31/10/2010 - 11:02

فتح وإسرائيل وأمريكيا وقناة الجزيرة!../ د.عبد الرحيم كتانة

-

فتح وإسرائيل وأمريكيا وقناة الجزيرة!../ د.عبد الرحيم كتانة
ليس من الإنصاف وضع هذه الأطراف الثلاثة في سلة واحدة، فحركة فتح حركة فلسطينية مناضلة ,وهي من علمتنا ألف باء السياسة والنضال وعلمتنا أيضا أن الامبريالية والصهيونية هم ألد أعداءنا.ولكن.........وفيما يخص العنوان:
ما هو العامل المشترك بين هذه الأطراف وفي هذا الملف بالتحديد؟ سؤال لا بد أن يخطر على بال البعض هذه الأيام، وهو يرى ويسمع الحملة العشواء التي تشنها هذه الأطراف مجتمعة على قناة الجزيرة. بداية لا بد من التأكيد أن قناة الجزيرة الفضائية والتي انطلقت قبل اكثر من عشر سنوات أحدثت تحولا استراتيجيا في ميزان الاعلام العالمي الذي كان مقتصرا، في معظمه، على سرد الرواية الصهيونية الأمريكية للإحداث. وبتنا نعرف أن معظم القنوات الفضائية في الولايات المتحدة وأوروبا مملوكة، بغالبيتها، لليهود الصهاينة المنحازة بالكامل لصالح الرواية الإسرائيلية، بشأن الصراع في الشرق الأوسط، إلى أن انطلقت فضائية الجزيرة وأحدثت انقلابا جذريا في أذهان المشاهدين والمتابعين عبر العالم. وكلنا يذكر الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق وكيف لعبت الجزيرة دورا مميزا في توعية الرأي العام وتنبيهه لما يجري على الأرض من مجازر على أيدي القوات الغازية، مما شكل استفزازا للإدارة الأمريكية التي أقدمت على قصف مكاتب القناة أكثر من مرة وقتل واعتقال صحفيي هذه القناة والضغط على دولة قطر التي تملك وتستضيف هذه القناة من اجل إغلاقها أو إغلاق (فمها). إن ما يصح عن أسباب محاربة الإدارة الأمريكية لقناة الجزيرة يتطابق ،,أيضا ، بالنسبة للإسرائيليين واليهود، الذين يتحكمون أساسا بوسائل الإعلام (وخاصة الأمريكية ). وكانت الحكومة الإسرائيلية تحاول دائما تطويع هذه القناة وإبعادها عن ساحة الحدث حتى لا يرى العالم المجازر البشعة التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، والتي كانت قناة الجزيرة ، وبحق, أفضل من نقل الصورة الحقيقية للصراع. لقد أوضحت صور محمد الدرة وفارس وضحى وهدى وأطفال غزة وقانا وهدم المنازل على رؤوس البشر(راشيل كوري) واقتلاع الأشجار وبناء المستوطنات وعمليات الاغتيال للأبرياء الفلسطينيين واللبنانيين إلى إعادة قراءة ما يجري في المنطقة بطريقة أكثر عدلا من ذي قبل، ولذلك جاء قرار الحكومة الصهيونية بمقاطعة قناة الجزيرة لأنها منحازة إلى جانب الفلسطينيين في الصراع الدائر، كما أشارت الخارجية الإسرائيلية في معرض تبريرها لهذا القرار.وتجدر الاشارة في هذا السياق ان بعض الكتاب الاسرائيليين يطالبون بدعم قناة العربية كبديل للجزيرة!!!!

لكن السؤال هنا لماذا تنضم حركة فتح أو (معظم قادتها وكوادرها) الى جبهة الحرب على قناة الجزيرة؟ لقد قرأنا منذ أيام دعوة عضو المجلس التشريعي عن حركة فتح نجاة أبو بكر إلى إطلاق حملة لمقاطعة هذه القناة بحجة أنها منحازة إلى سرد رواية حماس والى" إظهار الشعب الفلسطيني على أنه صاحب نظرية فناء ، وتُبعد صورته الحقيقة عن أذهان أي مشاهد، حيث لا ترى في لقطاتها سوى نساء تبكي علماً بأن المرأة الفلسطينية يجب أن تقدم أفضل وارقى من ذلك"، على حد تعبيرها.

وتابعت ابو بكر حديثها قائلة: "إن الجزيرة أسقطت من ذهنية الإنسان الفلسطيني والعربي العناوين والقيادات الاجتماعية والوطنية بسبب حربها الإعلامية وبرامجها الموجهة ضد هذه القيادات فلسطينياً وعربياً" (تقصد قيادات فتح بالطبع- الكاتب). وبالرغم من عدم صحة هذا الادعاء فان قناة الجزيرة تنقل الحدث فور وقوعه أيا كان الطرف المسبب لهذا الحدث، حتى لو كان المنفذ هو أبو ادهيم حيث نقلت صور المدرسة الدينية في القدس والقتلى الإسرائيليين، وأبرزت الصواريخ التي انهالت على سديروت ( هذا بالنسبة للطرف الإسرائيلي)وواكبت إحداث حصار المقاطعة في رام الله وأبطال الأقصى وتضحياتهم وشهدائهم وعاشت الحصار مع ياسر عرفات حتى استشهاده. ولكن يبدو ان مايزعج الأخت النائبة صور العناق والقبل في منزل اولمرت ومداخلات جمال نزال التلفزيونية ( وهذا مزعج حقا – ولكن هل قامت القناة بفبركة هذه المشاهد؟). والمفلت للنظر أن الأخت نجاة هي صحافية ناجحة، وأنا اشهد لها بذلك حيث تعرفت عليها من خلال مقابلة صحافية أجرتها معي منذ 22 عاما بالتمام والكمال، فهل يجوز ان ترتكب هذه الغلطة؟!!

الصحيح أن الموضوع برمته ابعد من ذلك بكثير، وجوهره أن هذه الأطراف الثلاثة التي تهاجم الجزيرة على حيادها تعودت على مسلمات امتلاكها وحدها للحقيقة أو الرواية، وان من يقول شيئا يختلف مع رؤيتها يصبح منحازا ضدها ( من ليس معنا فهو ، بالضرورة، ضدنا). لقد عودتنا حركة فتح على أنها العمود الفقري وان كل ما عداها هو زوائد لحمية يمكن إزالته أو إسقاطه متى شاءت، ولا بأس من بقاءه حول العمود الفقري للديكور، وهي تتصرف منذ تأسيسها حتى اليوم على أساس أن أي مؤسسة لها علاقة بفلسطين يجب أن تكون لها كالأجهزة الأمنية والحكومة والوظائف في المحافظات والسفارات ووسائل الإعلام ، وإذا ( تسلل غريب) لإحدى هذه المواقع فيجب أن يكون برضائها وان يكون مضمونا تحت إبطها، فكيف يسمح لهذه القناة (الوقحة) أن تتمرد على العمود الفقري؟

وكذلك تعودت الحكومة الإسرائيلية والأمريكية على ذات المفاهيم .إن آخر ما قرأته هذا الصباح أن مؤسسة إحصائية أمريكية أظهرت أن غالبية الشعب الأمريكي لا يعرفون ما هي خسائرهم في العراق، بل وماذا يحدث في العراق، وقبل أسابيع صرحت فنانة أمريكية مشهورة جدا أنها تسافر خارج أمريكيا لتعرف ماذا يحدث في الشرق الأوسط لان وسائل الإعلام الأمريكية لا تتعرض إلا للصواريخ التي تسقط على سديروت ولا تصور إلا معاناة اليهود الذين يتعرضون للاضطهاد !!! على أيدي الإرهابيين !! الفلسطينيين .هل تصدقون؟؟!!

إنني هنا لا أرى أن قناة الجزيرة خالية من الشوائب والأخطاء(من وجهة نظري) ولكني اقر إن من أهم أحداث القرن العشرين – على الإطلاق- هو انطلاق قناة الجزيرة.


*د.عبد الرحيم كتانة نابلس

التعليقات