31/10/2010 - 11:02

قراءة في تصريحات باراك حول جهوزية الجيش لحربه القادمة../ يونس العموري

قراءة في تصريحات باراك حول جهوزية الجيش لحربه القادمة../ يونس العموري
لا شك أن الحالة التي بات يعيشها المجتمع الإسرائيلي جراء تداعيات حرب تموز على لبنان في العام 2006 ما زالت تشكل الهاجس الأكبر لإستمراية هذا الكيان كقوة رادعة ومؤثرة في سياسات هذه المنطقة. ولا شك أن القادة الإسرائيليين يحاولون استثمار وقائع هذه الحرب ونتائجها في بازار العملية الانتخابية، والمضي حتى النهاية في معارك المزايدات ما بين أقطاب المعادلة الإسرائيلية الحزبية الداخلية.

ومما لاشك فيه أن المنطقة لابد لها أن تعبر حربها الإقليمية مرة أخرى حيث أنه لا يمكن أن تستوي الأمور دون أن تحسم الكثير من القضايا، ولعل أبرزها وقائع الملف النووي الإيراني المرتبط بشكل أو بآخر مع تعاظم قوة حزب الله كقوة رادعة رابضة في الجنوب بوجه الجيش الإسرائيلي، الذي شكل قوة الردع الفعلية والحقيقة في المنطقة لعقود طويلة، والتي باتت محل سؤال وتشكيك بكون إسرائيل وبقوتها العسكرية ما زالت تشكل مثل هذه القوة ما بعد نتائج حرب تموز.

ومما يؤكد هذه الحقائق عجز إدارة تل أبيب لتقديم الرد الفعلي والمناسب على أطروحات حزب الله وحيال الوعيد المضاد للتهديدات التي أطلقها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في أكثر من مناسبة، والتي تكررت لدرجة أن السيد نصر الله قد أطلق تهديدا مباشرا بإبادة الفرق الخمسة التي تستعد لإجتياح الجنوب في المواجهة العسكرية القادمة.... ولم تملك إسرائيل تجاه هكذا وقائع سوى أن تخرج عن صمتها الذي كانت قد التزمته لفترة من الزمن، وهذه المرة على لسان وزير دفاعها، إيهود باراك، حيث حذر من اختبار قوتها في أي مواجهة عسكرية.

ويشكل هذا الرد من قبل باراك محاولة للوقوف أمام سيل الثقة العالية التي يبديها السيد نصر الله والتي تستند بشكل أساسي على إمكانيات حزب الله المتعاظمة يوما بعد يوم، حسبما تؤكد كافة التقارير الإقليمية وحتى تلك الدولية... بل إن باراك ومن خلال هكذا تصريحات إنما يحاول أن يبدو بمظهر الممسك بزمام المبادرة، وأنه في ظل عهده كوزير للدفاع الإسرائيلي يستطيع أن يجدد مؤسسته العسكرية وأن يعيدها إلى سابق عهدها كقوة رادعة لها تأثيراتها الردعية في المنطقة.

وعلى صعيد آخر إنما يحاول تعزيز ثقة الجمهور الإسرائيلي بالجيش مجددا، وبقدرة قادة حزب "العمل" كونه يقف على رأسه، وأن لحزب العمل ولرجاله القدرة على مواجهة ومجابهة الأخطار التي تحدق بالدولة العبرية بعدما فشل حزب "كاديما" ورئيسه أولمرت في حماية إسرائيل.

وإذ تأتي تصريحات باراك الإعلامية والإنتخابية هذه بالظرف الراهن لأكثر من هدف واتجاه، كما أشرنا، نجد في الوقت ذاته القائد المستقيل للفيلق الشمالي في الجيش الإسرائيلي، الجنرال موشيه سوكينيك، يوجه انتقادات حادة لجهوزية المؤسسة العسكرية، معتبراً "أنها لا تكفي لمواجهة التحديات المتوقعة". وهذا ما يعكس حجم التخبط في إدارة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والتي أصبحت رهينة للمزايدات الحزبية الإسرائيلية الداخلية، وساحة لتصفية حسابات الكبار في المجتمع الإسرائيلي، بمعنى أن هذه المؤسسة قد تم إقحامها باللعبة السياسية الداخلية.

وبرغم أن تصريحات باراك جاءت، كما أوردت وسائل الإعلام الإسرائيلية، رداً على كلام نصر الله الذي كرر فيه الوعد بتدمير قطعات الجيش الإسرائيلي عند دخولها الأراضي اللبنانية، إلا أن باراك اختار عدم التعليق مباشرةً على تصريحات الأمين العام لحزب الله، واكتفى بكلام تحذيري عام حول قوة إسرائيل وجهوزيتها. وقال، خلال اجتماع انتخابي في مستوطنة كريات شمونة، إن "إسرائيل تتابع، بعينين مفتوحتين، ما يحصل على الجانب الثاني من الحدود وما يحدث تحت سطح الأرض".

وأضاف "أوصي جيراننا بعدم اقتراف الخطأ وعدم اختبارنا. نحن مستعدّون لأي محاولة لخرق التوازن الهش، وقد أجرينا خلال الأشهر الأخيرة مناورات عسكرية قاسية ونحن نواصل ذلك". وخلال اجتماع مع رؤساء فروع حزب "العمل"، تطرق باراك إلى "التوتر" على الحدود الشمالية، ورأى أن قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 هو "النجاح الصغير الوحيد الذي حققته إسرائيل من حرب لبنان الثانية، لكن لا يتم تطبيقه وحزب الله مستمر في تعظيم قوته والتسلح".

وكرر تحذيره بالقول "إن إسرائيل قوية ونحن مصرّون على الدفاع عن أمننا ضد كل خصم وعدو، ولا أنصح أحداً في أي جبهة أن يحاول امتحاننا". وبالمقابل يستمر السجال والجدال حول امكانيات الجيش الإسرائيلي بعبور حربه القادمة حيث أنه يدرك قساوة هذه الحرب، ويدرك بذات الوقت حجم التغيرات التي طرأت على مختلف الصعد على الساحة الإقليمية. وإسرئيل بذات الوقت في حيرة من أمرها فهي إن أقدمت على المبادرة إلى الحرب وبصرف النظر عن جهتها فإنها تدرك تمام الإدراك أن جبهتها الشمالية غير محصنة بالتحصينات الكافية والقادرة على كسبها لجولة هذه الحرب، وبالتالي فهي تخشى من النتائج الكارثية والتي حتما ستكون أسوأ من نتائج حرب تموز، وهو ما يؤكده بشكل أو بآخر الجنرال موشيه سوكينيك الذي هاجم وبقوة خطة التدريبات التي يجريها الجيش الإسرائيلي في أعقاب عدوان تموز، معتبراً أنها غير كافية "لجعل إسرائيل تواجه التحديات المتوقعة".

وقال سوكينيك، في مؤتمر عن الحرب البرية خلال "حرب لبنان الثانية"، عقد في بلدة "رمات إفعال" قرب تل أبيب، إن "الجيش لا يتدرب بشكل كاف ولا يمنح القوات الوسائل الأساسية للنجاح".

ووصف سوكينيك الجيش الإسرائيلي قبل حرب تموز بـ"الصدئ". ورأى أن نتائج الحرب "مخزية". وحذر من تأثير تقليصات الموازنة المقترحة على جهوزية الجيش في العام المقبل. وأشار إلى أن "واجب الجيش الإسرائيلي معالجة تهديد صواريخ الكاتيوشا القصيرة المدى، وهو عبرة مهمة للغاية تم استخلاصها من الحرب". وهذا تقريبا ما يجمع عليه كافة المراقبين لمسار الإستعدادات الإسرائيلية لحربها القادمة...

أما الخيار الثاني أمام إسرائيل فيتمثل بتأجيل أو حتى إلغاء فكرة المواجهة الحربية مع حزب الله في الجنوب اللبناني أو حتى التخلي عن فكرة توجيه ضربة عسكرية للعمق الإيراني والمرتبط بشكل أو بآخر بالتصعيد العملي على الجبهة الشمالية لإسرائيل، الأمر الذي يعني تناقص وتراجع القوة الإسرائيلية في المنطقة، وبالتالي تسليم إسرائيل بالأمر الواقع على اعتبار أن إيران حينها ستشارك إسرائيل بل وتنافسها بموقع الصدارة الردعية في المنطقة، وحينها ستصبح إيران واحدة القوى العظمى على المستوى الإقليمي، ولن تصبح إسرائيل لوحدها محتكرة لهذه الصدارة، وبالتالي يصبح حزب الله الذراع الأساسية الضاربة لإيران على الحدود الشمالية لإسرائيل، مما يعني أن ثمة استحقاقات سياسية على إسرائيل أن تدفعها وهذه التداعيات...

اعتقد أن باراك يدرك أن تصريحاته الإعلامية هذه ما هي بالونات اختبارية لقياس حجم التأييد الشعبي له ولحزبه في المجتمع الإسرائيلي وكمادة انتخابية يستهل بها معاركه الانتخابية ليس أكثر.. وهو يدرك أكثر من غيره طبيعة الأزمة وحجم المأزق التي تعيشه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بصرف النظر عن توجهاتها المستقبلية سواء أكانت باتجاه خوض الحرب مع حزب الله في الجنوب اللبناني أو توجيه ضربات للعمق الإيراني.

التعليقات