31/10/2010 - 11:02

لا.. لا تعد يا حواتمة!../ زهير اندراوس

لا.. لا تعد يا حواتمة!../ زهير اندراوس
لا يختلف اثنان بأنّ تطبيق مبدأ حق العودة للفلسطينيين الذين ُشردوا من أرضهم ووطنهم في النكبة المشؤومة، هو خطوة في الاتجاه الصحيح، ولا نكشف سراً إذا أكدنا في هذه العجالة بان العودة أهم بكثير من إقامة الدولة الفلسطينية العلمانية الديمقراطية وعاصمتها القدس المحتلة.

نسوق هذا الكلام ونحن نتابع المشهد العبثي حول استعداد الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، المناضل نايف حواتمة، الدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عدوان الخامس من حزيران (يونيو) من العام 1967. السؤال الذي طرح نفسه في هذا السياق: لماذا يريد حواتمة العودة إلى رام الله؟ هل صحيح ما تنشره وسائل الإعلام العبرية في إسرائيل عن أنّ حواتمة سيمنح الدعم الكامل لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن) ورئيس حكومته سلام فياض، في اتخاذ القرارات ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بموجب التعهدات في الاجتماع مع رئيس وزراء الدولة العبرية إيهود أولمرت، الذي يخطط سياسته الخارجية على أنغام النشاز الواصلة إلى فلسطين من الإدارة الأمريكية التي لا تكن لا الاحترام ولا التقدير لكل ما هو عربي ومسلم.

حواتمة هو رمز من رموز النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي على مدار عقود من الزمن. فالرجل، الأردني الأصل، كرس كل حياته من اجل فلسطين ومن أجل تحقيق حلم شعبها بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

علاوة على ذلك، فلا يمكننا التطرق أيضاً في هذا السياق إلى أنّ الرفيق حواتمة، أعلن عن معارضته المبدئية لاتفاق أوسلو، الذي وقع في العام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين الدولة العبرية التي كان يرأس حكومتها اسحاق رابين. ولمنع أي التباس علينا أن نتذكر جميعاً بان عباس نفسه هو الذي طلب من سلطات الاحتلال الإسرائيلي السماح لحواتمة بالعودة إلى الضفة الغربية المحتلة، بمعنى أخر، فان السماح له بالدخول إلى الأراضي الفلسطينية سيكون، إذا خرج إلى حيز التنفيذ، تحت إشراف المحتل الغاشم، وهذا بحد ذاته مذلة مجلجلة لتاريخ حواتمة النضالي من أجل قضية العرب الأولى، قضية فلسطين. لا بل أكثر من ذلك، نقولها بمرارة شديدة، إنّ موافقة حواتمة على الشروط والإملاءات الإسرائيلية في تطبيق العودة ستكون وصمة على جبين هذا القائد الشجاع، الذي لم يأل جهداً في الدفاع عن القضية خلال السنوات التي خلت.

بكلمات أخرى، فإنّ موافقة حواتمة على العودة وفق الشروط الإسرائيلية، ستُسجل سلباً عليه، وتشطب تاريخه النضالي الحافل، لا بل أكثر من ذلك، فان موافقته على الدخول إلى الأراضي الفلسطينية وفق الشروط التي يضعها المحتل المغتصب يمكن اعتبارها بشكل أو بأخر انبطاحاً أمام الدولة العبرية. أو دعنا نقول إنّ موافقة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إلى الأراضي الفلسطينية هي بمثابة التوقيع على اتفاق الرضوخ للمحتل الإسرائيلي، والاعتراف به ضمناً، بأنه صاحب السيادة على أرض ليست له وعلى هواء يتنفسه ويمنعه عن الفلسطينيين.

من ناحية أخرى، يمكن القول الفصل إنّ عودة حواتمة إلى الضفة الغربية المحتلة لمساعدة عباس هي انحياز الجبهة الديمقراطية إلى جانب أحد أطراف الاقتتال، بدل التأكيد على ضرورة الحوار.

لا يا أيها الرفيق حواتمة، ما هكذا تورد الإبل، لأنّ مجرد موافقتك على العودة بوساطة لدى أولمرت تمس بك وبشخصك وبجبهتك الديمقراطية مساً سافراً، وتمنح المحتل فرصة التلذذ في الموافقة على العودة من ناحية، ووضع العراقيل من ناحية أخرى. نعتقد أنّ تاريخك المشرف لا يسمح لك بالإقدام على خطوة من هذا القبيل، لان الثائر الحقيقي لا يمكنه بأي حال من الأحوال مساومة المحتل، وبالتالي نقترح على الرفيق حواتمة الإعلان اليوم اليوم قبل غد، بأنّه يرفض الدخول إلى فلسطين الحبيبة والغالية وفق الشروط الصهيونية، وإذا لم يفعل ذلك فعندها ينطبق عليه المثل على نفسها جنت براقش.

كيف ستعود أيها الرفيق، وأنت تعلم أنّ إسرائيل تعمل بكل ما أوتيت من قوة من أجل طرد الفلسطينيين من أراضيهم؟ كيف تقبل العودة وأنت على دراية بان المحتل الإسرائيلي الخبيث والغدار يمنع عشرات آلاف الفلسطينيين من الدخول إلى أراضيهم في الضفة الغربية المحتلة وفي قطاع غزة.

أما النقطة الثانية التي نرى لزاماً علينا أن نعيدها إلى الأذهان فهي قضية عودة الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الرفيق الشهيد أبو علي مصطفى إلى الأراضي الفلسطينية. لقد سمحت له إسرائيل بالعودة إلى مسقط رأسه في عرابة جنين، وبدأت بملاحقته متهمة إياه بأنه عمل على إعادة تنظيم صفوف الجبهة الشعبية في المناطق الفلسطينية المحتلة، حوّلوه إلى إرهابي، وعندما سنحت الفرصة لهم، اصدر وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك، العمالي بنيامين بن اليعزر، أوامره لتصفية الرفيق أبو علي، طيّب الله ذكره. فإسرائيل هي الدولة المارقة التي علمتنا أنها لا تحترم الاتفاقيات، وتقوم بإعمال منافية لجميع المواثيق والمعاهدات الدولية، وهي أيضاً الدولة التي تحتل المكانة الأولى في عدم تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العمومية للأمم المتحدة. استشهد الرفيق أبو علي مصطفى بعد أن قامت طائرتان من سلاح الجو الإسرائيلي بإطلاق عدد من صواريخ الحقد والغدر والكراهية عليه وهو في مكتبه في مدينة رام الله المحتلة، فمزقت جسده إلى أشلاء، هكذا يتعامل الاحتلال الصهيوني مع المقاومين الشرفاء.

بناءً على ما تقدم، نعتقد أنّ مجرد موافقة الرفيق حواتمة على العودة إلى رام الله المحتلة هي خطأ فادح يرتكبه هذا المناضل العنيد، وبما أننا لا نتخذ من المزايدة طريقاً، فإننا نكتب هذه الكلمات حرصا على الرفيق أبو النوف وتاريخه النضالي الحافل من اجل قضية فلسطين. لا، لا تعد يا رفيق، لأننا لا نريد أن نفقد رمزاً من رموز الثورة الفلسطينية. فعودتك محفوفة بالمخاطر: أولاً: لا يمكن أن نثق بإسرائيل، ولا يمكننا اختزال قيام الاحتلال الخبيث واللئيم باغتيالك كما فعل مع الرفيق أبو علي مصطفى، ثانياً، إنّ دخولك في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ شعبنا العربي الفلسطيني إلى رام الله يعمق الإنقسام الحاصل، بينما نعتقد أنّ الرفيق حواتمة يجب ألا أن ينحاز إلى هذا الفصيل أو ذاك، لأن الانحياز ودخول الأراضي الفلسطينية بتصريح من المحتل ستبقى راسخة في عقول وقلوب الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم.

لا يا أبا النوف، لا تٌقدم على هذه الخطوة، وابق حيث أنت معززاً ومكرماً، لأننا نريد دائماً أن تبقى راسخاً في ذهننا ذاك المقاوم الأسمر الذي لا يتنازل للاحتلال.. لا.. لا تعد أيها الرفيق حواتمة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، من اجلنا ومن اجل تاريخك الذي يُشرّف كل عربي وكل فلسطيني نبيل!

التعليقات