31/10/2010 - 11:02

في عبثية القتل والضرب وفعل صلاة العراء لا بد من الرحيل../ يونس العموري

في عبثية القتل والضرب وفعل صلاة العراء لا بد من الرحيل../ يونس العموري
لأن المشهد قد صار قاسيا بقسوة الهراوات الملوحة بسماء غزة، ولأن الضرب قد صار فعلا يوميا من أفعال قبضايات العسس والعساكر الجدد، ولأن يومنا قد صار مشوها، ويوم الجمعة قد أضحى دمويا والركوع فيه لرب عزة السموات صار فعلا ثانويا، ومطاردة ذواتنا بحواري شقاء غزة يشغل بال كل الكاميرات التي تحاول أن تختبئ ما بين الأجساد المتراكضة هربا من الضرب ولا اقصد إلا (الضرب) كون الضرب هو الفعل الجديد والمرادف الطبيعي لـتأديب من تسول له نفسه الإعتراض على الحكم البوليسي العسكري الجديد الذي يحاول أن يقيم حكم صوامع أمراء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعد أن تم اجتثاث حكم (دايتون) وشاليهات البحر البائس، ولأن مطاردة الفرائس تتطلب الفراسة ونصب الكمائن ومحاصرة المكان والسطو على الأزمان لتحقيق رؤى أحلام الملثمين بالأقنعة السوداء... فلهؤلاء أيضا أحلام يجتهدون بكل السبل لملامسة وقائعها، ولأن أحلامهم قد صارت كوابيس في منامات الآخرين، فكان لابد لهم من أن يعتلوا منابر السلاطين ليمارسوا الشيء القليل من فعل جهابذة تطويع الكلام في عصر سيادة لغة فعل الهراوات، ليكون لهم ما يكون من صناعة متقنة لإمارة الحكم الرشيد، ولأن التحرير والتحرر من رجس الإحتلال، قد صار صعب المنال، فكان لابد من الجهاد، وهذا الجهاد لا بد من أن يتواصل لعبور جنة الله، أوليست الجنة هي المنال..؟؟ والاحتلال وأفعال الشيطان في العرف هم وكلاء التخريب، وحيث أن التخريب هو من صنع شياطين حواري غزة فلا بد إذن وحسب مقاييس ومعايير مقامات الحكم الرشيد من الضرب بيد من حديد على من يسجد ويركع مصليا في العراء، فالعراء خدشا وكشفا للمستور....

... فاليوم الصلاة هنا بعراء الغزة وفقا لإرادة حاكمية رام الله وانسجاما والموقف السياسي الجديد الذي لا يستوي ودعوات الخطيب المعتلي لمنبر تحرير القطاع من رجس أفعال صغار (دايتون) كما يقولون... لا... لا بد من أن تكون الصلاة تحت سقف المسجد وبيت الله والمقنع بالسواد يعدكم بأن يحرس المسجد والمعبد الذي يخاف أن ينهدم على رأس السلطان....

ولأن لغة السجال والتراشق الإعلامي وسياسة التكذيب والتفنيص على الأخر (الخصم السياسي في الوطن) قد أضحت سيدة المشهد العام، ولأن لغة التكفير والتخوين وكيل الإتهامات قد صارت واحدة من أهم سمات فن خطابة الكلام واحتراف صناعة المفردات من قبل قادة الكلام السياسي على الساحة الفلسطينية، ولأن أبطال الشاشات الفضية الفضائية قد صاروا نجوما يتسابقون لإرضاء سادة الأحلاف والمحاور في المنطقة، ولا يمكن أن يستقيم يومهم إن لم يعتلوا منصة الكلام مبتدئين بخبر السب والقدح والذم والتطاول على المسلمات بالوطن، ولا ندري إن انهار بالكامل المشروع الذي يقال عنه الوطني تحت وطأة تخريب وتشويه الصورة العروبية الفلسطينية.

ولأننا صرنا الممزقين ما بين إمارة غزة وحكامها، وحاكمية رام الله وزعمائها، صرنا التائهين بكل شيء، وصرنا نشك بفلسطيننا، ونشك بأحلامنا، ونشك بأجسادنا، وهل من الممكن أن نمتلك زمام مبادرة أحلامنا من جديد...؟؟ بعد أن صرنا مبرمجين لردود أفعالهم وفق أهوائهم ووفق رغبات سادتهم وسادة وقادة أحلاف محاورهم...

وحيث أن هؤلاء جميعا قد صاروا الأمراء والزعماء ... فمن الطبيعي إذن أن يتحول السجال والكلام إلى احتراف أصول فعل السياسة ودهاليز تسجيل النقاط بلغة المواقف على الآخر التي أصبحت هي اللغة السائدة والأم التي يتحدث بها الفريقان وغابت عن ذهنهما لغة الثورة المقاومة والممانعة التي انسحبت من مشهد وقائع الفعل الفلسطيني الراهن، وبالتالي لا بد أن يأخذ الجرح الفلسطيني المعتق دوره في المعركة.. ولا بد أن يعود ليقص حكايته من جديد كشاهد عيان على التضحية ، وكضحية في ذات الآن.. وقد أنيط به دور الطعم الذي يتم به اصطياد الغنائم.. فهذا زمن تباع فيه بلاد وتشترى أخرى... زمن تعرض فيه فلسطين بالمزاد الدبلوماسي، أو يصطحبها أصحاب المغانم معهم في الحفلات التنكرية كبرستيج تراثي..

هو المشهد الفلسطيني بخربشات تناقضات سادتنا وألاعيب ممارساتهم إرضاء لمولانا... ولسيد بلاد العم سام... ولحراس عصر العولمة... بهذا المساء كان القتل والضرب سيد الموقف... وسيد الكلمة المقدسية، أمير الشعر ينشد ما تيسر من تراتيل الكلام الموزون بحضرة الصحراء ببراري الصقر، وبحضرة كل "الآلات" ( آل نهيان وآل مكتوم....) الرحماء على فلسطين وكلام سفير شعرها أكثر من رحمة ممن يتدافعون قتلا وضربا ببراري تيه مدننا، المتزاحة شوارعها برجال صاروا يحترفوا فعل الإنتظار لمخلصهم من حقد أفعالهم الجديدة....

هكذا صارت فلسطين تنشد رحمتها من سادة المدن الأخرى.. ويهرب ونهرب معهم نحن أبناء هذا الوطن بعد أن صرنا الغرباء عن المكان وصارت ذاكرتنا لا تحتمل المشهد الذي يأتينا... أي أننا نهرب من الرمضاء إلى النار... ولنا أن نختار ما بين الهرب في وضح النهار أو متسللين تحت جنح الليل خلف جدران العتمة....

وصار الناطقون المتمنطقون بالحجج ووثائق أوهام الحقيقة أبطال اللغة وسادة الموقف.. والناطق الرسمي باسم الجرح باهتا مطاردا مطرودا خارج ذاكرة الزمان والمكان، والسادة قد انسحبوا بإرادتهم تمهيدا لما سيكون من مشاهد المخيمات المترامية على مساحات الذاكرة المدججة بالمذابح.. ثم هاهم المثقفين الذين يبصمون بالحبر على قدسية الدم فيعتقون نبله...

فلسطين هي فلسطين البريئة من غرماء الدم الواحد.. فلسطين ليست المنشطرة كأنها ذرة يورانيوم مخصبة... قد صارت منشطرة... ولأن فلسطين اليوم ليست تلك الفلسطين التي نعرفها.. فلابد إذن من أن نرحل من فلسطينهم حتى نستعيد فلسطيننا..

التعليقات