31/10/2010 - 11:02

قنبلة "فتح الإسلام" وقد انفجرت../ محمد الصياد

قنبلة
كما هي عادة الحوادث الانعطافية والعاصفة التي تفاجئ وتصدم الجميع في منطقتنا “بفضل” الرصيد الفائض للأزمات المختمرة والمتكدسة في دواليب حياتنا العربية، يبدو أن قنبلة ما يسمى “فتح الإسلام”، التي انفجرت على ذلك النحو الدرامي المهول، قد فاجأت الجميع أيضاً، مع أن عنصر المفاجأة/ الصدمة ليس مكوناً غريباً في خريطة سير الحوادث العربية.

ولذلك جاء الرد سريعاً، ومتوقعاً أيضاً، على هذه المفاجأة الصادمة، بحسبان سيكولوجية رد الفعل العربي وعقلية التعاطي النمطي معها. فلقد راح الجميع يتبرأ من هذه المنظمة المسماة “فتح الإسلام” (والتمنطق باسم الإسلام، بالمناسبة، أصبح موضة هذه الأيام).

فلقد سارع كل من اعتقد أنه معني ب”ورطة” هذه المنظمة، إلى نفي صلته أو علاقته بها، بل اعتبرها دخيلة عليه وعلى كيانه وبيئته. فهل هذا معقول؟ هل نزل أفراد هذا التنظيم علينا، فجأة، من كوكب آخر؟ هنالك، إذاً، من قام باستقبالهم واحتضانهم وإيوائهم، وهناك من قام بتوفير التمويل المالي السخي للجماعة، وذلك برسم الأموال الكبيرة التي بحوزتهم، والتي أهلتهم لتجنيد بعض شباب مدينة طرابلس المعوز مقابل 500 600 دولار شهرياً، فيما يبلغ متوسط الأجر الشهري للشغيل الطرابلسي 200 دولار شهرياً.

وهناك من تطوع، لأسبابه وأهدافه الخاصة، لتوفير الدعم والإسناد اللوجستي لأفراد المجموعة ولتحركاتهم عبر المناطق والمواقع اللبنانية.

وهم، بفضل كل هذا الدعم والتسهيلات، نجحوا في تثبيت موطئ قدم لهم في مخيمات نهر البارد والبداوي وعين الحلوة، وشراء بعض الشقق السكنية في مدينة طرابلس. ومن دون هذا، ما كان لمغامرتهم، ومغامرة الجهة التي تقف خلفهم، أن تظهرا بهذا الشكل القوي والمفاجئ على الساحة اللبنانية.

فلقد اتضح أن هذا التنظيم يضم في صفوفه أفراداً من جنسيات عربية وآسيوية مختلفة، وأنه مسلح تسليحاً مميزاً، بل إن له قيادات سياسية وأخرى ميدانية، وله ناطق رسمي (وربما أكثر)، قدم نفسه للإعلام العربي المتلقف، على ما هو ظاهر، لكل ما هو مثير، بغض النظر عن طبيعة إثارته قدم نفسه باسم أبوسليم طه. وفي إحدى مقابلاته الإذاعية، هدد بصورة لا لبس فيها بأن لدى تنظيمه أعواناً وأنصاراً في الدول العربية ومنها الأردن وسوريا، يشكلون خلايا نائمة وينتظرون التعليمات للتحرك.

القضية، إذاً، بالغة الخطورة، فهذه التنظيمات التي راحت تفرخها الأرض العربية، الواحدة تلو الأخرى، تبدو، اليوم، كما الفيروس الذي تم تصنيعه في مختبر ما لتحقيق غرض ما، فإذا به يغافل الجميع وينجح في التسلل إلى خارج “حظيرته المختبرية”، فيشرع في إثارة فزع ورعب مصنعيه، ومن يصادفهم في طريقه من ضحاياه الأبرياء.

ومن باب الكياسة، نحسب أن اللبيب من الإشارة يفهم. والأمثلة على ذلك، على أية حال، كثيرة، ومنها ليس حصرياً بالقطع أننا نتذكر، بطبيعة الحال، كيف كان الجو السياسي في لبنان قبل بضعة أشهر محتقناً، وإلى أي حد وصلت درجة الشحن والتجييش الطائفي والمذهبي، وكيف أنها تخطت في بعض الأحيان حدود التراشقات الإعلامية إلى المواجهات في الشارع. يومها كان كل شيء قابلاً للتعبئة، كيداً، أو غيظاً، وإدماء، إن تطلب الأمر. فشاهدنا ظهور الكوفية والعقال والثوب في بعض المناطق اللبنانية التي خرجت للتعبير عن مناصرتها لتيار معين، وكان طبيعياً أن يستقوي كل طرف بما هو متاح لديه من مصادر قوة، بما فيها مثل هذه التنظيمات الخارجة على القانون، من دون التفكر في عواقب مثل هذا اللعب بالنار.

والأمر لا يقتصر على لبنان وحده، فالحال أن هنالك تساهلاً غريباً من قبل عدد من البلدان العربية، تجاه تنامي حضور هذه الجماعات المتشربة بفكر “القاعدة”، والمعتمدة أساليبه الإرهابية في مختلف مناحي الحياة العربية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها. وعلى ما يبدو، فإنه يجري استخدامها الآن كإحدى أوراق الضغط في عملية الصراع السياسي والاجتماعي، والأخطر في عملية الاستقطاب والاستقواء الطائفي، المندلعة في غير ساحة عربية في الآونة الأخيرة.

وهذا لعب خطير بالنار، فما حصل بالنسبة لجماعة “فتح الإسلام” في لبنان من انقلاب السحر على الساحر، وما حدث قبل ذلك في حادثة إنشاء وتجهيز ظاهرة الأفغان العرب، قد يتكرران بصورة مشابهة، وأكثر تدميراً في ساحات أخرى.


"الخليج"

التعليقات