31/10/2010 - 11:02

قاموس الفشل../د.جمال زحالقة

قاموس الفشل../د.جمال زحالقة
أكثر الكلمات التي تكررت في تقرير فينوغراد هي كلمة فشل ومشتقاتها من فعل مذكر وآخر مؤنث ومصدر وجمع مذكر سالم وغيرها من كل ما له صلة بالجذر "ف- ش- ل".

وردت في التقرير أيضاً بعض الكلمات الحاملة لمعنى الفشل وعدد من مرادفاته، إلا أن اللغة العبرية الحديثة، التي كتب بها التقرير، فقيرة بمرادفات دارجة للفشل، ربما لأن إسرائيل لم تواجه في تاريخها العسكري إخفاقاً كالذي لحق بها في الحرب الثانية على لبنان، على عكس اللغة العربية البليغة في أوصاف الفشل والغنية بمعاني أصنافه وأشكاله، خاصة بكل ما يتعلق بالهزائم العسكرية من عام 48 وهلمجرا.

أوغل تقرير لجنة فينوغراد، بقسمه العلني ولا نعرف ما في السري، في وصف فشل أداء الجيش الإسرائيلي من مستوى الوحدات القتالية الصغيرة، مروراً بقيادة الجبهات والألوية، حتى قيادة الأركان وصولاً إلى مستوى اتخاذ القرارات الإستراتيجية لدى القيادتين السياسة والعسكرية.

ويندرج هذا التقرير ضمن سلسلة من التقارير والتحقيقات التي أعدت وأجريت لاستخلاص العبر والدروس من الحرب، لتكون مرتكزاً لإجراء الإصلاحات والتغييرات اللازمة، بحسب المفهوم الإسرائيلي، للتحضير للحرب القادمة. دفع ذلك احد المختصين بالشؤون العسكرية والإستراتيجية، الجنرال اليميني المتقاعد يعقوب عميدرور، إلى اقتراح منح السيد حسن نصر الله ميدالية ذهبية على أنه كشف مواطن الضعف والفشل في البنية والأداء والجاهزية الإسرائيلية للحرب.

لم تفشل الحرب العدوانية على لبنان من تلقاء نفسها، فقد حظيت إسرائيل فيها بمظلة أمريكية واقية وداعمة وبتأييد دولي وبتواطؤ عربي رسمي، وشنت عدوانها اعتماداً على إجماع إسرائيلي وانقسام لبناني، أي أن كل الظروف المحيطة كانت في صالح إسرائيل. كل شيء كان في صالح إسرائيل إلا أمرا واحدا وهو صمود وتصميم ومستوى أداء المقاومة اللبنانية، التي لم تكشف الفشل الإسرائيلي فحسب بل كانت سبب هذا الفشل. لو كان حال المقاومة غير الذي كانه، أو أن إسرائيل واجهت ضعفاً عربيا، لما دخل الفشل قاموس السياسة الإسرائيلية بالشكل الذي اقتحمه فيها.

لقد استقال أو أجبر على الاستقالة كل من كان له علاقة بالحرب على لبنان، ولم يبق في منصبه سوى رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرط، وانتظر الكثيرون أن تهز لجنة فينوغراد كرسيه بحيث يصبح من الصعب عليه الجلوس عليه.

لكن القاضي المتقاعد فينوغراد وبقية أعضاء اللجنة، لم يحملوه مسؤولية الفشل، ومدوا له حبل النجاة من الغرق. أما إيهود براك، الذي هدد بإسقاط الحكومة في حالة إدانة أولمرط، فقد عبدت له اللجنة طريق التراجع عن تهديداته، وأوضحت له كيف يلحس وعوده السابقة. من هنا، فإن التقرير الصعب بحد ذاته قوبل بارتياح وبهجة في معسكر إيهود أولمرط، لأنه يمنحه فرصة البقاء على كرسيه، رغم الفشل المدوي للحرب التي بادر إليها.

يبدو ايهود اولمرط الرابح الرئيس من التقرير، فحكومته صمدت في وجه ما حمله من رجات. وبعد مضي هاجس فينوغراد بقي لدى أولمرط، هم المحافظة على ائتلافه الحكومي وهو يجيد السباحة في بحر السياسة الداخلية، وهوس الحرب القادمة، التي يريدها ان تمحو عنه وعن دولته عار الفشل في الحرب على لبنان، وقد رسم لنفسه أربعة خيارات حربية: على غزة أو على لبنان، على سوريا أو على إيران. السؤال طبعا، ماذا سيقول له حليفه الأمريكي؟

التعليقات