31/10/2010 - 11:02

لماذا "الملتقى العربي والدولي لحق العودة"؟../ عوني فرسخ

لماذا

على هامش الملتقى الدولي لنصرة القدس، الذي عقد في اسطنبول خريف العام الماضي، بحضور نحو خمسة آلاف متضامن مع حقوق الشعب العربي فيها، وإدانتهم التعديات الصهيونية على مقدساتها الاسلامية والمسيحية، اتفق بعض نشطاء العمل القومي العربي على الدعوة لمؤتمر مماثل لنصرة حق العودة، وتشكلت لذلك لجنة تحضيرية ضمت شخصيات فكرية وسياسية من مشرق الوطن العربي ومغربه. وبعد تدارس كل الاحتمالات قررت عقد المؤتمر في دمشق يومي 23 و 24 من الشهر الجاري. وذلك انطلاقاً من القناعة بأن حق العودة انما هو المكون الأساسي للقضية الفلسطينية، كما ورد في الدعوة الصادرة عن رئيس اللجنة التحضيرية المناضل القومي مشغول الفكر والوجدان بقضايا أمته الأستاذ معن بشور.

وتأتي الدعوة للملتقى في مرحلة تتواتر فيها الدعوات في واشنطن والقدس المحتلة لاغتنام الفرصة لتصفية الصراع العربي – الصهيوني وفق الاشتراطات الصهيو- أمريكية المعهود للرباعية الدولية تمريرها. وأولها اسقاط حق العودة بتجاوز القرار 194. وفي اتساق مع المخطط المرسوم جاء الترحيب الرسمي العربي باعلان الصهاينة استعدادهم للتفاوض حول المبادرة العربية، كما كانت عليه قبل إضافة النص على حل مشكلة اللاجئين استناداً للقرار الدولي. وهو النص الذي جرت اضافته في قمة بيروت العام 2000 نزولاً على إصرار الرئيس اللبناني السابق اميل لحود.

ولأهمية الملتقى تبنى الدعوة إليه خمسون اتحاداً ومؤتمراً ومنظمة، من أبرز هيئات المجتمع المدني العربية، في طليعتها: المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي- الاسلامي، ومؤتمر الأحزاب العربية، والمنظمة العربية لحقوق الانسان، وجميع الاتحادات المهنية العربية العامة، والمركز العربي لحق العودة في لندن، ومؤتمر حق العودة، والمجلس الوطني للعرب الأمريكيين. وتجاوباً مع الدعوة، وتقديراً لأهمية المنظمات والشخصيات القائمة عليها، وادراكاً لخطورة التواطؤ الدولي والاقليمي والسلطوي الفلسطيني على حق العودة والقرار 194 بالذات. لكل ذلك متفاعلاً استجاب للدعوة، وأبدى استعداده لتحمل نفقات وأعباء السفر والإقامة، ما يجاوز الألفين والخمسمائة. كما ذكر رئيس اللجنة التحضيرية قبل اسبوعين، وأنها لا زالت تتلقى طلبات المشاركة، وان شباباً من الجنسين من لبنان وسوريا والأردن تطوعوا للعمل مع الجهاز الاداري للملتقى.

والملتقى بحضور الذين يجاوزون الألفين والخمسمائة مقصود به أن يكون تظاهرة اعلامية قومية ودولية، أولى غاياتها المستهدفة تأكيد اجماع هيئات المجتمع المدني العربية، ذات المكانة والاعتبار قطرياً وقومياً، والمتحررة من الارتباطات الخارجية المشبوهة، على رفضها أي مساس بحق العودة، وأي التفاف حول القرار 194، الذي والت الجمعية العامة للأمم المتحدة تأكيده بحيث اكتسب قوة القانون الدولي العام. بل وتأكيدها ان حق العودة ليس فقط مجرد حق وطني فلسطيني، ما انفكت الملايين من أبناء شعب الممانعة التاريخية والمقاومة الأسطورية تعتبره أولى ثوابتها الوطنية، وانما هو أيضاً حق قومي يدعمه ممثلو مختلف القوى الوطنية والقومية والاسلامية في عموم الوطن العربي من المحيط الى الخليج. الأمر الذي يشكل احراجاً لكل مسؤول عربي، قد يجد في تساهل فريق أوسلو بشأن حق العودة، ما يبرر له اعفاء نفسه من المسؤولية القومية والتاريخية إن هو استجاب للضغوط الدولية، وبالذات الأمريكية والأوروبية منها، وتخلى عن حق قومي مشروع دولياً يمس في الصميم ماضي وحاضر ومستقبل ستة ملايين عربي شردوا من ديارهم بفعل تواطؤ دولي لإقامة "اسرائيل" ودعم متواصل لعدوانها واصرار صناع قرارها على رفض تنفيذ القرار 194، الذي كان اعلانها الالتزام بتنفيذه بطاقة عضويتها في الأمم المتحدة.

ثم إن الملتقى بهذا العدد الكبير من المشاركين، من مشرق الوطن العربي ومغربه، كما من المهجر الأوروبي والأمريكي، وقطاع غير يسير منهم ليس من مواليد فلسطين المحتلة، أو من أبناء وأحفاد مواليد فلسطين، وانما هم عرب ملتزمون بالتحرير والعودة خياراً استراتيجياً، فإن في مشاركتهم دلالة اتساع اطار المؤمنين بأن حق العودة حق لا عودة عنه. وحين يؤخذ في الحسبان أن كلاً من المنظمات الملتزمة بالدعوة للملتقى تمثل آلاف المواطنين والمواطنات في عموم الوطن العربي، يغدو منطقياً القول بأن الملتقى، وإن اقتصر على المشاركين بحضوره مهما كان عددهم انما يجسد ارادة الأمة العربية في الوطن والمهجر. الأمر الذي يضحد كل مقولات ادعياء الواقعية حول تراجع الأهمية النسبية للقضية الفلسطينية لدى المواطن العربي الذي بات مشغولاً بشؤونه وهمومه الخاصة.

والملتقى وإن هو اختص بحق العودة إلا أنه في الواقع العملي يعبر عن الارادة العربية بالتصدي لمخاطر الدعوة الأمريكية – الصهيونية باعتبار "اسرائيل" دولة يهودية، وفي مقدمتها التهجير القسري "الترانسفير" للمواطنين العرب في الأرض التي احتلت عام 1948 وقام عليها الكيان الصهيوني. ذلك لأن الذين يصرون على حق العودة وعدم المساس بالقرار 194، انما يؤسسون بموقفهم الرافض للتنازل عن هذا الثابت الوطني الفلسطيني، لإقامة جدار عربي قومي للتصدي لأي مساس بالحقوق القومية والوجود الفعلي للمواطنين العرب فيما احتل من أرض فلسطين في جولة الصراع الأولى، وبخاصة مواطني الجليل والمثلث والنقب.

والثابت في التجارب الانسانية عبر التاريخ أن رفض التسليم بالأمر الواقع أولى درجات الممانعة وأكثرها جذرية، والقاعدة التي تنطلق منها كل أشكال المقاومة، السلمية منها وغير السلمية. وعليه فالدعوة للملتقى العربي والدولي لحق العودة، وإن لم تتضمن الإشارة للمقاومة، دعوة غير معلنة للمقاومة، بما تنطوي عليه من رفض مبدئي لجريمة التطهير العرقي التي اقترفتها القوات الصهيونية في حرب 1948/1949، وما انطوت عليه من تهجير قسري "ترانسفير" لما يقارب 70% من مواطني فلسطين، ومصادرة عقاراتهم وما خلفوه من أموال منقولة، تصرف بها "حارس أملاك العدو" الصهيوني وكأنها غنائم حرب.

ولأن الملتقى انما يجسد ارادة الأمة العربية في رفض الأمر الواقع الذي يجري التواطؤ الدولي والاقليمي والسلطوي لإبرام صفقة التصفية على أساسه، فانه برغم طابعه السلمي اعتبر من قبل أطراف تحالف التصفية دعوة منكرة ومرفوضة. الأمر الذي يؤكد أهمية الملتقى وضرورته باعتباره عملاً جماهيراً مقاوماً لمخطط التصفية المتواطأ على تنفيذه دولياً واقليمياً وسلطوياً. وهذا في حد ذاته يقدم الاجابة الوافية لسؤال: لماذا الملتقى العربي والدولي لحق العودة ؟

التعليقات