31/10/2010 - 11:02

فتح تغادر موقعها التاريخي../ محمد نعيم فرحات*

فتح تغادر موقعها التاريخي../ محمد نعيم فرحات*
في مؤتمر فتح المنعقد في الضفة الغربية تبدو "الحركة" وكأنها فعل مبني لمجهول، أكثر مما هي حركة معروفة الإطار والعنوان والمعنى، كما تبدو كحشد مترهل وتائه أكثر مما هي تنظيم "طليعي وحامي المشروع الوطني الفلسطيني أو صاحبة الطلقة الأولى".

لقد صارت هذه المقولات بلا قيمة حقيقة، ما دامت فتح لم تعد إنتاج هذه المعاني وتعيد تجددها في أفق متصاعد ومتراكم، كما صار تكرارها نوعاً من الخداع للوعي الأصيل، لأنها تحيل إلى المـاضي الذي يحوله بؤس الحاضر والخوف من اتجاهات المستقبل إلى "سيد للأيام"، وهذه لعبة مهلكة لحركة جرى تزويجها عنوة وبالإكـراه من خــيارات لم تكن ترغــبها، والآن يجري تدفيعها ثمن نتائج هـذه الخيارات من طرف من أرغموها على ذلك بالتحديد.

وهنا تصبح حركة فتح، حركة ملتبسة ومشتبهة وملامة من طرف من نكلوا بها أولا وبالذات، وهؤلاء هم كل أعضائها أو المحسوبين كذلك. لقد ساهم كل منـهم بالفساد أو بالسكوت أو بالصمت، في ما آلت اليه أوضاع الحركة، بصــورة جعـلت مؤتمرها السادس تعبيرا عن اكتمال قوس أزمتها، أكثر مما هو محطة للتوقف والفحص والتعديل وإعادة إنتاج خيارات أصيلة وحيوية ومرنة وقادرة على رفع التحديات التي تخص الحركة أو الوضع الفلسطيني برمته.

وهنا فإن كلام البعض مثلا، عن أن فتح تعقد مؤتمرها بحضور أقلية من الفتحاويين أو من يمكن تعريفهم كذلك، أو أن عملية سبي مروعة ستجري لحركة مختطفة أساسا. أو أن الصراع داخل فتح يقوم بين فاسدين متقادمين وفاسدين طامحين، وهو صراع يطحن في طريقه كل شيء، وأي شيء آخر. أو أن الصراع في فتح وعليها يتم على حركة قتيلة لم يبادر أحد للإعلان الجريء عن موتها، ولكنّ لها جلدا ثمينا يتصارع كثيرون على امتلاكه أو تقاسمه، دون إبداء أي انتباه لجثة الحركة الشهيدة ودفنها بصورة لائقة.

إن كل هذا الكلام وأكثر يندرج في باب التوصيفات المحزنة لحركة كان لها وعليها، ولكنها ملأت ركناً مهماً من المسرح التاريخي والسياسي الفلسطيني والشرق أوسطي والكوني على مدار عقود خلت.

... إن على المعنيين الحقيـقيين بفتح وبدورها أن يدركوا أنها تغــادر بقــسوة وبقوة دفع ذاتي مثيرة، الدور المتوقع منها في المسرح التاريخي. وإن المؤتمر بكل حيثياته ومعطياته وسياقاته يتضمن إمكانية ضئيلة وضيقة وصعبة وشاقة لاستــنقاذ فتح ودورها ومعناها. وهي إمكانية تحتاج لأفق يتطلب عملا غير معهود وغير مسبوق لإعادة بناء الحركة من طرف فاعلين سياسيين حقيقيين، بصبر وتواضع وبراهنات مختلفة عما تعودت عليه في عقديها الأخيرين تحديدا، وإلا فسوف يكون مؤتمرها السادس إعلانا صاخبا عن مغادرة الحركة للدور التاريخي والاتجاه نحو الضمور والتفكك والاندحار، وسيعني ذلك ايــضا، قطـع الحركة لنقطة اللاعودة نحو الخيارات والرهانات المطلوبة، وهذا الأمر ستكون له أثمانه عند فتح، وأثمانه الوطنية ايضا في لحظة بالغة الخطورة والصعوبة فلسطينيا على الأقل.

وبينما تعاني فرضية استنقاذ حركة فتح من صعوبات جمة، وتبدو إمكانية الاستنقاذ مفتتة ومبتوتة في ثنايا وضع فتح الراهن، فإن إمكانية الاندحار والضمور تبدو كأنها تتحرك براحة وحيوية في أفق فسيح متاح لها... وفي الليل الذي يفصلها عن عقد مؤتمرها السادس، تنام فتح على قلق في كنف كل الاحتمالات المؤلمة، ليل يبدو فيه الاتفاق الوحيد هو تواطؤ الجميع على ذهاب فتح نحو الآفاق المؤلمة، إلا اذا. ولكن التاريخ لا يحترم (إلا اذا) بدون حاملين تاريخيين.
"السفير"

التعليقات