31/10/2010 - 11:02

قضية المرأة في برنامج التجمع../ سونيا بولس

قضية المرأة في برنامج التجمع../ سونيا بولس
هذه المقالة هي قراءة نقدية لطرح قضية المرأة في البرنامج السياسي للتجمع الوطني الديموقراطي وتأتي من منطلق إيماني بقدرة التجمع على لعب دور مركزي لدفع قضية المرأة قدما.

في هذه المقالة سأميز بين المستوى المبدئي-التصريحي فيما يتعلق بقضية المرأة وبين مستوى العمل البرلماني. هذا التمييز لا يفترض وجود تناقض بين التصريحات المبدئية للحزب وبين عمله البرلماني ولا يفترض بأن العمل البرلماني هو الوسيلة الوحيدة لترجمة مواقف الحزب المبدئية لخطوات عملية، إنما يفترض بأن العمل البرلماني يجب أن يكون أداة لها مميزاتها الخاصة في ترجمة المواقف المبدئية الى خطة عمل.

المستوى المبدئي:

إذا أمعنا النظر في البرنامج السياسي للتجمع الوطني الديمواقراطي نجد أن باب «حقوق المرأة» بحاجة الى إبراز أكبر للقيم الكونية التي تعنى بحقوق المرأة. هذا الباب يرتكز بالأساس على مبدأ المساواة بين الجنسين. هذا لوحده غير كاف لضمان حقوق المرأة. فكل القوى السياسية في مجتمعنا وبضمنها التيارات الدينية تتبنى بالمستوى التصريحي مبدأ المساواة بين الجنسين. الخلاف الأكبر لا يكمُن برفض مبدأ المساواة إنما يكمن بالإجابة على السؤال ما هي حقوق الإنسان التي يحق لنا جميعا التمتع بها رجالا كنا أم نساء. فلا قيمة لتبني مبدأ المساواة بين الجنسين في مجتمع يرفض الإعتراف بحقوق إنسان جوهرية كحرية الفرد بتقرير المصير.

إن إنعدام ثقافة مجتمعية مساندة لحقوق الإنسان له إسقاطات مضاعفة على النساء. صحيح أن الرجال يتضررون أيضا من إنعدام ثقافة مجتمعية تحترم حقوق الإنسان لكن هم لا يدفعون ثمنا باهظا كالنساء في مجتمعنا، فجرائم الشرف مثلا تستهدف النساء وليس الرجال. لذا، تبني مبدأ المساواة بين الجنسين يجب أن يكون مقرونا بتبنٍ صريح لمجمل الحقوق التي يحق للمرأة التمتع بها. باب «حقوق المرأة» يتطرق الى بعض هذه الحقوق كالحق في التعليم، العمل، ومحاربة العنف وجرائم الشرف ولكنه يتجاهل أكثر الحقوق جدليةً كحق المرأة بتقرير المصير وحقها على جسدها.

نقطة أساسية أخرى يجب التطرق اليها في باب «حقوق المرأة» هي قضية قوانين الأحوال الشخصية. يشكل نظام الأحوال الشخصية المعمول به اليوم في إسرائيل انتهاكًا لحق الفرد في حرية العقيدة حيث تبنّت الدولة اليهودية قوانين أحوال شخصيّة دينيّة تخول كل مجموعة دينيّة بفرض قوانينها الدينيّة على الافراد الذين ينتمون اليها، حتى على الملحدين منهم. عندما تفرض الدولة على الأفراد الإحتكام الى قوانين دينية فهي تنتهك بذلك أهم ركائز الديموقراطية اللبرالية الا وهي حرية العقيدة وفصل الدين عن الدولة.

لذا، يجب على التجمع ترجمة إلتزامه بالحريات الأساسية الى مطلب عيني بتوفير بدائل علمانية لمن يرفض الإحتكام لقوانين دينية. هذا بالطبع لا يعني معارضة نوع من أنواع الحكم الذاتي الديني في قضايا الأحوال الشخصية إنما يعني ضمان حرية الفرد بالإختيار بين المسار الديني وبين المسار المدني.

وتعتبر النساء الأكثر تضررا من قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها اليوم. أولا، لا يمكن للنساء تولي منصب القضاء في جميع المحاكم الدينية مما يشكل إنتهاكا لحقهن في المساواة. ثانيا، ترفض جميع القيادات الدينية التقليدية في مجتمعنا بأن تشاركهنّ النساء في سلطتهم الدينيّة، وهي تعادي النساء اللواتي تطالبن المشاركة الفعالّة في تحديث الخطاب الديني. ثالثا، لم تتم مراجعة القوانين الدينية المعمول بها اليوم لدى كل الطوائف العربية وملاءمتها لروح العصر منذ أيام الحكم العثماني، وهذه القوانين لا تعكس بطبيعة الحال مبدأ المساواة بين الجنسين.

وأخيرا، لقد كان التجمع السباق في طرح قضية التمثيل الملائم وإتباع سياسة التفضيل المصحح للعرب في المؤسسات الحكومية ومؤخرا للنساء ولذوي الإحتياجات الخاصة. الا أن البرنامج السياسي للحزب يتبنى مبدأ التفضيل المصحح للفلسطينيين مقابل سلطات الدولة ولا يتبناه فيما يتعلق بحقوق المرأة. لذا، يتوجب على التجمع تبنى هذا المبدأ في سياق حقوق المرأة، وأن يلتزم به في مؤسساته الداخلية من خلال ضمان التمثيل الملائم للنساء في جميع أطره وتحصين أماكن خاصه لهن. هذا يحتم على الحزب بتبني خطة واضحة لتشجيع النساء على خوض هذه التجربة ولتطوير قيادات نسائية نسوية لدى الجيل الصاعد.

لا يجوز التعامل مع مواقف الحزب المبدئية كحبر على ورق، إنما يجب تعميمها على الجمهور الواسع من خلال الندوات ونشر أدبيات الحزب بوسائل الإعلام للمساهمة في خلق ثقافة مجتمعية اكثر إنسانية، والأهم من ذلك يجب التصدي بصوت عال لكل الظواهر المجتمعية القامعة للمرأة وعلى رأسها جرائم «الشرف» من خلال إستنكارها وشجبها على الملأ، وتنظيم فعاليات جماهيرية لمناهضتها في كل مرة ترتكب فيها هذه الجرائم النكراء.

ترجمة المبادئ الى خطة عمل برلمانية:

إن التبني الواضح لخطاب حقوق إنسان منسجم مع المبادئ الكونية هو امر في غاية الاهمية من الناحية الأخلاقية والتثقيفية لكن ترجمة هذا الخطاب الى مشروع عمل برلماني تحتاج الى دراسة شاملة لوضعية المرأة الفلسطينية لتحديد إحتياجاتها الحقيقية ولتحديد سلم أولويات يتلاءم مع هذه الإحتياجات، وليس من خلال إنتقاء مواضيع قد تفرضها أجندات إعلامية وغيرها، لا تعكس بالضرورة إحتياجات نسائنا. ففي مجتمع لا تتجاوز به نسبة النساء العاملات ال- 20% يجب أن تتصدر هذه القضية سلم أولويات العمل البرلماني. التعامل مع قضية عمل المرأة كقضية جوهرية لا ينبع من كونها قضية أقل خلافا من قضايا أخرى كحق المرأة على جسدها، بل لأن التبعية الإقتصادية والفقر يشكلان عائقًا أساسيًا أمام المرأة في تحقيق كافة حقوقها.

قد تكون هنالك قضايا ملحة أخرى، تعيق قدرة المرأة على تحقيق حقوقها، لكن هذه القضايا لم تأخذ حيزها في العمل البرلماني لأن صوت النساء المهمشات لا يصل بقوة الى الأحزاب لعدة أسباب منها كون النساء الفعالات في الأحزاب تنتمين بغالبيتهن للطبقة الوسطى ولا تعانين من المشاكل التي تعاني منها النساء المهمشات، ولأن الأحزاب لم تنجح بعد بالوصول الى هذه الشريحة من النساء بشكل كاف. على سبيل المثال،من النادر أن نرى مشاركات من النساء في الجولات الميدانية الأسبوعية التي يقوم بها نواب التجمع، مما يعني طمس قضايا النساء في هذه اللقاءات.

لذا، يجب على التجمع العمل على تقوية تواصله مع شرائح واسعة من النساء للإطلاع عن قرب على مشاكلهن والعمل على بناء خطة عمل ترتكز على دراسات ميدانية ومعطيات علمية دقيقية تعكس إحتياجات النساء الحقيقية وتساعد على النهوض تدريجيا بقضايا المرأة.

"فصل المقال"

التعليقات