31/10/2010 - 11:02

لبنان بعد القمّة: تعويم النظام أم تقويمه؟../ عصام نعمان*

لبنان بعد القمّة: تعويم النظام أم تقويمه؟../ عصام نعمان*
تتّفق قوى الموالاة والمعارضة على أنّ قمّة دمشق أحسنت بتأكيدها مجدّداً على المبادرة العربية كأساس لتسوية الأزمة اللبنانية. لكنها تختلف، كما قبل القمة، على تفسيرها.

فالموالاة تقول إنّ لبندها الأوّل القاضي بانتخاب رئيس جديد للجمهورية أولويّة مطلقة في التنفيذ على البند الثاني القاضي بالاتفاق على تأليف حكومة وحدة وطنية، والبند الثالث القاضي بالاتفاق على قانون جديد للانتخابات. بينما المعارضة ترى أنّ البنود الثلاثة تؤلّف سلة متكاملة يقتضي تنفيذها معاً.
ثمة دافعان واضحان وراء تمسّك كل من الطرفين بتفسيره للمبادرة العربية. فقوى الموالاة لا يضيرها انتخاب المرشَّح التوافقي العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية ما دام في وسعها أن تتحكّم لاحقاً في مسألة تأليف الحكومة، لكونها تمتلك أغلبية مريحة في مجلس النواب.

أمّا قوى المعارضة، فتتحسّب لاحتمال أن ترفض الموالاة، بعد انتخاب الرئيس الجديد، تأليف حكومة وحدة وطنية تضمن مشاركة متوازنة للطرفين المتصارعين في الحكم، فتكون النتيجة بقاء حكومة فؤاد السنيورة غير الدستورية وغير الشرعية وغير الميثاقية متحكمةً في السلطة.

لماذا لتأليف الحكومة، كل هذه الأهمية؟ لأنّها الجهة التي ستضع مشروع قانون الانتخابات الجديد. إذا لم يكن تأليف الحكومة متوازناً فإنه سيكون في مقدور قوى الموالاة هندسة قانون الانتخابات على قياس مصالحها، وإقراره في مجلس النواب حيث تمتلك الغالبية، وبالتالي ضمان فوز مرشّحيها في الانتخابات وتدويم سيطرتها على السلطة. من هنا ينبع اشتراط المعارضة أن يجري الاتفاق مسبّقاً وعلناً على قانون ديموقراطي وعادل للانتخابات والالتزام بإقراره في حكومة وحدة وطنية متوازنة، ومن ثم في مجلس النوّاب دونما تعديل.

باختصار، ترى قوى الموالاة في سيطرتها الحالية على مجلسي الوزراء والنوّاب وسيلة فعّالة لوضع قانون جديد للانتخابات أو، استطراداً، المحافظة على قانون الانتخابات لعام 2000 النافذ حالياً والمؤاتي لها، وذلك لضمان استمرارها في السلطة، بينما ترى قوى المعارضة أنّها تتمتّع حالياً بالأكثرية على الصعيد الشعبي، وأنه لا سبيل إلى ترجمتها إلى أكثرية على الصعيد النيابي إلّا باعتماد قانون انتخابات ديموقراطي وعادل، وإجراء الانتخابات بموجبه تحت إدارة حكومة وحدة وطنية متوازنة.

إنّ استمرار قوى الموالاة في السلطة يعني الإبقاء على النظام السياسي الطوائفي الفاسد. وهو أمر لا يناسب أركان الطبقة السياسية القابضة فحسب، بل يناسب أيضاً قوى إقليمية ودولية ترى في وجود هذه الطبقة واستمرار سيطرتها على السلطة ضمانة لاستمرار نفوذها في لبنان وسائر أنحاء المنطقة.

في المقابل، يشكو بعض أطراف المعارضة من تعاون بعض أركان الطبقة السياسية القابضة مع قوى دولية وإقليمية نافذة كالولايات المتحدة والسعودية، بينما يشكو بعضهم الآخر من استغلال معظم أركان الطبقة القابضة للنظام السياسي، وتشريع الفساد وتعميق الطائفية والحؤول تالياً دون تجديده وتطويره بتمكين القوى الحية، عبر انتخابات حرّة ونزيهة، من ولوج البرلمان. هذا مع العلم أنّ انزلاق بعض قوى الموالاة إلى التعاون مع الولايات المتحدة والسعودية في الضغط على سوريا، عبر الساحة اللبنانية، من أجل فكّ تحالفها الاستراتيجي مع إيران أو تغيير سياسة النظام على الأقلّ، حمل سوريا كما إيران على دعم قوى المعارضة المناوئة لحلفاء الولايات المتحدة والسعودية في لبنان.

إذ تعود قمّة دمشق إلى تأكيد المبادرة العربية، فإن جوهر مقاربتها للأزمة اللبنانية يقوم على أساس اجتراح تسوية بين قوى الموالاة وسوريا قوامها قبول دمشق باستمرار قوى الموالاة في السلطة، والتوقّف عن دعم قوى المعارضة في مقابل توقّف قوى الموالاة عن مناوأة سوريا وقبولها تعطيل المحكمة الخاصة ذات الطابع الدولي المفترض أن تنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

ترفض قوى المعارضة، كما سوريا على ما يبدو، أن يقتصر مضمون التسوية المرتقبة على إنهاء القطيعة بين سوريا وقوى الموالاة، حليفة دمشق قبل اغتيال الحريري، لأن من شأن ذلك تهديد وجود المقاومة اللبنانية المتصدّية لإسرائيل من جهة وإغلاق باب الإصلاح الديموقراطي للنظام السياسي الفاسد من جهة أخرى. ويبدو أنّ قوى المعارضة صامدة في موقفها، وهي تحالف الزمن أملاً في حصول اختلال في موازين القوى الداخلية لمصلحتها يأتي عقب انتهاء ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش مطلعَ العام المقبل.

إذ يستمرّ الصراع بين قوى الموالاة والمعارضة، محتدماً تارةً، هادئاً تارة أخرى، تبرز للعيان ظاهرة مستجدّة هي نزوع كل من الطرفين إلى إعادة تنظيم صفوفه سعياً إلى مزيد من المركزية في التخطيط والتنفيذ والى تأطير للقوى الأعضاء في كلا التكتلين على صعيد المناطق والنواحي المحلية. فقوى 14 آذار، وهي جسم الموالاة، ألّفت لجاناً متخصّصة وعقدت خلوات واجتماعات انتهت إلى وضع وثيقة سياسية وثقافية هي بمثابة رؤية للعمل السياسي في الحاضر والمستقبل. كذلك أعلن اللقاء الوطني، وهو أحد أبرز قوى المعارضة التقليدية، عن اعتزامه إنشاء جبهة عريضة ذات قيادة مركزية وربما فروع محلية أيضاً.

واللافت في الظاهرة المستجدّة على طرفي خطّ الصراع أنّ معظم أركان الموالاة كما معظم أركان المعارضة التقليدية كانوا يمثّلون طبقةً سياسية واحدة موالية لدمشق ومتعاونة معها على مدى فترة الثلاثين عاماً من الوجود السوري في لبنان. وثمة أعضاء في كلا التكتلين يسعون، بدعم من السعودية ومصر، إلى إزالة الجفوة بين أركان التكتّلين في سياق الجهود المبذولة لاجتراح تسوية غايتها تعويم النظام السياسي الطوائفي القائم وإعادة توحيد الطبقة السياسية القابضة باعتماد معادلة متوازنة لتقاسم خيرات النظام، وترسيخ الأمن في وجه القوى المناوئة له وللولايات المتحدة وإسرائيل.

إزاء تكتّلي الموالاة والمعارضة، ولا سيّما حيال العناصر الناشطة في صفوفهما من أجل إعادة تعويم الطبقة السياسية القابضة، تقف متحسّبة مجموعة من القوى الوطنية والإسلامية والديموقراطية واليسارية اللبنانية، بعضها مستقلّ تنظيمياً عن أطر التكتلين، وبعضها الآخر منخرط تنظيمياً فيهما وإن كان معارضاً لرؤيتهما السياسية ونقيضاً لمصالحهما الاقتصادية وناقداً لممارستهما الاجتماعية. فمنبر الوحدة الوطنية «القوة الثالثة»، برئاسة الدكتور سليم الحص، والشيوعيون، والقوميون الاجتماعيون، والناصريون التقدّميون، والإسلاميون الشوريون من أعضاء حزب الله وكتلته البرلمانية، والعونيون من أعضاء التيار الوطني الحر وكتلته البرلمانية يرتابون في المساعي الهادفة إلى تعويم الطبقة السياسية القابضة، ويتوافقون بصورة عامّة على أنّ نظامها الطوائفي الفاسد بات خطراً على الكيان، وأنّها بالتالي عاجزة عن اجتراح تسوية تاريخية غايتها الانتقال من النظام القائم، باعتباره مجرّد آلية لتقاسم السلطة والمصالح والمغانم والنفوذ بين أركان الطبقة القابضة، إلى دولة مدنية ديموقراطية تقوم على أساس حكم القانون والعدالة والتنمية.

صحيح أنّ القوى الإصلاحية جادّة في تحقيق رؤيتها المستقبلية، لكنها حريصة في الوقت نفسه على ترميم الوحدة الوطنية بغية التصدّي للعدوانية الصهيونية ونصرة المقاومة الوطنية ومواجهة تحديات الهيمنة الأميركية. ذلك كلّه يحملها على ممارسة أقصى درجات الحكمة في تشخيص تحديات المرحلة الراهنة وفي وضع المناهج والآليات اللازمة لمواجهة التحديين الرئيسيين: التصدّي لإسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، والوفاء بمتطلّبات الإصلاح السياسي الديموقراطي بإقامة الدولة المدنية الديموقراطية القادرة والعادلة. من هنا، يميل معظم هذه القوى إلى طرح فكرة تقويم النظام في المرحلة الانتقالية لا تعويمه.

والمقصود بالتقويم تصحيح تركيبة السلطة الحاكمة لضمان مشاركة وازنة للقوى الإصلاحية فيها خلال المرحلة الممتدة إلى موعد استحقاق الانتخابات النيابية في ربيع العام القادم. والهدف من المشاركة الوازنة في الحكومة هو ضمان إقرار قانون للانتخابات على أساس نظام التمثيل النسبي، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت رقابة منظمات غير حكومية تُعنى بديموقراطية الانتخابات والحريات العامة وحقوق الإنسان. كل ذلك من أجل تأمين صحّة التمثيل الشعبي وعدالته وتمكين القوى الحية من التوصل إلى اجتراح تسوية تاريخية للأزمة اللبنانية المزمنة.

أجل، المطلوب تسوية تاريخية يصنعها اللبنانيون أنفسهم بعيداً من القوى الخارجية الطامعة وحلفائها من أصحاب المصالح والأغراض والأهواء.
"الأخبار"

التعليقات