31/10/2010 - 11:02

كلام إسرائيلي يستوجب الاستنفار / كلوفيس مقصود

كلام إسرائيلي يستوجب الاستنفار / كلوفيس مقصود
تحدد تصريحات عوزي اراد مستشار الامن القومي الاسرائيلي في ملحق صحيفة "هآرتس" خطوط استراتيجية قاتمة، باخراج يعجّل الاجراءات لتنفيذ بنودها على نحو تعتبره حكومة بنيامين نتنياهو تحصيناً للمفاوض الاسرائيلي في مواجهة احتمال ان تمارس ادارة الرئيس باراك اوباما بعض ما يعتبره نتنياهو "ضغوطاً" تعرقل اهداف اسرائيل – اي اهداف المشروع الصهيوني في المنطقة في استكمال معالمها ورسوخ قواعدها بعدما أبقتها الحكومات السابقة تتميز بالالتباس والمراوغة وشراء الوقت وعدم التصريح بنهايات اهدافها او ابقائها غامضة الى حين تتوافر الفرص والاجواء. ويبدو ان الطاقم الحاكم في اسرائيل وصل الى اقتناع بأن بلورة ما تبغيه اسرائيل وما تلتزمه لم يعد قابلا للتعديل ولا للتغيير.

كانت معالم هذه الاستراتيجية تظهر على مراحل، لكن يبدو ان الحكومة القائمة على تحالف "ليكود اسرائيل بيتنا"، تعتبر ان الظروف اصبحت مؤاتية لوضع المجتمع الدولي، وخصوصا ادارة الرئيس الاميركي اوباما امام واقع جديد يفرض التكيف معه، حتى لا تتمكن الادارة الاميركية من ان تأخذ على محمل الجد قدرتها على حرف اسرائيل عن صيرورة مبتغاها او عرقلة وسائل – او بعض وسائل – بلوغ اهدافها التي في رأي اراد لم تعد اسرائيل في حاجة الى ابقائها ملتبسة او غامضة او مؤجلة.
وعندما يقول عوزي اراد انه في حال قيام دولة فلسطينية بالقيود والشروط التي اعلنها ثم اكدها نتنياهو سنة 2015، "حينها ستنضم اسرائيل الى حلف الـ"ناتو" او ستبرم حلفاً دفاعياً مع الولايات المتحدة"، فانه يريد الايحاء ان الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح والتي تسيطر على اجوائها اسرائيل، والفاقدة لوحدة الارض، يبدو انها تشكل "تهديداً وجودياً" لاسرائيل مما يستدعي انتماءها الى الحلف الاطلسي وعقد معاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة. هذا ليس مجرد استخفاف متعمد بعقول الناس، بل اهانة فاقعة وعملية استباقية لاجهاض اي اضافة لمقترحات اميركية "لتجميد عمليات الاستيطان" او وقفها. وقد اشار اراد الى انه يا للاسف الشديد لم نفلح في دفع العرب الى استيعاب حقنا في الوجود والرفض العربي والاسلامي لاسرائيل يكون احياناً مكبوحاً وعائماً واحياناً فظاً وعنيفاً، ولكن في كل الاحوال هو جارف". ويقول انه لم يلتق "شخصية عربية مؤهلة ان تقول بهدوء ووضوح انها تقبل بحق اسرائيل بالمعنى التاريخي وباقرار عميق". وفي رأيه انه "من الصعب التوصل الى تسوية اسرائيلية فلسطينية حقيقية تلغي الصراع، "وانا لا ارى انه يمكن في السنوات القريبة خلق واقع مختلف يرغب فيه الكثير من الاسرائيليين". ثم يبدي المستشار الامني استغرابه انه "لا يوجد انور سادات فلسطيني ولا منديلا فلسطيني".

ويصدر حكمه على الرئيس محمود عباس لكونه "ليس فظاً مثل عرفات وليس منفلتاً ومتطرفاً مثل حماس". ويتابع تقويمه انه حتى عند محمود عباس "لا ألاحظ وجود اهتمام وارادة للوصول الى نهاية الصراع مع اسرائيل، بل على العكس، فهو يحافظ على ادعاءات ابدية ضدنا ويشعلها". ويؤكد عوزي اراد انه "لا يرى قيادة فلسطينية ونظاماً فلسطينياً وانما منظومة غير مرتبة للقوى والاجنحة". اذا كانت هذه اقتناعات المستشار فما بالكم برئيس الحكومة نتنياهو؟
لكن اراد لم يكتف بهذا القدر، بل ذهب الى التأكيد انه اذا كان من تسوية اقليمية فانها تسوية ستبقي اسرائيل على هضبة الجولان وفي عمقه". واكمل بغطرسة معهودة انه "يجب القول بشكل قاطع نعم للسلام ولا للتخلي عن الجولان"!
يبدو ان هذا قليل من كثير. ويجيء اليوم – (الاحد) الموعد الاسبوعي لانعقاد مجلس الوزراء الاسرائيلي، فاذا لم يتم التنصل من هذه التصريحات التي ادلى بها اراد، فيعتبر هذا موقفاً رسمياً متكاملاً لحكومة نتنياهو، وأغلب الظن، بل يقيني ان التنصل لن يحصل. اذاً كيف المواجهة؟
في اليوم نفسه الذي نشر فيه هذا الحديث الاستفزازي والممهد لاجهاض حقوق الشعب الفلسطيني وجميع مقومات الشرعية الدولية، قال الرئيس المصري حسني مبارك للصحيفة الاسرائيلية "يديعوت احرونوت" ان اللاجئين لن يعودوا"، موضحاً "انني ارى بحق ان العودة "مسألة نفسية بالاساس". واعطى مثلا ان فلسطينياً عاش 40 عاماً في اميركا، وهو يريد فقط أن يعرف ان لديه حقاً بالعودة. فبعد هذه السنوات الطويلة جداً، وبعدما درس وتزوج ووجد عملا وانجب اولادا، لماذا سيغيّر عنوانه؟ ولماذا سيرغب في العودة؟". والسؤال ليس حقاً للمهاجر الى الولايات المتحدة، بل يا سيادة الرئيس حق العودة للاجئين الى المخيمات في لبنان والاردن وفلسطين المحتلة وسوريا!
ومعلوم ان العقيدة الصهيونية تؤكد ان على العرب الاعتراف لا باسرائيل القائمة داخل حدود حزيران 67، بل باسرائيل دولة "للشعب اليهودي" بما ينطوي عليه هذا التعريف من التمدد الاستعماري في أراض فلسطينية وعربية اخرى، كما ينطوي على ترحيل وان على دفعات لعرب داخل الخط الاخضر.
سيدي الرئيس المصري، المسألة ليست "نفسية" كما ان الصراع العربي – الاسرائيلي لم يكن 99 في المئة موضوعاً نسبياً كما قال الراحل الرئيس انور السادات.

***


امام مضمون استراتيجية اسرائيل وما تنطوي عليه من اخطار جمة لا على شعب فلسطين وحده بل على مزيد من التفكيك داخل الامة، الم يحن الوقت لتردع كل المؤسسات العربية (ومن ثم الدولية) هذا التمادي الاسرائيلي في الاستفزاز والتهديد بالغاء ما تبقى من حقوق سميت غير "قابلة للتصرف" بموجب القانون الدولي؟ وامام شروط "السلام" المذلة التي تنطوي على المعالم الاولية لهذه الاستراتيجية الاسرائيلية التي كانت الثابت والتي اختبرتها فلسطين ولبنان وسوريا ومصر وتونس وغيرها منذ قيام اسرائيل، والتي كما اكد اراد بالامس دون الحاجة الى استمرار في مظاهره الملتبسة، ألم يحن الوقت ليستجمع العرب قواهم الفكرية والاقتصادية من اجل حسم استراتيجية مقابلة تتسم بامكان الردع ومن ثم التصويت؟

وفي طليعة ما قد يردع اسرائيل ويردع تماديها في انجاز مشروعها الصهيوني، تعبئة قوى قادرة ومستعدة للاسهام في استنباط استراتيجية واقعية للمواجهة، واعادة تفعيل قرارات المقاطعة العربية وملاحقة اسرائيل في المحكمة الدولية الجنائية، واستنفار مؤسسات البحث والدراسات والحكومات العربية والجامعة العربية ومؤسسات المجتمع المدني. ان ما ورد من مجلس الأمن القومي الاسرائيلي لا يجوز مطلقا الاستهانة به... كما يجب ان يحرضنا جميعا وفورا على توفير خطاب موحد قادر على الاقناع. وتبقى الوحدة الوطنية الفلسطينية هي الاهم للمواجهة والحؤول دون الذوبان في ما يعده الاسرائيليون للشعب الفلسطيني.

هذا الاستفزاز الذي شكله مستشار نتنياهو ورئيس مجلس الأمن الاسرائيلي، اذا لم يرد عليه سريعاً وبدون تسرع، فالخيار الآخر عار مجرد التفكير في احتماله.

التعليقات