحلان يتحمل مسؤولية كل ما جرى في غزة. وقال أيضاً: إن سبب الصراع المسلح الذي جرى في غزة أخيراً هو مجموعة تسيطر على أجهزة الأمن وتقاتل في القطاع بأوامر من السيد دحلان. مضيفاً: إن هذه القوة التابعة لدحلان مفروضة بالقوة من إسرائيل وأمريكا. (الشرق القطرية 17/6/2007)

هناك الكثير مما يمكن أن يقال في هذا المجال، ولكن المهم أن المشهد الفلسطيني كان ذاهباً، إن أرادت حماس أم لم ترد، وإن استعدت حماس أم لم تستعد، كان المشهد ذاهباً إلى "حرب" إبادة أمريكية إسرائيلية وبأيد فلسطينية من أجل القضاء على حماس في قطاع غزة الذي يشكل مخزوناً بشرياً وعسكرياً للحركة، بعد أن قامت إسرائيل بقتل واعتقال مئات وآلاف من نشطاء ومسؤولي حركة حماس في الضفة الغربية.

هذا يقودنا إلى السؤال: ماذا كان يمكن لحماس أن تفعل في ظل هذه المعطيات؟؟

إن استقالت الحكومة وخرجت حماس من اللعبة السياسية ـ في هذا التوقيت بالذات ـ فإنها ستعتبر حركة انهزامية، ضعيفة، غير مسؤولة، ولا تستحق الثقة التي منحها إياها الشعب الفلسطيني، وهذا بالمناسبة سيغري الطرف الآخر في ملاحقتها بالقوة والنيل منها بغية القضاء على قوتها العسكرية المقاومة.
وإن هي بقيت متفرجة، فإن سيف الفتنة والغدر سيقضي عليها تصفية جسدية، كما حدث للعديد من قادتها وخاصة العسكريين منهم على يد فئة باغية مرتهنة بالاحتلال.

إذن لم يتبق أمام هذه الحركة إلا الدفاع عن نفسها والدفاع عن خيار الشعب الذي منحها الثقة، وحملها المسؤولية في حفظ الأمن وقيادته في هذه الحقبة العصيبة.

أيها السادة، لا يوجد عاقل أو وطني أو إنساني يرغب ويريد سفك دم أي فلسطيني، ولكن المرض عندما يستفحل، ولا ينفع معه العلاج تلو العلاج، فأنت أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستسلام للمرض ليقضي عليك، وإما محاولة استئصاله أملاً في نجاة الجسد. وفي اعتقادنا أن تخليص الأجهزة الأمنية من الغدة الخبيثة لم يكن مصلحة لحماس فقط، وإنما أيضاً مصلحة لحركة فتح التي تشوهت وخسرت كثيراً بانتماء هذه الفئة إلى جسدها..، أي أن العافية يفترض أن تنعكس على الجسم الفلسطيني كله يمينه ويساره.

يبقى القول، أن بعد هذه العملية الجراحية الاضطرارية مع ما رافقها من ألم، على الجميع أن يتوجه إلى طاولة الحوار الوطني الفلسطيني (بنوايا حسنة، وإرادة صادقة) لإعادة النظر في كل الملفات السياسية على أسس وطنية خالصة بعيداً عن الأجندات الخارجية. وللجميع الآن ـ بعيداً عن العواطف وردات الفعل ـ فرصة سانحة للاستجابة إلى دعوة جامعة الدول العربية للحوار برعايتها استناداً إلى ما تم الاتفاق عليه في مكة والقاهرة.

التعليقات