31/10/2010 - 11:02

غموض ووضوح موقف الفصائل من المفاوضات المباشرة../ نزار السهلي*

غموض ووضوح موقف الفصائل من المفاوضات المباشرة../ نزار السهلي*
تبدو صورة الفصائل الفلسطينية، المنضوية تحت ما يسمى منظمة "التحرير" الفلسطينية، وموقفها السياسي المفترض أنه يشكل صمام الأمان، للحالة الفلسطينية كحركة تحرر وطني، أقرب للغموض والأحجية التي يصعب فك لغزها، مع المنعطفات الخطيرة، التي دأبت على إطلاق هذا التعبير عبر مسيرة القضية الفلسطينية و حركة التحرر الفلسطيني، منذ انطلاق العمل الوطني الفلسطيني ممثل بفصائل منظمة "التحرير"، ووصولا إلى اتفاق أوسلو، الذي بموجبه تحول معه النضال الفصائلي تحت عباءة "السلطة الفلسطينية" والمحاصصة توزيرا وتوظيفا ضمن دوائر السلطة، واعتمادات مالية، وظفت على أنها انجازات حققتها فصائل المنظمة ضمن حركتها "التحررية".

ومع كثرة الفذلكة السياسية، تحليلا وتنظيرا، لجوانب الأزمة التي تعيشها فصائل المنظمة المأزومة والمنفصمة في مواقفها السياسية والتنظيمية، تبرز إشكالية الدور المناط بها والمسؤولية، التي كانت تاريخية في السابق، وأصبحت، عاجزة في الوقت الحالي عن صياغة برنامج واستراتيجية تقود إلى تصويب النضال الفلسطيني مع عملية الارتهان الكلي، للمال السياسي المتدفق، من سلطة تدعي الفصائل أنها تعارض سياساتها، لكنها لا تستطيع الانفصال أو الطلاق منها حتى لو تعلق الأمر بمصير وطن وشعب، تدعي أنها تمثل حركته "التحررية" من الاحتلال مع ملاحظة أن أسماءها الشهيرة يليها شعار "لتحرير فلسطين".

وإذا أخذنا مثل الجبهة الشعبية، ولماذا الشعبية دون غيرها؟ سيقول سائل: نجيب لأن الجبهة الشعبية شكلت في الوعي الجماهيري الفلسطيني والعربي في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، منذ مطلع الخمسينيات وتشكيل حركة القوميين العرب، ومن ثم انطلاق الجبهة الشعبية من رحمها، لترد على كل الأسئلة المطروحة في فهم وإدارة الصراع مع العدو الصهيوني، وتشكل جبهة ممانعة ضد كل مشاريع التفريط بالقضية الفلسطينية، لمحاربة سياسة التنازلات السياسية، مع طرح البرنامج المرحلي والنقاط العشر، لتشكل فيما بعد جبهة الرفض الفلسطينية.

فإذا ما قسنا مواقف جبهة الرفض على مواقف سياسية آنذاك، وما يحاك اليوم أمام ناظري الجبهة الشعبية وغيرها من فصائل المنظمة، نجد أن الحالة الفلسطينية اليوم لا تحتاج إلى غموض ومشاركة أحيانا بصمت وعن قصد وترصد في تردي وترهل النضال الفلسطيني إلى مستويات منحدرة، تجعل من الأسئلة التاريخية الملقاة أمام فصائل المنظمة والشعب لا تجد لها أجوبة.

وطالما استمرأت هذه الفصائل حالة العجز والارتهان، للمال السياسي المفضوح، فإن هذا يقود لتساؤل مشروع من الشارع الفلسطيني غير المرتبك في تحليله لظاهرة عقد الاجتماعات المناهضة لسلوك السلطة وأداء المنظمة في قيادة الشعب الفلسطيني، عبر الاكتفاء بإصدار البيانات بعد الاجتماعات وإرسالها لوكالات الأنباء لتكتب على شريط القنوات الفضائية، في حالة انفصام المواقف في اللجنة التنفيذية عبر ممثلي الفصائل التي تعقد اجتماعات خارج رام الله، وتكون مواقفها نارية في البيانات، أما ممثليها في اللجنة التنفيذية، يعني ممثلي المال السياسي، غير قادرين إلا على الصمت المريب، للحفاظ على انتفاخ الجيوب وتضخم الرقاب والبطون آخر كل شهر، في نهاية كل يوم يصدر بيان للرفض، واضعة قدما في موقع المعارضة، في حين أن الرأس والجيب تحت إمرة السلطة في رام الله.

يقول ممثل الجبهة الشعبية في الخارج د. ماهر الطاهر: إن الجبهة الشعبية تدرس إمكانية الانسحاب من اللجنة التنفيذية، وإن وجودها ينبع من الحرص على المنظمة الذي لا يمنع طرح المواقف المعارضة. ( في مقابلة مع صحيفة الوطن السورية 9 آب/ أغسطس).

وفي اليوم ذاته، يقول نائب الأمين العام للجبهة الشعبية عبد الرحيم ملوح في تصريح متلفز إن تنفيذية المنظمة أخذت قرارا بالمضي نحو المفاوضات المباشرة في خطوة مغايرة لتوجه الأعضاء في المنظمة، وإن هناك لبسا في عملية التصويت.

ونحن بسؤالنا البسيط، نتوجه إلى فصيل، ثوري طليعي جماهيري، كان في أحد أيام التاريخ يحمل هذه الصفات والمعاني التي تتولد منها، هل الاكتشاف الذي يقدمه نائب الأمين العام للجبهة عن تنفيذية المنظمة جديد؟ وهل دراسة الموقف المقدم من د. ماهر الطاهر للانسحاب من المنظمة نابعة من الحرص على الموقف الوطني والسياسي المفترض أن تتحمله الجبهة الشعبية؟ بينما الأصوات بحّت والشواهد أغرقت العيون من تمثيلية المنظمة ودورها في عملية إقصاء الشعب الفلسطيني، الذي من المفترض أن المنظمة تمثل رأيه، بينما تحولت المنظمة إلى ذراع من أذرع السلطة لفلسطينية، التي تشكل عباءة لها في إدارة المفاوضات، والتي حولت الفصائل المنضوية تحتها إلى شاهد زور يكتفي بالتحفظ على قرارات تعني بمصير الوطن والشعب، ومنددة وشاجبة في أحسن أحوالها حتى يشعر المواطن الفلسطيني، بتقاسم الأدوار المرسومة لها بين المنظمة والفصائل والسلطة، حين يتعلق الأمر بأداء وسلوك السلطة التي تدير المنظمة، بينما في الحقيقة من المفترض أن تكون السلطة أداة بيد المنظمة.

لكن حالة الفساد السياسي والمالي التي نخرت العمل الفصائلي، تجعل من شخوص ومفردات النضال لـ"حركة التحرر الفلسطيني" تدخل في عملية تواطؤ كبرى في زيف الادعاءات والشعارات، المتصلة بمقاومة سياسة التنازل والتفريط بالحق الفلسطيني في لعبة المفاوضات، وبالتغطية الفصائلية المتحفظة والصامتة، والقابضة ثمنا لوطن يباع ويشترى في سوق المفاوضات.

وإذا أخذنا الموقف الأخير للجبهة الشعبية من المفاوضات المباشرة، وهيمنة السلطة على المنظمة لتمرير المواقف، ولعبة التنديد بالمواقف الرسمية للسلطة بينما اليد ممدودة آخر الشهر لتقبض ثمن الرتبة وراتب تقايض به موقفها المنفصم بين رام الله وغزة، وممثلها في الخارج، وبالعودة للموقف السياسي الذي انسحبت منه الجبهة الشعبية وتشكيل جبهة الرفض، نجد أنه كان يشكل أهمية اقل مع ما يجري اليوم، الذي ليس بحاجة إلى تشكيل جبهة رفض وانسحاب من اللجنة التنفيذية، لنسأل أخيرا عن موقف فصائل العمل الثوري النضالي من التنسيق الأمني وإدارة المفاوضات مع العدو بهذا الشكل الخاضع، وتدمير ما يتصل بمحتوى وتسمية ووجود الفصائل بعينها الأرض؟ هل هو بحاجة لدراسة الانسحاب أم العمل بالعودة إلى روح واصل المواجهة مع المشروع الصهيوني، والاكتفاء بغموض الموقف لن ينتج إلا وضوحا لدى الجماهير التي كانت تدعي فصائلها أن لها قدرة على قراءة الواقع وامتلاكها مخزون المواجهة أكثر من القيادات المهيمنة والمتنفذة كما كانت التسمية اليسارية "للقيادة اليمينية"، وتراكم المواقف من سلطة فلسطينية بتركيبتها الحالية ومنظمة مخطوفة بيدها نعتقد أنها بحاجة إلى آلاف المواقف ليس انسحابا منها فقط.

التعليقات