31/10/2010 - 11:02

لإنقاذ الرئيس من نفسه.. تقرير استخباراتي علني!../ عبد اللطيف مهنا

لإنقاذ الرئيس من نفسه.. تقرير استخباراتي علني!../ عبد اللطيف مهنا
يسميه الإسرائيليون، توجساً من تداعياته وغمزاً ولمزاً بواضعيه، بـ"التقرير العلني"... أمّا الأمريكان، خصوصاً في الجانب الديمقراطي أو المنافس الانتخابي، فيريدونه إعصاراً تاريخيّاً لهزّ ساكني البيت الأبيض في واشنطن، ويتمنون أن يفعل فعله بالإدارة الراحلة بعد عام أكثر مما تفعله الأعاصير الهوجاء الضاربة لشواطئ فلوريدا... أما العالم فيرى فيه زلزالاً مجلجلاً سجّلت تردداته على الفور في كل من موسكو وبكين، و به ابتهجت إيران أيما بهجة وهي تتابع تداعياته... إنه التقرير الاستخباراتي الذي فاجأ الجميع عندما نشر مؤخراً في واشنطن، وبعد أسبوع واحد من تقديمه لسيد البيت الأبيض... التقرير الذي أجمعت عليه طوائف الاستخبارات الأمريكية بفروعها الستة عشر، والذي خلصت فيه إلى أن إيران قد جمّدت برنامجها النووي منذ أمد... منذ أربعة أعوام بالتمام والكمال.

أولى الاستنتاجات السريعة المتعلقة بتداعيات مثل هذه المفاجأة، ولا هم هنا إن كانت متوقّعة مدروسة أو منتظرة مقصودة أو ليست كذلك، هو أن هذا التقرير المدوي لسوف يكون من شأنه أن يضع الرئيس بوش وإدارته، ومحافظيه الجدد، ومعهم صهاينة واشنطن ومسيحييه المتصهينين، في قفص الاتهام، الأمر الذي يعيد للأذهان فضيحة فضائح العصر الدموية، المتعلقة بانكشاف زيف وبطلان وكذب الإدعاءات الأمريكية المبررة لغزو العراق، المتمثلة في مزاعم امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، تلك التي لم يعثر عليها بعد احتلاله وتدميره ونهبه وذبح ما يقارب المليون من بنيه وتشريد الملايين.

وإن هذا التقرير سوف يشل الإدارة في عامها الأخير المتبقي في البيت الأبيض، وسيوجه صفعة قوية لها سيعاني الحزب الجمهوري من آلامها انتخابياً... ويقول قائلون كثر، لا سيما في الولايات المتحدة، حيث لا يمكن تجاهل كون التقرير يستهدف فيما يمكن أن يعدد من استهدافاته أنه موجه للداخل الأمريكي: إن أقل ما يقال فيه أنه قد حرم بوش من فرصة شن الحرب العالمية الثالثة التي بشّر أو حذّر، ولا فرق، الإيرانيين ومعهم العالم من دق طبولها، وصولاً إلى بعث القوّة في تعالي الأصوات المطالبة بمقاربة سياسية جديدة للأزمة مع إيران..

وهنا نأتي إلى ثاني الاستنتاجات السريعة، وهو وجوب التساؤل عن سر تسريبه المتعمد، أو سرعة السماح بنشره، وبعد أسبوع واحد لا أكثر من تقديمه لرئيس الولايات المتحدة؟!
البعض، يبسط، فيعيد الأمر، أو بعضاً من أسبابه، إلى أن الاستخبارات أو مجمّع طوائفها الست عشر، أراد أن يردّ للإدارة الصاع صاعين، لما سبق للإدارة وأن حملتها من أوزار ما زعمت أنّه القصور الاستخباراتي، أو بلغة أخرى، محاولتها إلقاء كره انفضاح أكاذيب ومزاعم مبررات الغزو المعروفة للعراق في ملعبها.

وآخرون يرون أن الإدارة في وضع من لا يمكنها التستر عليه، وأن تسريبه من قبل الديمقراطيين في الكونغرس مثلاً لن يطول به الوقت، ولذا قررت الإدارة نشره ومحاولة استثماره ما أمكن وبذل ما تستطيع لمحاصرة تداعياته...

كل ما تقدم هو وارد، بيد أن المثير هو القول بأن "التقرير العلني"، وفق التوصيف الإسرائيلي، تشكل خطوة نشره كما جرت علامة واضحة في صراعات أجنحة الإدارة المرتبكة جرّاء تخبّط مشاريعها الإمبراطوريّة في العالم و المنطقة مؤداها إعلان وزير الخارجية كونداليزا رايس الضمني انتصارها على نائب الرئيس ديك تشيني، والمتمثل في قولها تعقيباً على التقرير:

إن "الضغوط الدولية والتدقيق الدولي دفعا إيران إلى وقف البرنامج. والحق فإن الضغط والتدقيق الدوليين يمكن أن يدفعاها إلى اتخاذ الخيارات السليمة"... واعترف ديك تشيني، أيضاً ضمناً، بالهزيمة، عندما عقب هو الآخر قائلاً بتعقّل مفاجئ لم يعرف عنه: "إنه من المهم أن نواصل الطريق ونحاول إقناع إيران بالوسائل الدبلوماسية"!

...وقد نمضي أبعد في طرح الأسئلة حول التقرير الزلزال المثير حقّاً للأسئلة، لجهة نشره بالصورة والسرعة التي تمّـت، باحثين عن أسباب منطقية، وإن جانب المنطق الكثير من السياسات الإمبراطورية الأمريكية، لا سيما في عهد أباطرتها من المحافظين الجدد، فمثلاً، هل نبالغ إذا ما قاربنا السؤالين التاليين:

الأول: ترى هل أتت حملة المشروع النووي الإيراني الأمريكية أكلها المنشودة من حيث التوظيف ضد إيران والعالم الإسلامي، أو أنها قد بلغت حدودها في التصعيد غير المطلوب تجاوزها؟!
والثاني: وعطفاً على الأول، هل هناك ما يلوح من نوايا متبادلة مفترضة للوصول إلى توافق ما بين الطرفين الأمريكي والإيراني، لا سيما في العراق؟!

إنّه احتمال، وإن بدا وفق طبيعة العلاقة بينهما مستبعداً، إلا أنه أمام مفاجأة التقرير المدوية سؤال يجوز طرحه مع سابقه... وإجمالاً، إنهما على أية حال مع سواهما تساؤلات تستحق أن تطرح قيد التفكير، ولن يطول الوقت حتى تجد أجوبتها.

هنا لا بد من التوقف أمام ردي فعل سريعين جاءا إثر نشر التقرير العتيد، أولاً رد فعل الإدارة الأمريكية، والثاني رد الفعل أو الصدى الإسرائيلي. لقد انقسم الردين بين إصرار الإدارة على مواقفها وإصرار إسرائيل، التي بدت فاقدة القدرة على إخفاء ذعرها، على رفض الاستنتاجات التي ذهب إليها التقرير والتشكيك فيها مواربةً... إذ أن في إسرائيل من يحذر: "في كل الأحوال لا ينبغي الصدام مع محافل الاستخبارات الأمريكية "!

لقد حسم الرئيس بوش الأمر: "إيران كانت تمثل خطراً، وإيران تمثل خطراً الآن، وإيران ستمثل خطراً في المستقبل، إذا حصلت على تقنية صنع سلاح نووي"!
وعليه، فهو لا يرى في القرير إلا كونه "إنذاراً، لأنهم كانوا يملكون البرنامج وقد أوقفوه... لكنهم يمكن أن يعيدوا العمل به في المستقبل"!
وعليه، يعيد إلى الأذهان أنه بالنسبة له "كل الخيارات مطروحة على الطاولة"!

من هنا، فإن "على الإيرانيين اتخاذ خيار استراتيجي... فإما أن يوضحوا موقفهم أمام المجتمع الدولي حول نطاق أنشطتهم النووية، ويقبلوا تماماً العرض المقدم لهم والحضور إلى طاولة التفاوض... وإما أن يستمرّوا على طريق العزلة"!

... والآن، ماذا عن إسرائيل؟
كان ما عكسه الإعلام الإسرائيلي وما صدر عن المستويين السياسي والأمني هناك، هو أقرب إلى المناحة المكتومة، أو الخيبة التي من الصعب كتمها، تلك التي نمت عن إنزعاج حقيقي روعى إلا تصل مظاهرة من الحدّة درجة انتقاد الحليف الأكبر مباشرة. وفي كل الأحوال بدأ التشكيك غير المباشر في الدوافع وقبلها في صحّة الاستنتاجات الأمريكيّة... لعل الأطرف ما جاء على لسان باراك، وزير الحرب، الذي رفض مقولة إيقاف إيران لبرنامجها النووي، بهذه العبارة: "على حد علمنا أنها استأنفته على الأرجح"!!!

وإذا كان رئيس الوزراء أولمرت قد سارع إلى عقد اجتماع مع قادة أجهزة الأمن لتقييم "الضرر الذي ألحقه التقرير الأمريكي بالصراع الدولي ضد النووي الإيراني"، فإنك تسمع عجباً من وسائل الإعلام الإسرائيلي الندّابة هذه الأيام، أو تلك التي تقول صحيفة "هآرتس" نيابة عنها:
إن " إسرائيل تلقّت صفعة مدوية من خلال هذه الخطوة. أولاً كان هذا فشلاً ذريعاً للاستخبارات الإسرائيليّة التي لم تميّز كيف تقوم حليفتها المقرّبة بتركها وحدها في الميدان"!

وتضيف: "إذا كانت أجهزة الاستخبارات والمستوى السياسي في إسرائيل لا تعرف بما حدث في واشنطن نفسها، فكيف يمكن أن نصدّقها عندما نرى أنّها تدري بما يجري في طهران؟!"

المشكلة عند "هآرتس" وأخواتها الإسرائيليّات، والمستويات السياسية والأمنيّة هناك، هو يكمن فيما استنتجته الصحيفة، من أنّه "لا يمكن لأي رئيس أمريكي بما في ذلك بوش أن يهاجم إيران في ظل هذا التقرير"، حيث أصبح من المرجّح والذي يستحق الأسف من قبل الإسرائيليّين هو أنّ "الولايات المتحدة لن تقاد مرة أخرى إلى الحرب على يد مجموعة صغيرة من الأيديولوجيين المحافظين التي سيطرت على سياستها الخارجيّة والأمنيّة وشوّهت المعلومات الاستخباراتية بصورة تخدم نهجها الأيديولوجي".

لكن المباشر الذي استحق غضبة الإسرائيليّين هو ما عبّرت عنه الصحيفة بالقول إنّه "من الواضح أنّ التقرير قد أدخل العصا في دواليب قطار العقوبات ضد إيران"... لتصل إلى طرح سؤال أوّل من طرحه هم الإسرائيليّون والذي يوجّه أصابع الاتهام مباشرة إلى كونداليسا رايس حيث تقول: هل هي التي أقنعت الرئيس الأمريكي بنشر التقرير لتقييد الإدارة من احتماليّة شن عمليّة عسكريّة ضد إيران؟!

لتصل "هآرتس" بالتالي نيابة عن الإسرائيليّين إلى استنتاج آخر يقطع بأن :"أجهزة الاستخبارات (الأمريكيّة) قد أخذت على عاتقها المهمّة الوطنيّة المتمثّلة بإنقاذ بوش من نفسه بدعم من كونداليسا رايس"!!!

قد يكون من المفيد التعرّض لرد فعل ثالث جاء من الحليف الأوروبي، بدءاً بمسارعة الرئيس الفرنسي ساركوزي والمستشارة الألمانيّة ميركل إلى الانضمام إلى حملة بوش الرامية إلى إبقاء إيران تحت طائلة وضعها الدائم على قائمة محور "الخطر النووي"... قال الأول، أن "التهديد الإيراني موجود". وقالت الثانية، أن إيران "لازالت تمثّل تهديداً"... وقال وزراء خارجيّة الإتحاد الأوروبي والناتو مجمعين: "بخصوص إيران اتفق الجميع على أنّه يتوجّب علينا أن لا نعدّل موقفنا... عندما يمتلك الإيرانيّون المواد الأساسيّة بإمكانهم أن يقرّروا في أيّ وقت إنتاج سلاح نووي"...

الجميع في الغرب، لا يريدون أن يصدّقوا إيران، أو محاولة العودة إلى فتوى مرشد الثورة الإيرانيّة، بما فيهم واضعو التقرير الذي يؤكدها، والتي إن صدّقوها كانت ستكفيهم عناء ما بذلوه من جهد في وضع التقرير... الفتوى القاضية بتحريم اقتناء أسلحة الدمار الشامل... وفي كل الأحوال فالمهم عندهم هو أن لا تصل إيران أو أي دولة مسلمة إلى امتلاك المعرفة بالتقانة النوويّة ولو نظريّاً...

على أيّة حال، نختم برد فعل رابع، هو الإيراني، الذي جاء على لسان رئيس الجمهوريّة، محمود أحمدي نجاد: "إيران انتصرت"..!
ربّما ما أوصل نجاد لمثل هذا الاستنتاج، هو رد فعل خامس دوليّ كان جهيراً هذه المرّة، جاء سريعاً ولم يتأخّر وروده البتّة:
الصينيّون والروس قالوا: " الأمور تغيّرت"... وكلاهما استنتجا تلقائيّاً وجوب ربط استنتاجات "التقرير العلني" الأمريكي بأي مشروع قرار دولي قد يستجد طرحه يبحث في فرض عقوبات على إيران...!!!

التعليقات