31/10/2010 - 11:02

قبر في لاركانا../ غسان الشامي

قبر في لاركانا../ غسان الشامي
ما زال الغبار سيّد الهواء الثقيل في قرية جارهي خودا بخش في لاركانا، يثيره حصان أو ديكُ متباهٍ أو عربة مصفحة كالتي أقلت بي نظير بوتو من مطار سوكور إلى ضريح والدها الفخم في ذلك المكان المسوّر بالفقر والتراب والأحلام الموؤودة، بعد غياب أميري دام ثمانية أعوام بين دبي ولندن قبل أن يتدخل زلماي خليل زاد لتدبير عفو خاص من جنرال عموم السند والبنجاب وبلوشستان المجالِد للحفاظ على نجومه فوق كتفيه.

ورود حمراء كثيرة مثل الدماء التي سالت في كراتشي عاصمة السند، ليلة استقبال العائدة إلى مخمل أحلام الكرسي بعد تجربتين فاشلتين،..ورود حمراء تغزو الفضاء المترَب الذي لم تنفعه اشتراكية الأب الإسلامية أو حتى تلك المدوّرة ديمقراطيا، ولم توصل الإسفلت إلى مُرابعي ومناصري العائلة الإقطاعية في "نوديرو" كما لم تدخل التكنولوجيا في ظل حكم الوريثة المعولمة التي أصمّت الأسماع بكلام بسكويتي عن تحرير المرأة وعملها في مجتمع تتسلق نسبة الأمية فيه 70%، كما تستخير الأولياء وأصحاب الكرامات.. هو مجرد كلام وليس رغيفاً في معاجن السنديين.

ورود حمراء كثيرة وكلام عاطفي مشوب بكبرياء ناجيةٍ من مذبحة،على قبر الأب الذي ما زالت تقتات سياسياً من شعبيته وحضوره المدمّى بعد 28 عاماً على إعدامه، فيما قبران آخران لرجلي العائلة المقتولين غيلة وغدراً، واحد في كان بجنوب فرنسا وهو شاه نواز.. على اسم جده، والآخر الذي قتل تحت أنف وسمع وبصرِ أخته في عزّ تسيّدها وصفقات زوجها آصف زرداري. مرتضى الذي حاول المشاركة في الإرث الأسروي السياسي واقتسام حزب الشعب، فقضى تاركاً بعض أحلامه في ذلك المكان الرمادي.

غريب أمر شبه القارة الهندية، لطالما أثارت تساؤلاتي حول أسباب إسلاس قيادها للنساء، وخاصة في رئاسة الوزراء، رغم ذكورتها الطاغية وأبواتها الكثر في البيوت والشوارع والمساجد والمعابد والجيش، فبي نيظير جاءت مرتين إلى رئاسة الوزراء وتحاول الثالثة.

في جارتها اللدودة الهند ورثت انديرا غاندي الحكم عن أبيها، وأعادت صوفيا أرملة ابنها راجيف حزب المؤتمر إلى السلطة. وفي توأم باكستان بنغلادش خالدة ضياء تولت قيادة الحزب القومي بعد اغتيال زوجها، ورئاسة الوزراء وكذلك حسنية واجد. وفي سيريلانكا كانت باندرانيكا أول رئيسة للوزراء في العالم سنة 1960، وعادت للمنصب نفسه عام 1970،ثم شاندريكا كوماراتينغا التي باتت ريئسة للوزراء بعد اغتيال والدها وزوجها.

في لوحة عودة بي نيظير تختفي رسوم من تبقى من العائلة، فالأم التي تعد إحدى أذكى ساسة آل بوتو لم تظهر إلى جانب ابنتها، فالخلاف القديم منذ أن كان مقرراً أن تستلم البيغوم نصرت أصفهاني حزب الشعب إبان خلاف مرتضى مع شقيقته ما تزال رائحته تفوح من مطبخ منزل العائلةً، وزوجة مرتضى اللبنانية غنوة عيتاوي تتابع مع أنصار زوجها في الحزب نفسه تهيئة الأيام للحفيد ذو الفقار، فيما فاطمة ابنة مرتضى من زوجته الأولى تقرض الشعر، أما حياة، الأخت الباقية من العائلة فلا هوى سياسياً لها.. النافر الوحيد من داخل الإطار هو زوج الست.. وما أدراكم ماذا يقولون هناك عنه.

هكذا تعود بوتو إلى رحمٍِ هشّمه الجنرالات والاغتيالات والصفقات والمخابرات الداخلية والخارجية على وقع القتل والموت والفقر والدم والورد الأحمر حيث لن تنفع شهادات هارفرد وأكسفورد في شفطِ الغبار من محيط الأضرحة...

فيما بعد سأقص عليكم شيئاً في السياسة.. كرمى لمرتضى الذي يرتاح وسط ذاك التراب الظليل.

التعليقات