31/10/2010 - 11:02

لغتان لسياسة واحدة../ علي جرادات

لغتان لسياسة واحدة../ علي جرادات
بعد سنوات على اطلاق ادارته لعملية "الفوضى الخلاقة" لكل صنوف الحروب والفتن المذهبية والطائفية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط، يأتي بوش في زيارة للمنطقة. والسؤال: هل تقوى ديبلوماسية سبعة أيام، هي مدة زيارة الرئيس الأمريكي، على التأسيس الى تجاوز إرث سبع سنوات، هي عمر حروب ادارته منذ أحداث الحادي عشر مِن أيلول 2001؟!!!

أعتقد أن مِن غير الممكن لأحد، حتى للرئيس الأمريكي نفسه، أن يرد بالإيجاب على هذا السؤال، ما لم يجر تغيير يطال جوهر السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الاوسط وملفاتها، وخاصة ملف الصراع العربي الإسرائيلي، أما مجرد تغيير لغة السياسة الشرق الأوسطية للإدارة الأمريكية، فلن يقود الى أكثر مِن العودة الى التكرار الممجوج لسياسة "إدارة الأزمة" المعهودة، التي جرى اللجوء اليها، ولم تسفر عن نتيجة غير ما تشهده المنطقة عموما، وفلسطين ولبنان والعراق تحديداً، مِن كوارث، تتحمل الإدارة الأمريكية الداعمة للصلف الإسرائيلي مسؤوليتها الأساسية. وهذا ما يطرح سؤال: هل يمكن اعتبار لجوء الادارة الأمريكية مؤخرا الى الممارسة الديبلوماسية بدل التصعيد العسكري بمثابة تغيير في السياسة أم مجرد تغيير في لغتها؟!!!

للإجابة على هذا السؤال المفتاحي حري التذكير بأن "الحرب امتداد للسياسة ولغة عنيفة لها". وتلك مقولة تنطوي على قيمة تحليلية كبيرة، أظن أن على المرء الإمساك بها، إن هو أراد فهماً صحيحاً وتفسيراً دقيقاً لمستجدات سياسة ادارة بوش الأخيرة تجاه منطقة الشرق الأوسط، علماً أن مِن شأن الخطأ في فهم هذه المستجدات وتفسيرها أن يقود الى الإرباك في التعامل معها، ورسم التكتيكات السياسية المناسبة في مواجهتها.

بالاستناد إلى ما تقدم؛ وبالإستناد الى إحجام إدارة بوش عن ممارسة ولو الحد الأدنى مِن الضغط على حكام تل أبيب؛ وبالإستناد الى إصرار حكومة أولمرت على استباق زيارة بوش للمنطقة بالمزيد مِن الإجراءات الإستيطانية وممارسة المزيد مِن جرائم الحرب في غزة والضفة، كان آخرها ما جرى ويجري في شمال قطاع غزة وجنوبه فضلا عما قام به الجيش الإسرائيلي في مدينة نابلس مِن اجتياح وتنكيل واعتقالات؛ أقول بالإستناد الى كل ذلك؛ وحتى لا يتوه المستهدفون مِن اللغة الجديدة لسياسة إدارة بوش، وحتى لا يوغل المفتونون بالسياسة الأمريكية، بصرف النظر عن تغيرات لغتها، فإنني أعتقد بأن الأهم مِن رصد مؤشرات تغيرات لغة سياسة إدارة بوش، إنما يقع في سؤال: ترى لماذا هذه التغيرات؟!!! وهل يمكن أن تكون خارج إطار محاولة احتواء مصاعب المغامرات العسكرية الأمريكية وانتكاساتها؟!!! وهل يمكن أن تكون خارج إطار محاولة إعادة الإمساك بزمام المبادرة لتحقيق ذات الأهداف السياسية التي رمت لتحقيقها لغة المغامرات العسكرية؟!!!

كلا، ذلك أن لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط مطالب ثابتة، كان لخصها هيكل بصوابية في كتابه العربي التائه بالقول: " المصلحة الأمريكية العليا في المنطقة لها ثلاثة مطالب: السيطرة على البترول، وضمان أمن إسرائيل، وتوسيع النفوذ الأمريكي بصفة عامة".

يستدعي التذكير بما سبق ما يلوح في الأفق مِن تخفيف للغة التصعيد العسكري الأمريكي في المنطقة، وهو التصعيد الذي إتخذ مِن أحداث الحادي عشر مِن 2001 ذريعة له، بينما يعلم القاصي والداني أن خلف هذه الذريعة تختبيء أهداف إحكام السيطرة الأمريكية على المنطقة وضمان تفوق إسرائيل فيها. وهي ذات الأهداف التي يجري العمل لتحقيقها مِن خلال سياسة الإحتواء الديبلوماسي، التي كان أوصى بها تقرير بيكر-هاملتون الشهير، وذلك على خلفية ما أفضت اليه اللغة الحربية "للمحافظين الجدد" مِن مصاعب وانتكاسات في العراق وأفغانستان، فضلا عن اللطمة التي تلقتها العنجهية الإسرائيلية المدعومة أمريكياً في لبنان.

في إطار انتقال الإدارة الأمريكية الى لغة الإحتواء الديبلوماسي بدل لغة التصعيد العسكري، تندرج زيارة بوش، التي تشكل تتويجاً لجهد ديبلوماسي أمريكي هائل قاد الى اعادة الإمساك بزمام المبادرة السياسية في شؤون ملفات المنطقة وقضاياها، وفي مقدمتها ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، وذلك عبر:

أولاً: عقد لقاء أنابوليس الدولي شكلا والأمريكي مضموناً حول ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ما أفضى الى اعادة المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية تحت الإشراف والرعاية الأمريكية، بعد توقف دام لسنوات بذريعة "عدم وجود شريك فلسطيني"، الذريعة التي كان أطلقها شارون، وزكاها بوش، لتبرير عملية اجتياح الضفة الغربية واعادة احتلال مناطق "أ" فيها، وجاء فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة، ليضاعف التضليل الذي انطوت عليه تلك الذريعة، التي تم استخدامها كغطاء لتوسيع العزلة السياسية والحصار الاقتصادي على الفلسطينيين وممارسة أبشع صور جرائم الحرب بحقهم.

ثانياً:الوعد بعقد لقاء (أنابوليس 2) في موسكو حول ملف الصراع السوري اللبناني مع إسرائيل، ما قاد الى دعوة سوريا ومشاركتها في "لقاء أنابوليس 1"، بعد سنوات مِن المقاطعة الأمريكية لسوريا وفرض العزلة عليها، وذلك بذريعة إعتبارها واحدة مِن "دول محور الشر"، بحسب تصنيفات "المحافظين الجدد" بقيادة بوش بعد الحادي عشر مِن أيلول/ سبتمبر 2001.

ثالثا: التخفيف مِن حدة التوتر الأمريكي مع ايران على خلفية ملفها النووي وتصنيفها ضمن "دول محور الشر". وجاء التقرير الاستخباري لأجهزة المخابرات الأمريكية كأهم مؤشر على المسعى الأمريكي لتخفيف حدة التوتر مع إيران. فقد نص التقرير على مجموعة مِن الأحكام، كان أهمها التأكيد الدراماتيكي الذي يقول: "نحكم بثقة بالغة أنه في خريف 2003، أوقفت طهران برنامجها للتسلح النووي"، رغم أن هذه الفقرة "جاءت مشروطة بملاحظة تشير صياغتها المعقدة الى أن وقف البرنامج، ينطبق على جانب واحد مِن برنامج التسلح النووي الإيراني (وليس اهم جوانبه)، وهو تشييد الرؤوس الحربية"، كما يقول هنري كيسنجر في مقالة نشرتها له صحيفة "واشنطن بوست".

عليه؛ ولما كان دفع جهود ايجاد تسوية للصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"، هو الهدف المعلن لزيارة بوش، وهو ذات الهدف المعلن مِن وراء التغيير الجاري في لغة سياسة إدارة بوش؛ ولما كانت الممارسات الإسرائيلية على الأرض والموقف الأمريكي منها تشير الى عكس ذلك، فإن مِن الوجاهة بمكان التذكير بما أورده هيكل على لسان ريتشارد هاس، الذي قال مرة: "إن الأزمات لا تحل برغبة الأطراف بحلها، وإنما بتوافر شروط معينة تجعل الحل ممكناً". و"إن أزمة فلسطين غير قابلة للنضج مِن الأساس لأنها تنطوي –ضمن عوامل كثيرة- على مقدمات يصعب أن يكون لها حل وسط. وهذا النوع مِن الأزمات ليس له دواء غير وصفة اجراءات تتكفل به، وهي:

1: عزل الأزمة واحكام عزلها عن محيطها حتى لا يتسع نطاقها ولو بالعدوى.
2: وافراغ الأزمة أولا بأول مِن عناصر التوتر حتى لا تنفجر في مكانها مدوية في محيطها.
3: ثم تركها بعد ذلك للزمن يزيحها الى النسيان. وفي هذا النسيان تستهلك الأزمة نفسها بنفسها بالتحلل والتآكل والتلاشي".

على ضوء ما تقدم؛ وعلى ضوء ما تشي به الممارسات الإسرائيلية على الأرض؛ وعلى ضوء اقتصار تغيرات سياسة الإدارة الأمريكية على لغتها؛ فإن مِن العبث الرهان على أن تتمخض زيارة بوش للمنطقة عن أية نتائج تذكر، اللهم عن تجديد لسياسة "إدارة الأزمة"، فرضت العودة اليها، ما قادت اليه اللغة الحربية لسياسة "المحافظين الجدد" مِن مصاعب وانتكاسات، رأى تقرير بيكر-هاملتون أنه لا يمكن تجاوزها بغير العودة الى لغة الديبلوماسية الرامية لحل أزمات قضايا الصراع في المنطقة ظاهراً، والى إحتوائها واقعاً.

التعليقات