31/10/2010 - 11:02

في شفاعمرو اكتشفنا: ايادينا نحن كانت مكبلة وليس يدا الارهابي/امير مخول

في شفاعمرو اكتشفنا: ايادينا نحن كانت مكبلة وليس يدا الارهابي/امير مخول
الى جانب هول مجزرة شفاعمرو التي نسفت اوهام ضمانات المواطنة, وشكلت حدثا اكبر مما تعودت عليه الحركة السياسية والمؤسسات الفلسطينية في الداخل, وقد يكون اكبر من قدراتها الراهنة على مواجهته, فان هذا الحدث سوف يلاحقنا بقدر ما لا نلاحقه, او اذا لم نتعلم العبر منه ونستعد لمواجهة مخاطر المستقبل ضمن تقاسم الهم والثمن الفلسطينيين. واذا لم نتدارك الوهم وكأن ما جرى مجرد حدث عابر فان الضربات القادمة ستكون اكثر ايلاما, لان الارهاب الاسرائيلي طليق الايدي. فعلي غرار مجزرة شفاعمرو جرت هذا الاسبوع مجزرة ارهابية اسرائيلية نفذها مستوطن من شيلو في الضفة الغربية, وجرى تدنيس مسجد حسن بيك في يافا والاعتداء عليه وعلى مشاعرنا, بشكل يشير ليس فقط الى وجود عنصرية دموية منظمة بل ايضا الى حالة واجواء لا تتطلب تنظيما ارهابيا منظما على مستوى البلاد بل كل عنصري ارهابي يستطيع ان يطلق العنان لخياله ومن ثم يطلق النار علينا اينما كنا.

في المقابل فان المؤشر الرسمي الاهم لملاحقة المجزرة لنا هو قرار اجهزة الحكم والامن التحقيق مع الشفاعمريين حول "الاعتداء" على الجندي الارهابي الاسرائيلي وقتله ضمن ما اسموه بعملية "اللينش". والذي سيشكل ضربة معنوية في صميم وحدتنا ومحاولة دق الاسافين بين الناس ونقل المعركة الى معركة بيننا بدل ان تكون مع الواقع الاسرائيلي الذي ولّد هذا الارهابي كما غيره. فالمؤسسة التي غسلت ايديها من الجريمة والمسؤولية عنها, وسلكت كما لو كانت تعانق جماهيرنا وكما لو اعتبرتنا معهم في ركبهم "الحضاري" ضحايا الارهاب, سوف تتفرغ هذه المؤسسة الان لتصفية الحساب معنا من خلال التحقيقات البوليسية والمخابراتية لكشف النقاب عن قتلة الجندي الاسرائيلي وتقديمهم الى القضاء باسم القانون والقيم العسكرية الاسرائيلية.

وقبل مناقشة البعد الاخلاقي او التهمة الاخلاقية التي اطلقتها اقلام بعض الزملاء, وخاصة الزميلين مرزوق حلبي (الاتحاد 12 اب) وايمن عودة (موقع NRG الالكتروني التابع لصحيفة معاريف – 17 اب) فلا بد من تأكيد انعدام اية حماية للناس بل ان جماهيرنا تعيش في وطنها من ناحية لكن تحت وطأة نظام عنصري وشارع عنصري دموي. ولا احد منا لا حركات ولا مؤسسات ولا افراد يستطيع ان يحمي الناس ويوفر لها حالة الامان, ومن هنا اشكالية ان نحدد للناس ما هو مسموح وما ممنوع وان يسلكوا وفق المسطرة العقلانية التي نطلب من الناس ان يسيروا وفقها ونطرحها نيابة عنهم, بينما الناس وفي هذه الحال ركاب الباص في شفاعمرو فان من قتله الارهابي كان صدفة ومن لم يقتله كان صدفة ايضا.

المسألة الاخرى انه لا يوجد تفوق اخلاقي عرقي, والسؤال او المعادلة ليس اخلاقنا مقابل اخلاق اسرائيل, السؤال لماذا تقمصنا وضعيتهم نحن الفلسطينيين في وطننا وفي دولتهم دولة اليهود. فدولتهم هي التي تحميهم كيفما تصرفوا لانهم يهود, وهي التي تبيح كل حقوقنا بلوغا الى الحق بالحياة كوننا فلسطينيين كونها دولة يهودية ودولة اليهود ببعديها الكولونيالي والعنصري.

قيم العسكرية الاسرائيلية هي قيم عسكرية في جوهرها وليست معيارا اخلاقيا لنا. وهي بالاساس ملزمة لدول وانظمة وفق معايير دولية مثل قتل الاسرى وما اليه. والكثير يذكر باص رقم 300 في الثمانينات, عندما قتل احد قادة المخابرات الاسرائيلية الفدائي وهو مقيد. لكن اسرائيل اقترفت جرائم جماعية في تاريخ حروبها العدوانية ضد اسرى حرب مقيدين كما جرى في سيناء ضد الاسرى المصريين للتخلص منهم بدل اقتيادهم للاسر.

باعتقادي ان الزميل ايمن عودة قد وقع في مطب, حينما اورد في مقاله قتل الاسرائيليين للفدائيين الفلسطينيين الذين نفذوا عملية عسكرية في بيسان. والمطب هو في موازاة الحالتين. وهنا يكمن الخط الدقيق الفاصل بين المقاومة والمذبحة, وهذا التمييز هو باعتقادي جزء او مركّب من المعادلة الاخلاقية.

على مستوى اخر وقع الزميلان حلبي وعودة في فخ اخر عندما توقعا من الناس التي "رأت موتها باعينها" او موت اعزائها, ان تسلك بشكل راشد وعقلاني وتخطط بعقل بارد للشكل الاجدى من الاستخدام الاعلامي او لفضح العنصرية, وذلك عند التحدث عن محاكمة الارهابي وفضح التواطوء الاسرائيلي الرسمي معه وخلال محاكمته. وفي هذا لوم على الناس التي لم تحقق "المتوخى منها". في الحقيقة ان هذا تعامل وظيفي مع سلوك الناس ورد الفعل العفوي, اي ان المعيار هنا وظيفي وليس اخلاقي.

باعتقادي ان هذا الموقف واللوم – لوم الضحية (مع المعذرة لاميل حبيبي) يلتقي مع موقف اخر سمعناه مؤخرا (ليس من الزميلين حلبي وعودة) من اوساط جماهيرية تطالب بهدم بيت الارهابي اليهودي اسوة بهدم بيت الفلسطينيين الذين قاموا بعمليات عسكرية داخل اسرائيل. فالمشترك في هذه التوقعات ليس بالضرورة الموقف القيمي بل الوهم بان مواطنتنا تعني شيئا او تمنحنا حصانة او تجعلنا متساوين مع اليهود في كل شيء او بالاحرى في اي شيء.

في حالتنا في وطننا وتحت وطأة اسرائيل فاننا نعيش حالة تهدر بها الدولة واجهزتها حقوقنا وتضع علامات السؤال على حقنا بالوجود في وطننا كما يجري في النقب يوميا, وشهدنا المجازر السلطوية التي لا زالت اكثر من الارهاب الشعبي بدءا من العام 1948 مرورا بمجزرة كفر قاسم ويوم الارض ومجزرة انتفاضة الاقصى كل هذه في حال فصلنا "مجازرنا" عن المجازر الكبرى التي اقترفتها اسرائيل ضد شعبنا في جنين ورفح وصبر وشاتيلا والقائمة طويلة جدا. فكل هذه لا تدعنا نركن الى الدولة او ان نأتمنها على امننا وحياتنا. فالدولة هي مصدر الخطر الاول والارهابي الجندي الاسرائيلي زادة هو وليد الواقع الاسرائيلي وليس وليد المستوطنات, لان المستوطنات هي وليدة الواقع الاسرائيلي. وفي المفهوم الاسرائيلي لا تقع المستوطنات خارج الشرعية الاسرائيلية وسكانها لا يتم اعتبارهم اقل شرعية او مواطنين من الدرجة الثانية مقارنة باليهود داخل الخط الاخضر, بل ان لهؤلاء امتيازات اكثر من المواطن العادي. فمثل هذه الدولة لا تحمينا ولا نتوقع منها ان تحمينا الا بقدر ما نحاصرها ونفضحها, لكن جوهرها يبقى معاد لوجودنا في وطننا نحن اهل البلاد كوننا فلسطينيين.

في الحالة الاسرائيلية فاننا في شفاعمرو كما في كل بلداتنا وتجمعاتنا نحن المحاصرين فعلا جماعيا وفرديا, ونحن ايدينا مكبلة من خلال التهميش والقمع والملاحقة والمراقبة والقانون واجهزة القمع, اما ايدي الارهاب اليهودي فهي طليقة لا يردعها رادع بل انها تتمتع بكامل الحرية.

من حقنا ومن واجبنا ان ندافع عن انفسنا عن وجودنا وان نردع الارهابي القادم, او نخلق وضعا تضطر الدولة الى ردعه.

التعليقات