31/10/2010 - 11:02

لأنهم من جنس البشر.../ فادي العلي

لأنهم من جنس البشر.../ فادي العلي
الأرمن.. وانتخابات المتن.. والسجال الدائر في لبنان بين الرئيس المهزوم وجنرال العلمانية اللبنانية، عناوين تتصدر الإعلام هذه الأيام، وقد تكون مدخلاً مناسباً لتناول قضية أخرى تحولت إلى خبر يومي روتيني أخذ له موقعاً ثابتاً على الشريط الإخباري إلى جانب أشقاء قدامى له من العراق وفلسطين ولبنان والسودان إضافة إلى حماقات طالبان..

ولأن اللبنانيين الأرمن يتعرضون لوخز إحساس عميق بات يُشعرهم بالألم، وذلك بعد تعرضهم من قبل زعيم فريق سياسي ينتمي إلى إقطاعية سياسية، لها باع طويل باحتكار العقول في مناطق واسعة من لبنان، تعرضوا لهجومٍ عنصري كاد أن يجردهم حتى من وطنيتهم، لذلك هم غاضبون، وهم بالطبع محقون.. ولا غبار على ذلك..

ولأن الشعور بالغضب ينتمي إلى مجموعة من الغرائز الإنسانية، لذا فإن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على غضب أيضاً.. ولأنهم ضيوف على هذه الأرض فهم مضطرون وفقاً للأعراف الرسمية في لبنان بأن يترجموا غضبهم دائماً إلى عبارات شكر وامتنان لكرم ضيافةٍ لطالما أخجلنا من شدة حفاوته..

فصار اللاجئ الفلسطيني معتاداً على عملية التأقلم مع كل ما يواجهه من ممارسات عنصرية فاضحة تدخل في تفاصيل حياته اليومية، وهي لا تبدأ من العمل والسكن والتعليم والطبابة، ولا تنتهي عند سواقي المجارير في أزقة المخيمات... وقد لا نبيح سراً هنا إن نوهنا بأن هذه الممارسات القذرة تطبق على أنفاس الفلسطينيين منذ عقود طويلة تحت مظلة وشبكة أمان قانونية وسياسية مستندةً إلى ذرائع عديدة، أكثرها إثارةً للسخرية هي ما يسمى حماية لبنان والفلسطينيين من التوطين.. فتم توطين الألم والقهر في خلاياهم..

ولأن الفلسطينيين في لبنان عابرو وطن، ولأنهم مجبرون على الإقامة وليسوا بمخيرين، لذا اعتادوا على التأقلم وارتضوا بالمخيمات وبؤسها سجوناً لهم، لكن هناك في لبنان من لم يستطع الاعتياد حتى الآن على تنشق الهواء من فضاء يقتطع الفلسطينيون بعضا من هوائه.. من أجل بعض الأوكسجين، فالهواء حق طبيعي لا علاقة له بدولة الفاكهاني..

كما أن للفلسطينيين في لبنان مثل ما لأبناء جلدتهم من هذا الشعب الممتد من فلسطين وصولاً إلى كل التخوم الحدودية، وعلى أي بقعة أرض قد تكون وطناً لوتد خيمة، فإن لهم في لبنان، أي اللاجئين، حظاً عاثراً في قيادتهم، فمن يمتلك قرارهم وحقوقهم وتأمين خدماتهم وصرف أموالهم، رجل استثنائي يشبه كثيراً بعنجهيته الفئوية ممثلين يقومون بتأدية أدوار في أفلام رعاة البقر الهوليودية، ومن يتولى إدارة مكتب منظمتهم في بيروت لم يكن يوماً في دائرة صنع القرار على مدى تاريخ منظمة التحرير وعامودها الفقري الخالي من الفقرات.. فهو ينتمي إلى مدرسة لطالما استهوت المراوغة والإستجداء السياسي، وتفتقد القدرة على ترجمة آلام وهموم شعبها إلى موقف سياسي حازم، فالحزم بات تقليداً بشرياً قديماً لامكان له على طاولة خبراء المفاوضات الفلسطينيين..

ولا بد من الإشارة بأن لا غاية شخصية في توصيف هؤلاء الأشخاص، لكنها عبارة عن محاولة وصف مُبسطة لقيادة مُهترئة تقود الوضع الفلسطيني المتداعي أصلا.. لا يشكل فارقاً كبيراً في بؤسه عن جزء من قيادته الرسمية والمعتمدة من قبل الحكومات اللبنانية المتعاقبة..

لذا فقد جسدت مأساة مخيم نهر البارد هذه الحالة المُزرية من التعاطي الرسمي الفلسطيني والمعتمد في لبنان مع الواقع الفلسطيني، ومدى تواطئه بشكل مقصود أو من خلال ممارسة سياسية غير ناضجة قائمة على مصالح فئوية ضيقة، مع ما يحدث من استهداف معنوي وسياسي وإنساني لسكان مخيم نهر البارد، وما يتبع ذلك من صيغ سياسية وأمنية جديدة يتم طبخها على نارٍ هادئة منذ مدة طويلة، وعلى ما يبدو فإن موعد نضجها قد حان وهذا لا يعني ضرورة نجاحها.. فابتعاد هذه القيادة عن هموم شعبها وصل إلى درجة توفير تغطية سياسية لقصف المخيم من قِبل الجيش اللبناني الذي لانستطيع إغفال دوره وموقفه الوطني والمبدئي تجاه المقاومة، لكن هذا لايعني التسليم بأن لهذا الجيش الحق بتدمير المخيم وتشريد أهله تحت أي مبرر.. فاحترام السيادة في لبنان لايعني القبول بقتلنا.

ومن هنا لا أجد نفسي مضطرا لكتابة مفردات الإطراء والتعظيم لقدرات هذا الجيش ومايمثله من مكانة سياسية ووطنية عند البعض في لبنان، فالقيادة الفلسطينية قدمت من آيات الاحترام ما يكفي لجيش استنزف نفسه في معركة كان من الممكن حسمها سياسياً مع عصابة اختطفت المخيم بالمقام الأول، ولعله كان من الأجدر بدلاً من التغني بقدرات الجيش اللبناني، أن تتم ملاحقة ومحاسبة من قدم لهذه العصابة يد العون .. ومن جعل منها فخاً للجيش.

وعلى الرغم من إدراكنا لحقيقة ماثلة أمام أعين الجميع، بأن هذه المؤسسة مستهدفة شأنها شأن الوجود الفلسطيني وسلاحه في هذه المعركة، فهذا لايعني السكوت عما يجري والاكتفاء بالعتب الصامت داخل المجالس الخاصة، ولم يعد مقبولاً الإيحاء لمؤسسات التحريض الإعلامية في لبنان بأن هناك انسجاماً فلسطينياً رسمياً مع ما يجري، فهناك آلاف المشردين لا أمل بعودتهم سريعا إضافةً إلى حملة تحريض وتشويه للحقائق تصور المعركة على أنها تُخاض ضد تنظيم فلسطيني يلقى ترحيباً شعبياً واحتضاناً من بعض الفصائل له وغير ذلك من الأكاذيب، والمسؤولية اللبنانية كبيرة وفاضحة، لأن الجيش ومن قام بتحريضه على خوض هذه الحرب قد سقطوا أخلاقياً، فاستهداف المدنيين وتشريدهم دون أي اكتراث وما يلي ذلك من آثار معنوية ومادية، لاعلاقة له بمفهوم البطولة، والتعرض لمدنيين عُزل على حواجز الجيش لا يستحق بأن تُؤلف له أغانٍ وطنية تمجد بطولات وهمية، في الوقت الذي كانت فيه ذكرى حرب تموز بحاجة لهذه الإبداعات الفنية.

لا يحق لنا تجاهل آلام البشر فهذا إفراغ لدواخلنا من أي قيمة إنسانية، فهل حاولت وسائل الإعلام والتي دقت طبول هذه الحرب، أن تمارس دوراً إعلامياً بطريقة مهنية وموضوعية وبشكل جاد بعيداً عن تسجيل المواقف ترصد من خلاله أحوال من شُردوا من جديد وحطوا في مخيم البداوي؟؟

لذا وفي ظل الوضع الفلسطيني المتناحر في الضفة والقطاع، لا أمل يُعول إلا على النخب الفلسطينية والعربية الحية، فعليها أن تمارس دوراً اجتماعياً وإنسانياً بعيداً عن دهاليز السياسة، فالفلسطيني بحاجة إلى رؤية جديدة لقضيته ولبعدها الاجتماعي والذي يُطمس دائما بمبررات السياسة.

لاجئو لبنان بحاجة إلى برامج تنموية اجتماعية واقتصادية طارئة تعالج قضاياهم وظروفهم المعيشية اليومية، والتي لطالما تعرضت للاختزال كغيرها من الجوانب الإنسانية والأمنية تحت عنوان حق العودة، دون التعمق بأزماتهم والإكتفاء بوضع العناوين السياسية العريضة وتجاهل إنسانيتهم، فمن يطلب من هذا الشعب الصمود عليه أن يوفر مقومات الصمود له أولاً، كما أنه على القيادات السياسية سواءً في رام الله أو في غزة أن يكفوا عن النظر إلى هذا الشعب على أنه إسطورة لا دماء فيها..

التعليقات