31/10/2010 - 11:02

قانون الاستفاء والسلام بين اليهود../ د.جمال زحالقة

قانون الاستفاء والسلام بين اليهود../ د.جمال زحالقة

في الوقت الذي تجري فيه، بوساطة تركية، مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، أقر الكنيست الإسرائيلي، بالقراءة التمهيدية مشروع قانون يلزم إجراء استفتاء عام في إسرائيل قبل أي انسحاب من مناطق جرى ضمها لإسرائيل، والمقصود تحديداً الجولان والقدس. خلال التصويت عليه، منح الائتلاف الحكومي أعضاءه حرية التصويت، مما يعني أن النواب صوتوا إلى جانبه بأغلبية ساحقة بمحض إرادتهم وليس التزاماً بمواقف أحزابهم، وكانت المحصلة أن أيده 65 ولم يعارضه سوى 18 نائباً. هذه النتيجة ليست بعيدة عن الأجواء السائدة حالياً في الرأي العام الإسرائيلي، إذ تدل استطلاعات الرأي العام أن حوالي ثلثي الإسرائيليين يعارضون الانسحاب من الجولان ولا تدعم ذلك سوى أقلية صغيرة نسبياً.


لا يمكن اختزال قرار الكنيست على أنه نابع من حسابات الصراعات والمنافسة بين الأحزاب، بل هو دليل على أن إسرائيل، حكومة وشعباً، غير ناضجة للتوصل إلى تسوية سياسية عادلة ومتوازنة. ولعل الرسالة الفورية لمثل هذا القرار هي أن حكومة الدولة العبرية غير جادة في مفاوضاتها الحالية مع سوريا، وأنها، أي المفاوضات، ليست بالنسبة لإسرائيل أكثر من تكتيك في إدارة الصراع، لا مسعى حقيقي لإيجاد حل له. الأهم من هذا كله، هو أن هذا هو مؤشر إضافي إلى أن المجتمع الإسرائيلي غير قادر، من تلقاء ذاته وبتفاعلاته الداخلية، على إنتاج تطور "جواني" نحو التسوية العادلة. هذا يعني استمرار الصراع، وهذا يعني أيضا أنه إذا كانت ستكون هناك تسوية فهي ستفرض على إسرائيل فرضاً، التي طالما لديها مفر فهي ستفر منها.

لا يمنع القانون الجديد إجراء المفاوضات، ولا يمنع، من حيث المبدأ، حتى التوصل إلى اتفاق. لكنه، وبالتأكيد يلقى بظله على عملية التفاوض ونتائجها. حتى الآن، أخذ المفاوض الإسرائيلي ضمن حساباته آراء عشرين وزيراً ومائة في الحكومة التي ستقرر أي اتفاق، وبالأكثر أخذ بعين الاعتبار مواقف مئة وعشرين عضوا في الكنيست الإسرائيلي. بعد إقرار قانون الاستفتاء نهائياً، سيبدأ يجري حساباته على أساس مواقف الملايين من أصحاب حق الاقتراع في الاستفتاء العام، الذي يعطي أفضلية بنيوية لمن يهمه الأمر جداً، وهؤلاء هم المستوطنون ومن يلف ويلتف حولهم.

من هنا فإن حسابات الاستفتاء ستفضي من جهة إلى المزيد من التشدد في مواقف المفاوض الإسرائيلي، وسيؤدي من جهة أخرى إلى تشكيك الطرف العربي المفاوض بجدوى التفاوض إذا كان ما قد يتفق عليه خلال التفاوض غير ملزم لإسرائيل وخاضع لآليات إقرار إسرائيلية غير مضمونة. بالتالي أضحت المفاوضات أصعب والتوصل إلى أي اتفاق أصعب وأصعب.

لقد مر قانون الاستفتاء بعد ضغوط لمستوطني الجولان واللوبي الخاص بهم في الكنيست الإسرائيلي. الملفت للانتباه هو خفة هذه الضغوط، حيث كانت آذان نواب أحزاب اليمين والعمل وكاديما والأحزاب الدينية، صاغية وكان من السهل عليهم التصويت مع الاستفتاء، مع علمهم, وربما بسبب علمهم، بإسقاطاته على إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية. حين احتفى المستوطنون بتمرير القانون، أكد المتحدثون باسمهم أن هذا دليل على أن الأغلبية الساحقة في الكنيست، وليس فقط في الشارع الإسرائيلي، تؤيد إبقاء هضبة الجولان مع إسرائيل. وأكد هؤلاء المتحدثون أن قانون الاستفتاء سيجلب السلام، ولكن ليس مع العرب بل بين اليهود في إسرائيل.

لعل هذا الآمر هو عنوان المرحلة في إسرائيل، انسجام أكثر في المواقف السياسية داخلياً، وابتعاد متواصل عن إمكانية التسوية، وآن الأوان أن يبتعد الواهمون أيضاً عن أوهامهم. من المستبعد جداً أن تكون هناك حاجة لإجراء الاستفتاء على التسوية، لأنها أصلاً كانت بعيدة المنال، فما بالك بعد سن قانون الاستفتاء، الذي جاء ليلغي إمكانية استعماله.

التعليقات