31/10/2010 - 11:02

في استقبال أوباما: دعـوة إلى المزايدة../ فواز طرابلسي

في استقبال أوباما: دعـوة إلى المزايدة../ فواز طرابلسي
لا يوجد شريك إسرائيلي للسلام مع العرب.
واقع الأمر أنه لم يعد يوجد شريك إسرائيلي لعملية السلام مع العرب منذ زمن. هذا إذا افترضنا أنه قد وُجد ذلك الشريك أصلاً. لم يعد يوجد مثل هذا الشريك على عكس ما نجحت الدولة العبرية في إقناع قسم كبير من الرأي العام العالمي ـ وقسم لا يستهان به من الرأي العام الرسمي وحتى الشعبي العربي ـ من أننا نحن المتصلّبون، المتطرفون، الحربجيون، المتشددون في رفض السلام بما هو قرين الاستسلام.

ولو شئنا أن نعيّن بدء ميل الرأي العام الإسرائيلي ضد أي سلام مع الفلسطينيين وسائر العرب، فإن البداية كانت مع مجيء نتنياهو إلى الحكم واعتماده سياسة التباطؤ في تنفيذ اتفاق أوسلو. ما عنى بادئ بدء تأجيل الانسحابات وتسريع وتيرة بناء المستوطنات وتوسعها.

ولم يوجد شريك إسرائيلي في عملية السلام منذ أن تبيّن أن "الوسيط النزيه" الأميركي ليس منحازاً وعديم النزاهة وحسب بل إنه يعطي إسرائيل أيضاً شيكات على بياض لتخريب أية تسوية.

وصار غياب الشريك الإسرائيلي في عملية السلام حقيقة تفقأ العين منذ تتويج أرييل شارون "ملكاً على إسرائيل"، واجتياحه الضفة ومجازره، وبناء جدار الفصل العنصري، وتزايد وتيرة بناء المستوطنات، وابتلاع الأراضي، وإتلاف مصادر رزق الناس، وتهويد القدس، وتقطيع أوصال الضفة الغربية، وسجن أهالي غزة في سجن يبدو إزاءه "معسكر غوانتانامو" أو "غيتو وارسو" أقرب إلى واحدة من الشقق المفروشة في شارع الحمراء.

وكان كل أثر لشريك إسرائيلي في عملية السلام قد امحى عندما التأم شمل الرؤساء والملوك العرب في بيروت وتبنوا مبادرة الأمير عبد الله الداعية إلى الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة عام 1967 مقابل السلام الكامل من قبل العرب، بما فيه الاعتراف والتطبيع. ومع ذلك لا يزال الموقف العربي الرسمي يصر على مبادرته الموجهة للاأحد، على طريقة "عنزة ولو طارت"!

ولمن يحتاج إلى المزيد من الأدلة، لا بد أن تفيده نظرة إلى المعركة الانتخابية الدائرة رحاها الآن في إسرائيل. فقد بدا رئيس الليكود كحمامة سلام منتوفة الريش في وجه كواسر حزبه الذين كادوا أن يطيحوه في معركة اختيار مرشحي الحزب الأخيرة. علماً أن بنيامين نتنياهو هذا يعلن بصراحة معارضته صيغة أنابوليس وامتناعه عن دخول أية مفاوضات تتعلق بالحل النهائي. بل إنه يعد ناخبيه بأنه لن يدخل في مفاوضات أصلاً مع الفلسطينيين بل سوف يغلّب تحسين أحوالهم الاقتصادية ـ تحت الاحتلال، طبعاً ـ على التفاوض معهم في السياسة.

ردت رئيسة حزب كديما تسيبي ليفني على ما بدا أنه تطرف متزايد في صفوف الليكود بالمزايدة القصوى، إذ جددت دعوتها لإجلاء فلسطينيي الأراضي المحتلة في العام 1948 إلى "الدولة الفلسطينية"، ونجحت وزيرة الخارجية في تطمين شركائها العرب في عملية السلام بأنها لم تقصد ما قالت.

في المقابل، يحاول إيهود باراك مداراة التراجع المروّع لشعبية حزب العمل بتهديد لبنان بضرب بنيته التحتية ـ كأنه يخبرنا عن ضربة غير مسبوقة! ـ ويتوعّد "حزب الله" بتحقيق النصر عليه خلال خمسة أيام! وهكذا فبعد التهديد بزحف الفرق العسكرية الخمس، يجب أن ننتظر هجمة الأيام الخمسة من "شريكنا" في عملية... السلام!

هذه هي مواقف أبرز ثلاثة أطراف في الحياة السياسية الإسرائيلية: تهديد بحرب جديدة، والعزم على تهجير الفلسطينيين، ورفض التفاوض أصلاً. فأين نجد شريكاً في عملية السلام بين هؤلاء؟!

سوف يقال إن هذا التصـعيد إنما هو تكتيك استباقي درءاً لأي ضغط قد يمارسه الرئيس الأميركي الجديد على إسرائيل لتقديم تنازلات لا ترغب فيها. وقد يكون هذا الأمر صحيحاً.

وسوف يُقال إن التصعيد يأتي لأغراض انتخابية. والقول لا بد يحتوي مقداراً من الصحة. لكن قادة إسرائيل إذ يستطيعون هذا المقدار من المزايدة يعرفون أنهم يخاطبون جمهوراً قابلاً لاستقبال مثل هذه الشحنات من الهلوسة العنصرية والتعبئة الحربجية.

حسناً، فلنزايد، إذا كانت المزايدة تسمح لعدونا بأن يفرض على العالم إرادته. فلماذا لا يزايد العرب ويستبقون؟
فلنزايد، ولو من قبيل التشبّه بالآخر. فنستقبل ولاية الرئيس أوباما بالمزايدة.

فلنزايد، فنمتلك الجرأة على إعلان الحقيقة. فلتعلن الدول العربية مجتمعة بعالي الصوت وبوضوح مثل عين الديك أنه لم يعد يوجد شريك إسرائيلي لعملية السلام.
وإن هي لم تلق استجابة لإعلانها الأول، فلتعلن تعليق اتفاقات السلام المعقودة مع إسرائيل. ومن لم يوقع بعد، يعلن تعليق المفاوضات المباشرة وغير المباشرة.

في استقبال ولاية الرئيس الأميركي الجديد، فلتعلن الدول العربية والشعوب ما يشبه الإضراب عن عملية السلام.
الإضراب. نعم، مثلما فعل ويفعل عمال المحلة في مصر. ومثلما يضرب الآن الأساتذة المتعاقدون في لبنان. والإضراب أيضاً وأيضاً مثل الذين اعتصموا مؤخراً في العربية السعودية تضامناً مع الأحد عشر سجيناً من سجناء الرأي.

فلتضرب الدول العربية ولتقتحم بجرأة مقر الأمم المتحدة، احتجاجاً على مقرراته الأخيرة، تماماً مثلما فعل مؤخراً ممثلو ذوي الحاجات الخاصة وأهالي المفقودين في الحرب عندما اقتحموا احتفالاً لحقوق الإنسان نظمته الأمم المتحدة في بيروت ففرضوا حضورهم والمطالب.

ليكن إضراباً سلمياً. لكنه إضراب، حتى لا نكرر المكرّر ونجرّب المجرَّب للمرة الألف حتى الذلّ. فنقدّم ولو مرة غير ما هو متوقع منا.

إضراب سلمي حتى لا نستقبل الرئيس الأميركي الجديد بالانقسام الفلسطيني والعجز الرسمي العربي. و"ممانعة" ليست إلا طلباً للشيء ذاته ولكن على تمنّع وحياء.
الإضراب السلمي، حتى لا يُترك لنا، نحن من تسمّينا الفضائيات النفطية أبناء "الشارع العربي"، أن نقضي الأشهر المقبلة نتلهى بمديح حذاءي صحافي يساري عراقي جريء، بعد أن قضينا الأشهر والسنوات نسبّح بحمد حجارة أطفال... الحجارة!
"السفير"

التعليقات