31/10/2010 - 11:02

قمة تخدم لبنان ولا تسيء لسوريا../ د. عصام نعمان*

قمة تخدم لبنان ولا تسيء لسوريا../ د. عصام نعمان*
مَن يتتبع أخبار أزمة لبنان والمساعي الناشطة لتسويتها يقع على مفارقات لافتة. فقد بات كثيرون في دنيا العرب والعجم يعتقدون أننا كنا قبل أشهر من حلول موعد القمة العربية أواخر الشهر المقبل نسعى جاهدين لتسوية الأزمات الثلاث في لبنان وفلسطين والعراق، فأصبحنا اليوم على عتبة أزمة رابعة توشك على الانفجار بين بعض الدول العربية وسوريا. سبب الأزمة واحد لكن بتفسيرات متضاربة، لعل أقربها إلى الواقع رغبة بعض الدول العربية في إيجاد تسوية لأزمة لبنان قبل انعقاد مؤتمر القمة تحت طائلة إرجائه، أو على الأقل، تخفيض مستوى التمثيل فيه.

القائمون بهذه المقاربة يعتقدون أن على سوريا تسهيل عملية التوصل إلى تسوية بين الأطراف اللبنانية المتصارعة، وذلك بالضغط على حلفائها في لبنان من اجل الموافقة على مبادرة الجامعة العربية التي يتولى تسويقها أمينها العام عمرو موسى. في المقابل، تقول سوريا، وتجاريها في موقفها دولتان عربيتان أو أكثر، انها وافقت على المبادرة العربية، لكنها لا تستطيع أن تفرض على حلفائها في لبنان تفسيراً لمضمونها يتعارض مع فهمهم لها ومطالبهم في سياق تنفيذها.

المشكلة، بل المفارقة، في ما وصل إليه التجاذب بين الفريقين العربيين المشار إليهما، أن سوريا كانت متهمة دائماً بأنها تتدخل في شؤون لبنان بعدما سحبت قواتها منه في العام ،2005 وها هي دول عربية عدّة، بالإضافة الى الولايات المتحدة وفرنسا، تطالب سوريا اليوم بأن تتدخل في لبنان لإكراه حلفائها على القبول ببنود في تسوية لا تستجيب لمصالحهم! على أن المفارقة الأدعى الى العجب والاستغراب أن عدم تجاوب سوريا او إخفاقها في تأمين موافقة حلفائها اللبنانيين على مضمون معين من دون غيره للتسوية المرتجاة قد يؤدي إلى انهيار القمة التي إنما اتفق الملوك والرؤساء العرب أصلاً على انعقادها سنويا في موعد محدد من أجل تعزيز التضامن بين الدول العربية وليس لتكريس الفرقة والتباعد بينها.

ومن المفارقات الغريبة ايضاً قول رئيس حكومة لبنان المطعون في شرعيتها، فؤاد السنيورة، بعد اجتماعه الى رئيس حكومة بريطانيا غوردن براون، “إن غياب التمثيل اللبناني على المستوى الرئاسي في القمة سيفقدها قدراً كبيراً من أهميتها”. ذلك أن السنيورة، بوصفه رئيساً لمجلس الوزراء، بات حسب الدستور قائماً بأعمال رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق العماد اميل لحود الأمر الذي يخوّله صلاحية تمثيل لبنان بهذه الصفة. فهل تمثيله لبنان بصفته هذه يفقد القمة “قدراً كبيراً من أهميتها”؟ ألا يعزز كلام السنيورة هذا اتهام المعارضة لحكومته بأنها غير دستورية وغير شرعية؟

حتى لو اعتبرنا كلام السنيورة انه من قبيل حثّ الأطراف على تسوية للأزمة تؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية قبل انعقاد القمة، فإن جولته على دول أوروبا لتعزيز دعمها لحكومته تدل على انه راغب في البقاء رئيساً للحكومة وأنه غير جدي في مسألة انتخاب رئيس جديد.

غير أن أغرب المفارقات حقاً يبقى موقف حكومة السنيورة، ومن ورائها قوى “14 آذار” الموالية، من سوريا. فعلى الصعيد السياسي يقف هؤلاء جميعاً موقفاً سلبياً من دمشق ويتهمونها بأنها تثابر على التدخل في شؤون لبنان الداخلية وتحاول النيل من سيادته واستقلاله. أما على الصعيد الاقتصادي فإن لحكومة السنيورة موقفاً آخر يشير إلى مدى حاجتها إلى سوريا الأمر الذي يستوجب مراعاتها. ففي منتصف الشهر الجاري اصدر رئيس “لجنة السهر على مراقبة وضبط المراكز الحدودية” المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي تعميماً طلب فيه من “كل القطاعات المعنية الموجودة في المناطق الحدودية اللبنانية - السورية عدم التعرض للمواطنين الذين ينقلون المواد التموينية والغذائية بصورة عامة، ومادة المازوت بصورة خاصة”.

معنى هذا التعميم أن حكومة السنيورة تخلّت ضمناً عن دعم مادة مازوت التدفئة والمواد الغذائية الأساسية وتركت للمواطنين، وسط موجة الغلاء الشديد المتصاعدة، أمر الحصول عليها باللجوء إلى شراء مواد العيش الأساسية المدعومة من الحكومة السورية. بعبارة أخرى، شرّعت حكومة السنيورة، من دون العودة إلى مجلس النواب، تهريب... نعم تهريب مادة المازوت والمواد الغذائية من سوريا إلى لبنان بدعوى الحدّ من زيادة الأعباء المعيشية على المواطنين.

الى ذلك، ينطوي التدبير الحكومي الطريف بإجازة التهريب على ثلاثة أمور ذات دلالة. الأول، أن لبنان بحاجة ماسة إلى سوريا في هذه الآونة لأن من خلالها يتمّ تصدير معظم منتوجات لبنان إلى العالم العربي من جهة كما يتمّ استيراد مواد أساسية إليه بأسعار مخفوضة من جهة اخرى. الثاني، أن عدداً كبيراً من السلع تقلّ أسعارها في سوريا عن مثيلاتها في لبنان بسبب دعم الحكومة السورية لها. فسعر صفيحة المازوت لا يتجاوز في سوريا مبلغ خمسة آلاف ليرة لبنانية، فيما سعرها في لبنان يزيد على 22 ألف ليرة. أما الطحين فسعر الكيلوغرام الواحد منه في سوريا لا يزيد على330 ليرة لبنانية، فيما سعره في لبنان يزيد على480 ليرة. وعندما يكون الأمر كذلك فإن مصلحة لبنان الاقتصادية تقضي بأن يكون على علاقة جيدة بسوريا.

والحال أن بعض المسؤولين فيه يحرص على تعكيرها بكل الوسائل المتاحة ما يضطرهم في آخر المطاف إلى الالتفاف على مشكلة الضائقة المعيشية بتشريع تهريبِ سلع أساسية منها. الثالث، أن عدوان “إسرائيل” المستمر على لبنان واحتمال تصعيده إلى حرب إقليمية قد حمل دولا أوروبية عدة، أبرزها اسبانيا، على التفكير جدياً بسحب وحداتها المشاركة في “قوات اليونيفيل” المتمركزة في جنوب لبنان أو بخفض عددها على الأقل. ومن المعلوم أن المقاومة الإسلامية (حزب الله) تتولى حماية القوات الدولية من اعتداءات بعض المنظمات السلفية المتطرفة. غير أن قيام “إسرائيل” باغتيال القائد الجهادي عماد مغنية في دمشق وإعلان قائد المقاومة السيد حسن نصرالله اعتزامه الردّ عليها في سياق حربها المفتوحة على لبنان، دفع السنيورة إلى انتقاد نصرالله بدلاً من دعمه في وجه العدو الصهيوني المعتدي. ذلك سيؤدي إلى زيادة مخاوف الدول المشاركة في “اليونيفيل” وبالتالي إلى حمل بعضها، وربما كلها، لسحب وحداتها منها. فهل يبتغي السنيورة تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 بالمحافظة على تمركز “اليونيفيل” في جنوب لبنان أو تراه يسهم، من حيث لا يريد، في تفكيكها وسحبها؟

باختصار، يجب التوقف فوراً عن استعمال القمة العربية وسيلة للضغط على سوريا من اجل الضغط على حلفائها في لبنان للقبول بتسوية للأزمة غير مناسبة لهم. فدمشق ما عادت تتمتع بالنفوذ الذي كان لها أثناء وجود قواتها في لبنان، وهي رافضة على كل حال للثمن البخس الذي تعرضه الولايات المتحدة عليها لعقد صفقة معها تقدم بموجبها تنازلات مهينة لها في إطار قضايا فلسطين ولبنان والعراق، ولا سيما حيال الجولان المحتل الذي تريده واشنطن، على ما يبدو، أن يبقى تحت الاحتلال الصهيوني.

يجب العمل على عقد قمة تخدم لبنان ولا تسيء إلى سوريا. ذلك يكون بان تتكثّف المساعي العربية من اجل التوصل إلى تسوية لأزمة لبنان تكون في مصلحة أبنائه جميعا، بل في مصلحة الأمة كلها، على أن يجري تكريسها في القمة ذاتها. أما الضغط على سوريا من أجل المشاركة في طبخ تسوية لأزمة لبنان تتعارض مع مصالحها ومع مصالح حلفائها اللبنانيين، فإنه يؤدي إلى انهيار القمة أو إلى خفض أهميتها وبالتالي الإساءة إلى سوريا من دون إسداء خدمة حقيقية للبنان.
"الخليج"

التعليقات