31/10/2010 - 11:02

لماذا الآن يُراد تحقيق السلام مع سوريا؟../ أحمد الحيلة*

لماذا الآن يُراد تحقيق السلام مع سوريا؟../ أحمد الحيلة*
بينما يسود الشرق الأوسط مخاوف حقيقية من اندلاع حرب إقليمية بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وبين محور الممانعة أو أحد أضلاعه، ـ وخاصة سوريا التي شهدت حدودها في الآونة الأخيرة مناورات عسكرية إسرائيلية مكثفة، كشفت وزيرة المغتربين الدكتورة بثينة شعبان قبل وصول رئيس الوزراء التركي أردوغان إلى دمشق، بأن سوريا تلقت رسالة من أولمرت عبر الوسيط التركي تفيد بأن إسرائيل مستعدة للانسحاب الكامل من الجولان مقابل السلام مع سوريا..

توقيت تلك الرسالة أثار التساؤل حول مدى جدية إسرائيل في تحقيق السلام مع سوريا، في ظل معطيات مشككة في صدق نوايا الاحتلال على النحو التالي:

• أولاً: إلى وقت قريب جداً، كان أركان الحكومة الإسرائيلية، وأجهزة الأمن والاستخبارات، يختلفون بعمق حول جدوى التفاوض مع سوريا؛ فمنهم من رأى أن المفاوضات قد تنجح في جذب سوريا إلى محور الاعتدال، وبالتالي فك الارتباط أو التحالف بين دمشق وطهران، إضافة إلى رفع الغطاء السياسي السوري عن المقاومة في لبنان وفلسطين كاستحقاقات لازمة للسلام مع إسرائيل. ومن هنا يرى هذا الفريق ضرورة تجريب هذا الخيار علّه يؤتي أكله. الفريق الآخر كان يرى عدم جدوى المفاوضات مع سوريا التي يُعتقد ـ حسب ظن الصهاينة ـ أن نظامها السياسي مركب على "الإرهاب" بتحالفه مع قوى الشر كإيران وحزب الله وحماس، وأن سعي القيادة السورية للتفاوض إنما يهدف إلى كسر العزلة الدولية المضروبة حولها، ومن هنا يرى هذا الفريق بضرورة عدم الانزلاق في المفاوضات مع السوريين، ويشدد على ضرورة العمل على فرض المزيد من العزلة السياسية على سوريا بشتى الوسائل مستعينين بإدارة الرئيس بوش. وعليه، فإننا نتساءل: هل الرسالة الإسرائيلية إلى سوريا تعنى أن الصهاينة قد حسموا أمرهم على خيار التفاوض والسلام؟

• ثانياً: في آخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة يديعوت أحرونوت في الوسط اليهودي الإسرائيلي، ونشرته في عددها الصادر في الخامس والعشرين من هذا الشهر، يفيد بأن 56% من اليهود لا يؤيدون تقديم "تنازلات" في الجولان مقابل اتفاق سلام كامل مع سوريا، بينما أجاب 25% من اليهود بأنهم يؤيدون الانسحاب الكامل من الجولان، مقابل 19% من اليهود يؤيدون الانسحاب من جزء من الجولان مقابل السلام مع سوريا. وهذا بدوره يثير سؤالاً آخر: هل أولمرت الذي بالكاد تخلص مؤخراً من أزمة تقرير فينوغراد، قد بلغت فيه الثقة بالنفس، والقدرة، وروح الزعامة مبلغها إلى الدرجة التي يستطيع فيها رهن مستقبله السياسي بالمفاوضات مع سوريا التي يعارض فيها أغلبية اليهود "التنازل" عن الجولان كثمن للسلام؟ والمفارقة هنا أن هذا الأمر يأتي في الوقت الذي يُبدي فيه ايهود اولمرت حرصه الشديد على عدم فقدان منصب رئيس الوزراء، الذي يتطلع ويسعى إليه كل من وزير الدفاع، رئيس حزب العمل ايهود باراك، ورئيس حزب الليكود بنيامين نتانياهو، اللذين لا يفوتان أي فرصة إلا ويعملان على تشويه واتهام ايهود اولمرت بالتفريط والتنازل..، أملاً في خسارته في أي انتخابات تشريعية مقبلة.

• ثالثاً: الأمر الآخر، يتعلق بموقف الولايات المتحدة الأمريكية؛ فالمتابع يدرك أن الرئيس بوش وبعض مساعديه يعارضون بشدة التقارب أو التفاوض مع سوريا، وذلك لقناعتهم بأن سوريا لن تفك تحالفها الاستراتيجي مع إيران، وبأنها لن تتخلى عن المقاومة الفلسطينية واللبنانية. هذا بالإضافة إلى التراكمات السلبية في العلاقات السورية الأمريكية الناتجة عن انسحاب الجيش السوري من لبنان والخلاف حول طبيعة التسوية في الملف اللبناني، ناهيك عن اتهام واشنطن لسوريا بأنها تساعد المقاومة العراقية، وبأنها لا تعمل جادة لإغلاق حدودها أمام المتسللين من العرب. أي أن واشنطن تفضل استمرار الضغط والعزل السياسي لسوريا، وعدم منحها الفرصة لكسر تلك العزلة. فهل واشنطن غيرت قناعاتها في اللحظة الأخيرة، وبالتالي أعطت الضوء الأخضر لإسرائيلي للشروع في المفاوضات مع سوريا؟

الملفت في الأمر أن الإعلان عن استعداد إسرائيل للانسحاب من كامل الجولان كثمن للسلام مع سوريا، تبعه مباشرة وبعد يومين، اتهام واشنطن لدمشق (25/4)، بأنها سعت لامتلاك مفاعل نووي سري لإجراء نشاطات نووية سرية بمساعدة كوريا الشمالية لإنتاج البلوتونيوم لأهداف غير سلمية، وذلك حسبما ورد في البيان الذي أصدره البيت الأبيض. إضافة إلى نشر الإدارة الأمريكية لصور تزعم أنها لمفاعل نووي سوري شبيه لمفاعل نووي كوري للدلالة على ما ذهبت إليه.

هذه المفارقة في المواقف تضعنا أمام سيناريوهين، كما يلي:

• السيناريو الأول: أن هناك محاولة لصنع السلام مع سوريا، تحت الضغط المباشر والتهديد..، لأجل إخافة السوريين من المستقبل، وبالتالي دفعهم لخفض سقفهم السياسي، وقبولهم بالسقف السياسي الإسرائيلي المرتفع والمطالب بفك التحالف بين سوريا وإيران، وقطع العلاقة مع حزب الله وحماس، وبالتالي حشر سوريا في حدودها القطرية بمعزل عن امتداداتها وتأثيرها الإقليمي. أي جذب سوريا إلى معسكر "الاعتدال العربي" السائر في فلك النجم الأمريكي بأقل الأثمان الممكنة.

• السيناريو الثاني: تحضير كل من واشنطن وتل ابيب لضربة عسكرية محتملة لمحور الممانعة، وتحديداً لحزب الله في لبنان أو إيران. والمطلوب من سوريا أن تقف على الحياد، وأن لا تلعب أي دور ضد التوجه الأمريكي، وإلا فإنها ستتعرض لموجة جديدة من الضغوط والعقوبات الدولية، بإحالة ملف المنشأة النووية المزعومة في منطقة "دير الزور" إلى مجلس الأمن الذي أضحى مؤسسة دولية تعمل بوحي من توجيهات وزارة الخارجية الأمريكية. وليس خافياً على السوريين قدرات واشنطن وأجهزتها الأمنية على فبركة الكذب والترويج له، على غرار ما حدث للعراق. أي أن المطلوب من السوريين الحياد والصمت على شر ما هو قادم، مقابل زعم إسرائيل بأنها ترغب في السلام، وأنها توافق على إعادة الجولان إلى سوريا..

تجربة العرب والفلسطينيين مع إسرائيل بعدم احترامها لوعودها، وعدم احترامها لالتزاماتها، وعدم احترامها للأسرة الدولية، والقانون الدولي ليس بحاجة إلى دلالة، يكفي أن الحكومات الإسرائيلية المتتابعة منذ مقتل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين عام 1996، تصر على تجاهل أو عدم الاعتراف بما يسمى بوديعة رابين التي أقر فيها بحق سوريا في كامل الجولان، فهل الصهاينة الآن وبقيادة اولمرت اكتشفوا مؤخراً وبمحض الصدفة بأن هناك وديعة، وبأن لسوريا أرض محتلة؟!

وهل يعتقد الإسرائيليون بأن مجرد الزعم، وإعلان الرغبة في السلام في ظل حقل الأشواك والألغام الذي زرعوه بشراكة أمريكية في العراق، ولبنان، وفلسطين..، سيحفز ويقنع القيادة السورية بجدية الاحتلال في تحقيق السلام العادل مع سوريا؟!

في تقديرنا أن الوساطة والتحرك التركي بين دمشق وتل ابيب سيظل يلقى التشجيع لمجرد الاستكشاف وسبر الأغوار لدى الأطراف القلقة من اندلاع حرب إقليمية، إضافة إلى هدف تقطيع الوقت المتبقي من عمر إدارة الرئيس بوش الذي يُخشى من اتخاذه خطوات عسكرية مغامرة في اللحظة الأخيرة، والتي قد تجر المنطقة إلى المجهول.

التعليقات