31/10/2010 - 11:02

قبل أن ينفرط العقد/ نور عودة

-

قبل أن ينفرط العقد/ نور عودة
يتيمة هي رغم كثرة المتبنين. . . حزينة هي رغم كثرة المحتفين والاحتفاليين. . . فلسطين. . . تبدو جريحة، حزينة، منهكة ومنتهكة والجاني هذه المرة هم أبناؤها الذين لا يفتأون يتغنون بها وينظمون الشعر عن وطنيتهم وأهدافهم النبيلة وحرصهم على تأمين مستقبل مشرف لها ولبقية أبنائها. . . لو أتيح لفلسطين الفرصة لكانت تبرأت من هؤلاء الأولاد وصرخت وصرحت هي الأخرى أنها لم ولن تقبل بهذه الجوقات النشاز متبنين لها. .

للمطلع والمتابع للشؤون الداخلية الفلسطينية، تبدو الحال وكأنها من الصعب أن تكون على وضع أسوأ مما وصلت إليه. . . فهنالك اسرائيل، المحتل الغاصب، تقصف وتستبيح الأرض والشجر والحجر والإنسان دون تردد أو رادع وهنالك اللاعبين الدوليين "الفاعلين" يقفون متفرجين على شلال دم فلسطيني لم ينضب منذ أكثر من خمسة عقود وبدل البحث عن الحل، يصعدون الضغوط والابتزاز للطرف الفلسطيني المستباح باسم السعي للسلام في المنطقة. . . وبين الابتزاز والضغوط الدولية والقصف المدفعي والصاروخي الاحتلالي، يجد المواطن الفلسطيني الأعزل نفسه وسط تفجيرات واشتباكات ومشاكسات وحواجز محلية لا تحقق سوى أهداف الأعداء ولا تبني سوى أسواراً وحواجز تحجب شمس الحرية والرخاء عن الشعب الفلسطيني العظيم. . . هذا الشعب الذي ينبعث دائماً من الرماد كطائر الفينيق ليثبت أنه لا يقهر مهما تكالبت عليه المؤامرات والأجندات والطعنات، يجد نفسه في معركة داخلية الرابح فيها خاسر لأن في ربحه خسارة للوطن ومستقبله فلا يعرف الفينيق الآن أي انبعاث ينبعث وهو لا يجد ملاذاً حتى في الرماد. . .

يعيش الشارع الفلسطيني هذه الأيام محنة حالكة الظلام وأزمة غاية في التعقيد والخطورة إذ أن الخطر الداهم الآن يأتي من رحمه ويشل ذهنه وكافة قدراته... فقد اجتاحتنا حالة من الهستيريا المسلحة قلبت الحق رأساً على عقب ولوت المنطق الى درجة التشويه وحورت الحقائق إلى أن ذابت وأصبحت أكاذيباً...

أصبحنا في واقع بشع كريه يبدو أنه عنوان لمرحلة ينفرط فيها العقد الاجتماعي بين المواطن والسلطة الشرعية وهو الأساس في شرعية تلك السطة ومواطنة المواطن وقدرتهما على بناء مجتمع يحكمه القانون ويحتكم فيه الأفراد إلى العقل بدلاً من أن يكون الحكم والاحتكام لمن يعلو صياحه أكثر وتكثر بنادقه وتحج إليه ميكروفونات الصحافة العالمية...ليطل على العالم بصورة تشوه الإنسان والقضية الفلسطينية...

اليوم يخرق رجال القانون النظام والأمن ليحتجوا على فقدانهما وكأن المكلف بحفظهما كائن غريب من المريخ وقد قصر في واجباته!! ويطل علينا الرسميون وهم المسؤولون في المقام الأول عن الفلتان والانضباط ليردوا على المنطق المحور بمثله وتضيع بين "الاتهامات" و"مرافعات الدفاع" الأسباب والمسببات. أما بعض العائلات، فتتعامل مع من ائتمنوا على حفظ النظام بازدراء ملحوظ ولا تجد ضيراً أو عيباً في مهاجمة مراكز الشرطة وحرقها أو تحطيمها وقتل أفرادها – وهم أبناؤنا – من أجل تحقيق أهداف ضيقة وخارجة عن القانون في طبيعتها وتنال أول ما تنال من فرص هذا الوطن الجريح بتحقيق الاستقرار الداخلي وبناء أساس متين لدولة لطالما حلمنا بتشييدها..

هذه معضلة.. أما المصيبة فتكمن في مجموعات وتشكيلات كثرت أسماؤها وشعاراتها والناطقين باسمها وكلهم يدعون النطق باسم فلسطين وشعبها والمصلحة "العامة".. كلهم يدعون أنهم أصحاب النضال والشرف والنزاهة.. كلهم يحللون لأنفسهم المحرمات ويسنون قوانين على أهوائهم ويطبقونها خارج قانون البلاد وكلهم.. يتصدرون لحفظ النظام ووقف "الفلتان" الأمني فيا ويلنا!! تخرج مظاهرة ضد فوضى السلاح لا يوجد فيها سوى المسلحين على كثرة أعلامهم وشعاراتهم وألوانهم وهم لا يجدون غرابة في هذا المنظر المتنافي مع العنوان والواقع والمنطق.

أما المواطن فهو حائر وخائف لا ريب وله الحق أن يكون ناقماً على جميع حملة السلاح بغض النظر عن لون وشكل زيهم فقد اختلط الحابل بالنابل وبات من شبه المستحيل التفرقة بين حاميها وحراميها.. فكيف للمواطن أن يفهم المنطق في خطف أصدقاء القضية وتدمير المقار الدولية واحتلال المقار الرسمية واغلاق المعابر الحدودية وقطع الطرقات وتشويه الصورة الفلسطينية باسم النظام؟ وكيف له أن يتفهم كيف أن كل هؤلاء المعتدين على المصلحة الوطنية في المدى القصير والبعيد لا يلقون قصاصاً أو حساباً.. فبأي حق يسمح لمجموعات وأفراد مقنعين وغير منتخبين أن يسنوا ويطبقوا قوانين على أهوائهم بالقوة وقطع الطرق وبأي حق ترتكب جرائم ضد المال والحق العام ويعتدى على كرامة الانسان وتوضع قضية الشعب بأسره في خطر؟؟

لقد تعدى الوضع مرحلة التصريحات والتحليلات والمفاوضات وآن أوان الحسم فقد أصبح من الواجب على السلطة الشرعية أن تأخذ زمام المبادرة وأن تضع حداً لا يقبل الشك أو النقض أو التفاوض لهذه الفوضى التي تجرنا إلى الهاوية التي أمضت اسرائيل عقوداً في حفرها لنا ولم تنجح في إلقائنا بها بأيديها. وهي الآن ترقص فرحاً وقد امتدت لها يد الجهل والمصالح الضيقة الفلسطينية بوعي أو غير وعي والاثنان هنا سيان.. على السلطة الشرعية أن تنقذ المجتمع من هذا الخطر الداهم وأن تأخذ وتطبق القرارات الصعبة والضرورية التي من شأنها أن تنقذ عقدنا الاجتماعي من الانفراط...

لا يوجد فرد من أفراد المجتمع في حل من المسؤولية الآن فهي تقع على عاتقنا جميعاً... أن نعود إلى الحكمة والعقل وأن ننقذ العقد الذي يجعل مجتمعنا آمناً وحضارياً كما نريده ونستحقه قبل أن ينفرط هذا العقد تماماً ونصبح رهناً لشريعة الغاب.. عار علينا أن نساهم في هذا الانحلال الأخلاقي والسياسي والفكري الذي سيؤدي بنا إلى الهاوية والضياع... يجب أن يقول الشارع الفلسطيني أيضاً كلمته الفصل الآن وليس غداً ودون تردد أو خوف، بأن النظام والقانون هو من اختصاص الشرعية وهو ملك لها وحدها وأن السلاح ليس له مكان في حياتنا المدنية وأن الفصل للقانون وليس للأهواء الشخصية والمصالح الضيقة.

القانون يطبق في النور والعلن وليس من خلف قناع يحميه السلاح وتبثه الكاميرات على الملأ المصدوم والعدو المسرور... فلنضع الجميع أمام مسؤولياته حتى يصبح بالإمكان محاسبة المعتدين ومكافأة الصالحين ومواجهة الأعداء الحقيقيين... علينا أن نستحق فلسطين الطاهرة وهويتها المقدسة لنكون أهلاً لمسؤولية الحلم والغاية النبيلة في تحقيق الحرية والاستقلال والعيش الكريم.. حلم استشهد من أجله آلاف الشهداء الطاهرين ندين لهم بمستقبلنا وصمودنا....

التعليقات