31/10/2010 - 11:02

فنّانون عرب "يؤنسنون" وحشيّة إسرائيل/ فراس خطيب

فنّانون عرب
تنتمي الفلسطينية ميرا عوض، التي ستمثّل إسرائيل في مهرجان الأغنية الأوروبية، إلى فئة فنانين يتباهون بأنَّهم يرون „الصراع” الفلسطيني- الإسرائيلي „من وجهة نظر أخرى”، وهم على درايةٍ تامةٍ بأنَّ لـ "الصراع" وجهًا واحدًا فقط لا غير، فيه الجلاد والضحية وفيه السجن والسجّان.

لكنَّ الفنانة المنخرطة منذ زمن في المشهد "الثقافي" التل أبيبي، تصمّم على تجميل الواقع المأساوي بـ "رومانسية الانتهازيين"، وهؤلاء الانتهازيون الطامحون لاعتلاء المنصات بأي ثمن يتقنون (بإبداع خلاّق) قبول العروض البخسة والسعي إليها في خدمة مطامح شخصية بائسة، ويتسترون بـ”وجهة النظر الأخرى”. ومن هذا المنطلق، تركض عوض لتشرح قرارها تمثيل إسرائيل بعد العدوان على غزة إلى جانب الإسرائيلية أحينوعام نيني التي أيدَّت الحرب. وماذا يريد الصحافي الغربي أو الإسرائيلي، أفضل من "فنانة" فلسطينية تمثل الدولة العبرية لتظهر "وجهًا آخر" عجزت عن إظهاره الخارجية الإسرائيلية بكل ما أنفقته من ملايين على الدعاية؟! وهل هناك مشهد دعائي أجمل من فنانة عربية فلسطينية وأخرى إسرائيلية (تؤيد الحرب وتدّعي اليسارية)، على منصة واحدة، تغنّيان بالعبريّة والعربية والإنكليزية؟

لسخرية الأقدار أنّ الفنانتين، اللتين ستمثّلان كياناً صار رمزاً للاحتلال، تشاركتا سابقاً في أداء أغنيات شهيرة لفرقة الـ”بيتلز” تندرج ضمن أغنيات الاحتجاج التي اشتهرت في أميركا الستينيات وصارت رمزًا لمناهضة الحرب والدعوة إلى السلام والحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الأقليّات والمهمّشين. حتى أنّ بعض الصحف الغربية عنونت مشاركتهما في "يوروفيجن 2009" تحت عنوان عريض هو "أعط السلام فرصة مع ميرا ونينا" في إشارة إلى أغنية الفرقة البريطانية الشهيرة.

عوض هي صيغة مستحدثة من "الفنانين العرب الصالحين" الذين قبلوا السفر في مؤخرة الوفود الإسرائيلية. يتجنب هؤلاء الجدل لإضفاء الشرعية على عدمية مواقفهم. هم أصحاب الرسائل الوسطية الباهتة التي لا تغضب أحدًا ولا تواجه الواقع وكلامهم لمجرد "أني تكلمت". حين تثقل الأسئلة عليهم، يهربون نحو التعريف البكائي المجرد بـ "أنا فقط فنان"، متجنبين إبداء المواقف وساعين نحو تصوير الحلبة الثقافية وكأنَّها معزولة عن السياسية، لحفظ مكانتهم على الساحة العبرية، متناسين أنَّ لا فصل بين فن وثقافة وسياسة على أرض الصراعات.

والإسرائيليون الذين سيرسلون عوض لتغني بإسمهم، يوثّقون مع مرور السنوات الربط بين فنّهم وسياستهم، ولجأوا أخيرًا إلى توثيق الربط بين فنهم وعسكرهم أيضًا، ويمنعون بدعمٍ من الحكومة والجيش فنانين إسرائيليين من الغناء في مهرجاناتٍ رسمية كونهم "تنصلوا من خدمتهم العسكرية"، علمًا بأن هؤلاء الفنانين تنصلوا لأسباب اجتماعية وطبية وغير متعلقة بموقفهم من الاحتلال. ويتعمّد المسؤولون السياسيون والعسكريون مهاجمتهم وإهانتهم ومقاطعتهم، وهذا ما أجبر واحدةً من الفنانات الإسرائيليات، تجاوزت الثلاثين من عمرها للتجند ثانية في الجيش الإسرائيلي لتتم دعوتها لهذه المهرجانات. وفي ظل واقع كهذا، يطرح السؤال عن اختيار العربية الفلسطينية التي لم تؤد الخدمة العسكرية لتمثل إسرائيل في روسيا. ألا يبدو اختيارها غريبًا؟

يطلق الإعلام الغربي لقب "ناشطة السلام"، على نيني شريكة عوض في الأغنية، ولا نعرف عن أي سلام يتحدثون؟ فعندما كان الفوسفور يحرق جثث الأطفال في القطاع، كتبت نيني "رسالة مفتوحة إلى الغزيين"، مقمشة بعبارات وديماغوغيا رخيصة في مخاطبة "أخوتها" في غزة. وجاء في إحدى فقرات الرسالة التي نشرها الموقع الانجليزي لصحيفة "يديعوت أحرونوت": "أنا أعرف أنكم في أعماق قلبكم تتمنون موت الوحش المسمّى "حماس" الذي حوّل غزة إلى كومة مهملات تعجّ بالفقر والمرض والبؤس. كل ما في وسعي فعله هو أن أتمنى لكم أن تقوم إسرائيل بعملها وتقضي على هذا السرطان من أجلكم!"

ونيني أيضًا، حالة "يسارية" باهتة، تنكشف في الحروب الإسرائيلية وتنخرط ضمن الإجماع، لتنضم إلى سرب الأدباء "اليساريين" الإسرائيليين ممن يكشرون عن أنيابهم في الحروب. وقبل نيني، كتب "التقدمي" عاموس عوز مقالةً على الصفحة الأولى في صحيفة يديعوت أحرونوت تأييدًا لـ "بداية الحرب" على غزة، وكذلك أ.ب يهشواع هاجم الصحافي التقدمي جدعون ليفي الذي أدان في مقالة له قتل الأطفال في غزة. وقد سبقهما في الأسلوب "اليساري" يهشواع سوبول عندما كتب مقالاً مؤيدًا للعدوان على لبنان تحت عنوان "حرب ضرورية". وهؤلاء "اليساريون" أخطر من اليمينيين أصحاب المواقف المعلنة، لأن العالمين الغربي والعربي على حدٍ سواء، يثقان للأسف بعوز وسوبول أكثر من أي وزير في حكومة بنيامين نتنياهو.

كم من الوقت سيمضي حتى يفهم بعض "النجوم العرب"، بأنَّهم أدوات تستعمل عند الحاجة. والقضية لا تقتصر على نجوم المشهد الفني التل أبيبي، ممن يلثغون بالراء حين يتحدثون العبرية، إنما هم جزء من حالة "عربية إسرائيلية" في السياسة والفن والمجتمع، فنرى النائب العربي (كاديما) مجلي وهبة يطالب بمقاطعة "الجزيرة" لأنها "ليست موضوعية تجاه إسرائيل"؛ والوزير للإسرائيلي اوفير بينيس ينسحب من حكومة إيهود أولمرت بسبب انضمام أفيغدور ليبرمان فيجلس مكانه الوزير العربي غالب مجادلة، وهو أيضًا "يرى الصراع من وجهة أخرى"، لكن في المحصلة، كلهم أدوات.

في أيار المقبل، كما يبدو اليوم، ستقف ميرا عوض على المسرح الروسي إلى جانب احينوعام نيني، ولن تكترث لنداءات بعض الفنانين الذين حاولوا إقناعها بعدم الانزلاق. وستغني عوض ونيني بالعربية والعبرية والانجليزية، علمًا بأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتبع نهجًا منذ عقود لضرب هذه اللغة وهذه الحضارة. ويبعثون بفنانة عربية إلى أوروبا وكأنَّ إسرائيل صديقة للثقافة العربية، علمًا بأنها تزرع منذ عقود مخاتيرها لإنهاك ما تبقى من هذه الساحة.
(أوكسفورد/ بريطانيا)

التعليقات