31/10/2010 - 11:02

كيف نرى العدوان البربري؟؟؟../ علي جرادات

كيف نرى العدوان البربري؟؟؟../ علي جرادات
في تزامن مع عسكرة المدمرة الأمريكية "كول" قبالة الشواطئ اللبنانية؛ وأسابيع قبل موعد عقد القمة العربية، وما حولها مِن خلافٍ رسمي عربي ينذر بتفجيرها أو خفض مستوى تمثيل بعض الأقطار الفاعلة فيها؛ وشهور قبل رحيل ادارة بوش من البيت الأبيض؛ وبعد اطمئنان أولمرت على تجاوز أزمة عدوان تموز 2006 الفاشل على لبنان، وضمان بقاء ائتلافه الحكومي في السلطة؛ وفي أعقاب اغتيال عماد مغنية، وترقب ردِّ حزب الله وتداعياته؛ وعلى وقع ارتفاع وتيرة الانقسام الفلسطيني الى درجة التنازع غير المعلن على شرعية التمثيل الفلسطيني؛ وفي غمرة اجماع فلسطيني على أن الاتصالات السياسية مع الإسرائيليين التي اعقبت "أنابوليس" قد وصلت الى طريقها المسدود، وما يفرضه ذلك من ضرورات البحث في البدائل الوطنية.. في ظل كل ما تقدم؛ وفي ظل صمت دولي ودعم أمريكي وتلعثم رسمي عربي، أمرت الحكومة الإسرائيلية جيشها بتنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد غزة، هي، وإن كانت غير شاملة حتى الآن، فإنها فاقت كل تصور في فظاعتها، وتشكل حملة تطهير عرقي وابادة جماعية رهيبة، لم تسثنِ حتى الأطفال الرضَّع من جرائمها.

بصرف النظر عن مسار التطور الميداني والسياسي لجرائم الحرب الإسرائيلية المستمرة، وهو الأمر الذي تتباين حوله تقديرات المحللين:

بين مَن يرى أن العملية العسكرية الإسرائيلية إنما تهدف الى حسم الوضع في غزة بصورة نهائية، وبالتالي فإنها ستتطور الى اجتياح شامل على غرار ما جرى في الضفة الغربية في آذار 2002، أي ستكون بمثابة عملية "سور واقي 2"، وإن كانت دون الاحتلال المباشر الدائم لغزة.

وبين مَن يرى أن هذه العملية، إنما تهدف الى الضغط بصورة نوعية، ما يفرض تدخل طرف ثالث، كالمصريين مثلاً، مِن أجل تحقيق وقفٍ لاطلاق الصواريخ وإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي وفق الشروط الإسرائيلية، وذلك بهدف تهدئة الوضع في غزة لصالح التفرغ لعدوان محتمل على لبنان، أو إشعال حرب اقليمية واسعة في المنطقة.

أقول بصرف النظر عن سؤال الى أين يتجه مسار تطور العدوان البربري الجاري في قطاع غزة، فإن الهدف السياسي لهذه العملية العسكرية التطهيرية هو أوسع مِن "ذريعتها"، أي ذريعة وقف اطلاق الصواريخ محلية الصنع.

هذا ما يجب أن يستوعبه أولئك الذين يفصلون بين الحروب الإسرائيلية ورؤاها السياسية في مداها القريب والمتوسط والبعيد. وكذا فإن على الجميع التيقن بأن هذه العملية العسكرية الوحشية تنطلق أولاً وأخيراً مِن راهن أجندة إسرائيلية تخدم الرؤية الإسرائيلية بعيدة المدى لمصير الضفة والقطاع، وتتقاطع مع الرؤية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة لكافة قضايا المنطقة، وقضية الصراع العربي الإسرائيلي بشكل خاص. وبالتالي، فإن مِن السذاجة السياسية الظن أن العمليات العسكرية الإسرائيلية الجارية يمكن أن تكون لنصرة طرف فلسطيني على آخر، بل هي معركة في هدف سياسي لاضعاف كافة الأطراف الفلسطينية، بما يمهد الطريق أمام الحلول الإسرائيلية الإلغائية الإلحاقية العتيقة، أي تصفية القضية الفلسطينية.

دون حسم الوعي الوطني الفلسطيني لهاتين المسألتين:
مسألة عدم الخلط بين ذريعة العملية العسكرية الإسرائيلية البربرية وهدفها السياسي من جهة.
ومسألة أن هذه العملية لا علاقة لها بالنزاع الداخلي الفلسطيني إلا بمقدار العمل على تعميقه من جهة ثانية... أقول دون حسم هاتين المسألتين، يبقى الوعي الوطني الفلسطيني تائهاً، ويدور حول نفسه في لحظة مصيرية. وقد تجلى ذلك واضحاً من خلال خطيئتين في القراءة السياسية للعملية العسكرية الإسرائيلية الوحشية المستمرة في غزة:

الخطيئة الأولى: إصرار البعض على عدم رؤية الأمور كما هي في الواقع، إذ يتوهمِ أن العملية العسكرية الإسرائيلية تندرج في اطار دعم طرف فلسطيني على طرف آخر، بل وإتهام هذا الطرف بالتواطؤ مع هذه العملية، دون تكليف النفس بالتبصر في معنى ودلالات أن ما يجري من اتصالات سياسية مع الإسرائيليين لم تفضِ الى أية نتيجة، بل وإقرار حتى مَن يقوم بهذه الإتصالات أنها وصلت الى طريقها المسدود، وأنها لا تعدو أكثر مِن تغطيةٍ على ما يجري تكريسه مِن حقائق الأمر الواقع بهدف تثبيت الرؤية السياسية الإسرائيلية لتسوية الصراع، والقائمة على رفض الإعتراف بالفلسطينيين كشعب، ورفض الإقرار بحقهم في تقرير المصير السيادي في دولة مستقلة وعاصمتها القدس، ناهيك عن الرفض المطلق لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى ديارهم التي شردوا منها.

الخطيئة الثانية: إصرار بعض آخر على الاعتقاد بأن العملية العسكرية الإسرائيلية الإجرامية هي فعلاً بسبب عمليات اطلاق الصواريخ محلية الصنع على سديروت وغيرها من المواقع الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، دون أن يكلف هذا البعض نفسه في التبصر في معنى عدم استجابة الإسرائيليين للتهدئة التي أعلنها الفلسطينيون غير مرة بالإجماع من طرف واحد، ودون التبصر في دلالات مواصلة عمليات تهويد القدس وابتلاع منطقة الأغوار وتكثيف عمليات مصادرة الأراضي والإستيطان في الضفة عموماً، فضلاً عن استمرار البناء في جدار الفصل السياسي العنصري، وعدم توقف العدوان العسكري الإسرائيلي، بأشكاله، على مدن وقرى ومخيمات الضفة، وهي الخالية من الصواريخ، ولا تشهد منذ شهور أي تصعيد للفعل المقاوم بمعناه المسلح.

هاتان الخطيئتان في القراءة السياسية للعمليات العسكرية الجارية في غزة، وفضلاً عما يقودا اليه من عرقلة لفرصِ الافادة من التصعيد الهمجي الإسرائيلي في لملمة الصف الوطني بالمعنيين السياسي والميداني، فإنهما بوعي أو مِن دونه، يغفلان مرامي الخطة السياسية الإسرائيلية بعيدة المدى تجاه قضايا الضفة والقدس واللاجئين، لأن هذه القضايا، وبرغم التركيز العسكري الإسرائيلي آنيا على غزة، تبقى هي الأهم مِن الزاوية السياسية، بمعنى من زاوية ضرب المشروع الوطني الفلسطيني، والعمل على اجهاضه، عبر العودة الى الحلول التصفوية للقضية الفلسطينية، مِن خلال مشاريع الإلغاء والالحاق والتوطين، يشجع سائد السياسة الإسرائيلية على الأمل في فرضها ما يحيط بالقضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني مِن ظرفٍ دولي هو الأكثر مجافاة منذ عقود، وظرف قومي، أعتقد أنه الأسوأ منذ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة.

إن إصرار البعض على اجترار هاتين الخطيئتين، وفي هذه اللحظة بالذات، لحظة سيلان الدم بغزارة، لن يعيق اغتنام فرصة موضوعية مؤاتية للدفع باتجاه اعادة اللحمة السياسية للصف الوطني فقط، بل يساهم في ارباك لحمة الوحدة الشعبية واحباطها في المواجهة بالمعنى الميداني. ومِن المقطوع فيه أنه سيكون لهذه الإعاقة ولذاك الإحباط تأثير سلبي واسع على مجريات المعركة الناشبة مع آلة الحرب الإسرائيلية، ونتائجها السياسية، وتلك هي الأهم، ذلك أن جنرالات الاحتلال الإسرائيلي، كغيرهم من الجنرالات في أي مكان من العالم، إنما يخوضون المعارك والحروب لأجل تحقيق هدف سياسي، الأمر الذي يستدعي مِن الأطراف السياسية الفلسطينية كافة، الغوص أكثر، والتبصر أكثر، وتقليب الأمور أكثر، والتدقيق أكثر في تشخيص الهدف السياسي للعدوان العسكري البربري الجاري في غزة، الذي لا يمكن فصله بحال من الأحوال عما يجري التخطيط له مِن مصير سياسي للضفة، بل للمشروع الوطني الفلسطيني عموماً.

إن مدخلاً سياسياً غير هذا المدخل لقراءة الأزمة الفلسطينية، والعدوان الجاري في غزة آخر حلقات المحاولات الإسرائيلية لتعميقها، لن يقوى على التوصل الى تشخيص دقيق لاستحقاقات راهن الواقع الفلسطيني، وبالتالي لن يكون بمقدوره استخلاص البدائل الوطنية المطلوبة للصمود، عبر صد العدوان وافشال هدفه السياسي، فما بالك في القدرة على تحقيق الإنجازات؟!!!

التعليقات