31/10/2010 - 11:02

فلسطينيو 48 والسلطة: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم/ عباس إسماعيل

فلسطينيو 48 والسلطة: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم/ عباس إسماعيل
بعد خمس سنوات على استشهاد 13 مواطنا عربيا من فلسطينيي 48 بنيران الشرطة الإسرائيلية لمشاركتهم في نشاطات احتجاجية على جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وبعد خمس سنوات من التحقيقات والانتظار وحبس الأنفاس، وبعد خمس سنوات من دحرجة كرة التحقيقات من لجنة إلى أُخرى، توصلت وحدة التحقيقات مع رجال الشرطة، التابعة للشرطة، إلى خلاصة مفادها إغلاق الملف بسبب غياب الأدلة التي تسمح بإدانة من ارتكب جرائم قتل 13 " مواطنا عربيا" في إسرائيل.

هذه الخلاصة تتناقض وأبسط قواعد المنطق السليم، ذلك ان عناصر المعادلة واضحة، فثمة قتلى، وثمة من أطلق النار، والجهة التي أطلقت النار محددة على مستوى الوحدات الميدانية وعلى مستوى الأفراد ممن أطلقوا النار أو أعطوا الأوامر بذلك، ومع ذلك أتت النتيجة مخالفة لكل منطق.

هذه الخلاصة تطرح أكثر من علامة استفهام، كونها تُجهل الفاعل وتشير إلى عجز مصطنع من قبل وحدة التحقيقات في اكتشاف المجرمين، الأمر الذي يشكل بحد ذاته فضيحة مهنية واستخبارية وقانونية، لأنه يشير إلى فشل كبير في عمل هذه الوحدة، ولا يغير في الأمر شيئا كون هذا العجز في اكتشاف الحقيقة ناجم عن غياب فعلي في الحصول على الأدلة، أم أنه عجز متعمد ناجم عن عدم رغبة وحدة التحقيقات في إدانة رجال الشرطة لأن هذا الأمر يشكل إدانة للشرطة ككل، وهو ما يدفع إلى الاستنتاج أن هدف هذه الوحدة كان إخفاء كل دليل وطمس الحقيقة وليس العكس، وهو ما اثار كثيراً من الاعتراضات والتحفظات على أصل إيكال مهمة التحقيق مع رجال الشرطة إلى وحدة تابعة للشرطة، إذ لا يُعقل أن تكون الشرطة الخصم والحكم في الوقت ذاته.

ويبدو الأمر الأكثر إثارة للاستغراب هو قيام وحدة التحقيقات بتحميل عائلات الشهداء المسؤولية عن غياب الأدلة بحجة رفض هؤلاء الأهالي السماح بتشريح جثث أبنائهم القتلى بعد مرور فترة طويلة على دفنهم، وهو ادعاء يرفضه ويدحضه أهالي الشهداء بالأدلة والبرهان، وبذلك لا تكتفي الشرطة الإسرائيلية بطمس الحقيقة فحسب، بل تقوم بقلب الحقائق وتحميل الضحية مسؤولية الجريمة.

إن للخلاصة التي توصلت إليها وحدة التحقيقات أبعادا بعيدة المدى تتجاوز البُعد الضيق المحصور في الشق التقني والمهني لعمل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ليصل إلى اصل العلاقة بين فلسطينيي 48 وسلطات الدولة اليهودية.

فهذه الخلاصة تضع الأمور في نصابها الصحيح لجهة الطابع الحقيقي للدولة اليهودية وحقيقة المكانة التي يتمتع بها فلسطينيو 48 داخل هذه الدولة، وتضع حدا أيضا لأوهام بعض المراهنين على وجه ديمقراطي-ليبرالي لهذه الدولة بما يسمح للمواطنين العرب في ان يكونوا مواطنين متساوي الحقوق مع المواطنين اليهود، ويؤكد على حقيقة أن إسرائيل ليست ولا يمكن أن تكون، ضمن الظروف الحالية، دولة جميع مواطنيها، ولا دولة ثنائية القومية، بل دولة المواطنين اليهود ودولة يهودية فقط.

كان يمكن للمؤسسة الحاكمة في إسرائيل استغلال هذه الفرصة من أجل أن تتُثبت ولو لمرة واحدة عدم صحة ما تقوله التيارات القومية والوطنية من فلسطينيي 48 من أن التمييز الذي يتعرض له فلسطينيو 48 من قبل المؤسسة اليهودية الحاكمة ينبع من عناصر بنيوية في طبيعتها، ومن اعتبارات متأصلة في العقلية الصهيونية من جهة، وتعزيز، من جهة ثانية، بعض الأوساط العربية الداعية للأسرلة والمدعية بأن ظاهرة التمييز مجرد خلل قابل للاصلاح بقدر ما يُظهر العرب من ولاء للدولة ومؤسساتها وأهدافها. لكن يبدو أن حال الدولة اليهودية ومؤسساتها ينطبق عليه المثال القائل أن" الطبع يغلب على التطبع".

ثمة مسألة أُخرى على قدر من الأهمية تتعلق في الدافع الذي يجعل مؤسسات الدولة اليهودية تفوت الفرصة تلو الأُخرى لإزالة التوتر عن العلاقة بين العرب واليهود داخل إسرائيل، ذلك أنه من المنطقي الافتراض أن المؤسسة الحاكمة معنية بأفضل نوع من العلاقة مع مواطنيها العرب لا سيما في ظل الظروف والتعقيدات الكثيرة التي تعيشها، بيد أنها تصر مع ذلك على اعتماد كل السبل لدفع العرب من مواطنيها نحو مزيد من التهميش والحرمان والتمييز ومزيد من الشعور بحالة من عدم الرضى والتهديد المستمر من قبل الدولة التي يعيشون فيها. وهذا الأمر وإن كان يعود كما سبقت الإشارة إلى اسباب بنيوية في عقلية المؤسسة الحاكمة، إلا أنه يهدف أيضا إلى جعل فلسطينيي 48 يعيشون دائما حالة من عدم الاستقرار وعدم الطمأنينة على المستويات كافة، تتجلى في كل الممارسات المجحفة بحقهم، على أمل أن تسهم هذه السياسية يوما في خدمة مشاريع وخطط ترحيلهم عبر التسويق لفكرة تبادل الأراضي والسكان مع الدولة الفلسطينية العتيدة، وهي خطط ظهرت في اكثر من مناسبة وموقع، وإلا كيف يمكن فهم سياق وأهداف السياسات التي تتبعها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ضد فلسطينيي 48.

من هنا تصبح مسألة التعاطي مع قرار وحدة التحقيق تتجاوز البعد الإجرائي، لتطال حقيقة واقع ومستقبل الوجود العربي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، وهو ما يُفسر ردة الفعل القوية والعنيفة على هذا القرار الصادرة عن كافة التيارات والهيئات السياسية والفكرية من بين أوساط فلسطيني 48.

التعليقات